أَيَّةُ مَعْرِفَةٍ؟! [٢]

نـــــــــزار حيدر

المطلوبُ ما يلي؛

١/ العلمُ الذي تستفيدَ مِنْهُ أَنت شخصيّاً قبل غيرِكَ، لأَنَّ الاصلاحَ يبدأُ مِنَ الذَّاتِ أَوَّلاً لينطلقَ إِلى المجتمعِ، ولذلك ينبغي أَن نبحثَ دائماً عن العلمِ والمعرفةِ والتَّعليم الذي يتركُ أَثراً في الاصلاح الذَّاتي! وإِلَّا فما فائدةُ علمٍ يستفيدُ مِنْهُ غيركَ ولا تستفيدَ مِنْهُ أَنت؟! يُصلح غيركَ ولا يُصلح نفسك؟! ينمِّي عقلَ غيرِكَ ومداركهُ ولا يؤثِّر في عقلكَ؟! يسترشدُ بِه غيرُكَ ولا تسترشدَ به أَنت شخصيّاً؟!.

تعلَّم العِلمَ لنفسِكَ أَوَّلاً قبل أَن تُلقيهُ دروساً ومحاضرات على غيرِك! أَو تؤلِّفهُ كُتباً ومجلَّدات للآخَرين!.

ليبحث كلُّ واحِدٍ منّا، إِذن، عن العلمِ والمعرفةِ التي تترك أَثراً في إِصلاحِ عقلهِ أَوَّلاً وقبل كلِّ شيءٍ! فاذا تحقَّق ذلك فسيكونُ بالامكانِ أَن يجلسَ مجالسَ العُلماءِ والأَساتذةِ والمعلِّمينَ وعلى المستوى الذي يحقِّقهُ في ذاتهِ، وهذا ما أَشار إِليه الامام أَميرُ المؤمنين (ع) بقولهِ {مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ، وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ، وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالاِْجْلاَلِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ}.

٢/ العلمُ الذي نطلبهُ لنتعلَّم لا لنتفاخرَ مثلاً أَو نتباهى ونُجادل، ففي قول الامام الصَّادق (ع) {طَلَبَةُ العِلمِ على ثَلاثةِ أَصنافٍ؛ فأعرفهُم بأَعيانهِم وصِفاتهِم؛ صِنْفٌ يَطلبُهُ للجَهلِ والمِراءِ، وصِنفٌ يَطلبُهُ للاستِطالةِ والخَتلِ، وصِنفٌ يطلبُهُ للفِقهِ والعَقلِ} تَوصيفٌ رائعٌ لهذا المعنى.

أَمّا أَميرُ المؤمنين (ع) فلقد قَالَ لِسائلٍ سأَلهُ عن مُعضلةٍ: سَل تَفَقُّهاً وَلاَ تَسْأَلْ تَعَنُّتاً، فَإِنَّ الْجَاهِلَ الْمُتَعَلِّمَ شَبِيهٌ بِالْعَالِمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ الْمُتَعَسِّفَ شَبِيهٌ بِالْجَاهِلِ الْمُتَعَنِّتِ}.

وصدقَ (ع) بقولهِ {فَمَنْ جَعَلَ الْمِرَاءَ دَيْدَناً لَمْ يُصْبِحْ لَيْلُهُ}.

لنتعلَّم، إِذن، العِلمَ الذي يُزيدنا معرفةً وينمِّي عقولَنا ويفتحَ أَذهانَنا ويُغيِّر من سلوكيَّاتِنا نحوَ الأَفضلِ! العِلمَ الذي يصفهُ الامام الصَّادق (ع) بقولهِ {دِراسَةُ العِلمِ لُقاحُ المعرفةِ، وطولُ التَّجارب زيادةٌ في العَقلِ}.

٣/ عِلْمُ الحاجةِ ومعرفةُ الحاجةِ وليسَ كلُّ علمٍ وكلُّ معرفةٍ!.

ففي قولِ الامامِ الصَّادق (ع) {أَحسِنوا النَّظر فيما لا يَسعكُم جهلهُ، وناصِحوا لأَنفسكُم، وجاهِدوا في طلبِ ما لا عُذر لكُم في جهلهِ} إِشارةٌ رائعةٌ لهذا الفَهمِ والوعي في طلبِ العلمِ والمعرفةِ! إِذ يُشيرُ الى الأَولويَّات والحاجةِ التي يفرضَها الزَّمكان.

