أَيَّةُ مَعْرِفَةٍ؟! [١]

نـــــــــزار حيدر

عن الامامِ جعفرِ بن محمَّد الصَّادق (ع) [تُصادفُ اللَّيلة (٢٥ شوَّال من عام ١٤٨ للهجرةِ) ذِكْرى إِستشهادهِ] قولهُ {لا يُصْلِحُ مَن لا يَعْقِلُ، وَلَا يَعْقِلُ مَنْ لا يَعْلَمُ}.

هذا يعني أَنَّ الاصلاحَ، أَيَّ إصلاحٍ، وعلى المستويَين الفردي والمُجتمعي، لا يتحقَّق إِلّا بالعقلِ الذي يصفهُ الامامُ الصَّادق (ع) بقولهِ الرَّائع {دَعامةُ الانسانِ العَقلُ، وبالعقلِ يَكْتَمِلُ، وهُوَ دَليلُهُ ومَبْصرُهُ وَمِفتاحُ أَمرِهِ} ولا ينمو العَقلُ إِلّا بالعلمِ والمعرفةِ! والى هذا المعنى تُشيرُ الآيةِ الكريمةِ {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} وقولهُ تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ* أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ}.

بمعنى آخر فانَّ العِلمَ هو أَساسُ كلَّ شيءٍ وليس في ذَلِكَ تطرُّفٌ في الفهمِ أَو غرابةٌ إِذ لا فضيلةَ كالعلمِ، وإِنَّما تتنافسُ الأُمَمُ المُتحضِّرةُ بالعلمِ والتَّعليمِ والمعرفةِ! ولذلك قال الصَّادق (ع) {أُطلُبُوا العِلْمَ وَلَو بِخَوْضِ اللُّجَجِ وَشَقِّ المُهَجِ}.

ولهذا السَّبب فانَّ أَهْلَ البيتِ (ع) حريصون جدّاً على إِمتحانِ المرء واختبارِ علمهِ دائماً لتحريضهِ على طلبِ العلمِ والمعرفةِ في كلِّ آنٍ كما في قولِ الامام الصَّادق (ع) {إِذَا أَرَدتَ أَن تَختبِرَ عَقلَ الرَّجُلِ في مَجلِسٍ واحدٍ فحدِّثهُ في خِلالِ حديثِكَ بما لا يكونُ، فَإِن أَنْكرهُ فَهُوَ عاقِلٌ، وَإِن صَدَّقهُ فَهُوَ أَحْمَقٌ} وهي الحالةُ التي يتميَّز بها البعضُ عندما تراهُم يصدِّقون حتَّى بالمُتناقِضِ من كلامِ إِثنَين في مجلسٍ واحِدٍ لأَيِّ سببٍ من الأَسبابِ! وهو دليلُ الجهلِ والفراغُ في العقلِ والمعرفةِ.

ولِحرصهِم، أَهدانا أَهلُ البيتِ (ع) مفتاحُ العلمِ لتسهيلِ المُهمَّةِ علينا، كما في قولِ الامام الصَّادق (ع) {إِنَّ هذا العِلْمُ عَلَيهِ قُفلٌ وَمفتاحهُ السُّؤال}.

والآن؛ هل عرفتَ لماذا يسوءُ حالَنا يوماً بعد آخر؟!.

لأَنَّنا نريدُ الاصلاحَ بِلا عقلٍ! ونريدُ العقلَ بِلا علمٍ أَو معرفةٍ، ولذلكَ تحوَّلَ إِصلاحُنا إِلى فسادٍ ومفاسدَ وَإِلَى فوضى عارمةٍ! فالإصلاحُ عن جهلٍ أَو نقصانِ عقلٍ لا يُنتجُ إِلّا فسادٍ آخر!.

والمقصودُ بالاصلاحِ هُنا، المستويَين الفردي والاجتماعي، فكِلا النَّوعين بحاجةٍ الى عقلٍ مُتنوِّرٍ والذي لا نحصل عليهِ إِلّا بالعلمِ والمعرفةِ!.

كما لا نقتصر بالمفهومِ على السِّياسي فقط وإِنَّما على مُختلفِ المستويات، كالأصلاح الفكري والثَّقافي والمعرفي وإِصلاح المفاهيم، فضلاً عن الاصلاح الأَخلاقي وإِصلاح السُّلوك وغير ذلك!.

فعندما غابَ العَقلُ وغابت العقلانيَّة وتغلَّبَ الجهلُ والحَمقُ! سادتِ الفوضى في كلِّ مُحاولاتِ الاصلاحِ حتَّى المعرفيِّ مِنْهُ!.

وصدقَ أَميرُ المؤمنينَ (ع) عندما حذَّرنا من الأَحمق بقولهِ {لاَ تَصْحَبِ الْمَائِقَ [أَي أَلأَحمق] فَإِنَّهُ يُزَيِّنُ لَكَ فِعْلَهُ، وَيَوَدُّ أَنْ تَكُونَ مِثْلَهُ} أَو قولهُ مُحذِّراً ولدهِ الحَسن السِّبط (ع) في وصيَّتهِ التي كتبها لَهُ في [حاضِرين] {يَا بُنَيَّ، إِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الاَْحْمَقِ، فَإِنَّهُ يُريِدُ أَنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرَّكَ} فكانت النَّتيجة ما نراها الآن، فبدلاً من أَن يُصلح الحمقى الحال حوَّلوها إِلى فوضى عارمةٍ وفسادٍ وفشلٍ! لماذا؟! لأَنَّ {قَلبُ الاَْحْمَقِ فِي فِيهِ، وَلِسَانُ الْعَاقِلِ فِي قَلْبِهِ} كما يصفهُ أَميرُ المؤمنين (ع).

السُّؤالُ المُهمُّ والمُلِحُّ الآن؛ أَيُّ علمٍ؟! وأَيَّة معرِفةٍ؟!.

*يتبع

١٩ تمُّوز ٢٠١٧

لِلتّواصُل؛

‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com

‏Face Book: Nazar Haidar

‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1

(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here