فمِن جانبٍ فانَّ عُمْرَ المرءِ محدودٌ ولذلك لا يُمكنهُ أَن يلُمَّ بكلِّ العلومِ وقضايا العصر التي تشعَّبت وتوسَّعت بشَكلٍ مُذهلٍ، ومن جانبٍ آخر، فانَّ لكلِّ جيلٍ مشاكلهُ وتحدِّياتهُ ومعوِّقاتهُ، فضلاً عن أَنَّ لكلِّ مجموعةٍ في رُقعةٍ جُغرافيَّةٍ محدودةٍ مشاكلَها وتحدِّياتها ومعوِّقاتها، ولذلك فهو لا يقدِرُ أَن يتعلَّم كلَّ شيءٍ لحلِّ مشاكل ومواجهة تحدِّيات الأُمم التي سبقتهُ والأُمم التي ستأتي من بَعْدِهِ، أَو لحلِّ مشاكل النَّاسِ في كلِّ هذا العالَم! إِلّا أَن يكونَ [سوپرمان] فحتّى لو أَرادَ تحقيقَ ذلك فانَّ عُمرهُ المحدود لا يسعفهُ لتحقيقِ ذلكَ، كما أَنَّ طاقاتهُ المحدودة لا تمكِّنهُ من كلِّ ذَلِكَ!.

ولهذا السَّبب ينبغي أَن لا نُضيِّع أَنفسنا في متابعةِ كلِّ شيءٍ في كلِّ وقتٍ! كما يفعلُ البعض عندما يقضون يومَهم في [الشَّات] على مواقع التَّواصل الاجتماعي! وإِنَّما ينبغي علينا أَن نرصَّ الأَولويَّات بشَكلٍ دقيقٍ لنجدَ أَنفسنا في هذا العالَم! من خلالِ الانشغالِ بطلبِ العلمِ الذي يدخل مباشرةً في حلِّ مشاكلِنا وتطويرِ ذاتِنا وإِصلاحٍ مجتمعِنا وبكلمةٍ يملأُ فراغاً نحنُ بأَمسِّ الحاجةِ إِلى مَلئهِ بتعقُّلٍ ودرايةٍ! وندع الباقي لوقتِ الفراغِ.

أَلا تَرَون كيف أَنَّ الدُّوَل النّاجحة تهتمّ بالعُلوم موردِ الحاجةِ كلَّ فترةٍ زمنيَّةٍ قد تطولُ وقد تقصُر حسب ظروفها من مُختلفِ المناحي! فتشجِّع الطَّلبة على كسبِ مهاراتٍ مُعيَّنَةٍ وعلومٍ بذاتِها لسدِّ حاجةٍ وملءِ فَراغٍ!.

أَكثرُ مِن هذا فانَّ مُرتَّب العامِل أَو الموظَّف يتوقَّف على الحاجةِ سواء لتخصُّصٍ ما أَو لمهارةٍ ما! فهُنا في الولايات المتَّحدة الأَميركيَّة، مثلاً، يُنشُر جدولاً سنويّاً تقريباً بالمُرتَّبات تتفاوت فيهِ الاختصاصات والمهارات حسب الحاجة وطلبِ السُّوق! لتحديدِ إِتِّجاه التخصُّصات والاهتمامات.

بل ترى أَحياناً أَنَّ تخصُّصاً ما مطلوباً في ولايةٍ وغير مرغوبٍ في أُخرى!.

أَمّا في البلادِ المُتخلِّفة فانَّ كلَّ ذَلِكَ لا يوجدُ لهُ أَيَّ أَثرٍ لأَنَّها تعيشُ فوضى العلمِ وفوضى الحاجةِ! حتَّى أَنَّك ترى النَّاسَ يطلبونَ عِلماً في وقتٍ ما لا ينفعهُم حتَّى في تربيةِ الدَّجاج! فيما تظلُّ حاجاتٍ علميَّةٍ مُلحَّةٍ مطروحةٍ على الأَرْضِ لا أَحدَ يسأَلُ عنها!.

كلُّ ذلك بسببِ غَيابِ الدِّراسات العِلميَّة لتحديدِ الأَولويَّات والاتِّجاهات والحاجات! وأَتذكر أَنَّ صديقاً [أَعدمهُ فيما بعدُ نِظامُ الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين] تخرَّج من كُليَّة الفقه تمَّ تعيينهُ مُحاسباً في دائرة إِنحصار التِّبغ! طبعاً من بابِ قاعدةِ [الرَّجُلُ المُناسبُ في المكانِ المُناسبِ]!.

كما أَنَّ المُرتَّبات هي الأُخرى في فوضى لا علاقةَ لها لا بالاختصاصِ ولا بالحاجةِ ولا بالطَّلبِ ولا بالتَّنميةِ ولا بأَيِّ شيءٍ!.

*يتبع

٢٠ تمُّوز ٢٠١٧

لِلتّواصُل؛

‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com

‏Face Book: Nazar Haidar

‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1

(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here