الزعيم الاوحد ’ابن الشعب البار’ عبد الكريم قاسم

مازن الشيخ

مقالتي هذه سأتحدث عن ماشاهدته بنفسي’وبأم عيني’عن مايسميه البعض (ثورة)الرابع عشر من تموز1958’ومانجم عنها من احداث وتداعيات’اثرت بشكل كبير على مسيرة الحضارة والتقدم في العراق بشكل خاص’والشرق الاوسط بشكل عام
لازال البعض يصر بأنها ثورة ويدافع عن ذلك الزعم
’رغم ان الواقع يقول انها كانت نقلابا عسكريا
خطط له ونفذه ضباط عراقيون’كانوا قد اتفقوا على اسقاط نظام الحكم الملكي
واختلفوا في كل تفاصيل مابعد ذلك.
كان لكل منهم اجندته الخاصة’ورؤيته عن طبيعة الجمهورية الوليدة’واتجاهها السياسي
’وان اردنا تحديد هوية واتجاه الغالبية من الضباط الذين نفذوا الانقلاب
يمكننا القول’وبكل واقعية
انهم من اتباع ومناصري التوجه القومي العروبي
والذي كان قد تبناه الرئيس جمال عبد الناصر
وبعدفترة قصيرة على نجاح الانقلاب’وتبوءالزعيم الركن عبد الكريم قاسم منصبي رئيس الوزراء ووزير الدفاع,بدأت الامور تتبلور’وظهر البون بين تطلعاته واهدافه’والصورة التي كان قد رسمها في مخيلته عن طبيعة وشكل الحكم الوليد’
وبين ماكان في مخيلة واهداف بقية الرفاق’من الانقلابيين’
وتبين له’وبشكل واضح ان هناك خطورة من تكتل معظم الضباط الاحرار والتفافهم حول نائبه ووزير الداخلية انذاك العقيد الركن عبد السلام محمد عارف
ولخلق وضع متوازي ورغم ان قاسم لم يكن ابدا شيوعيا’فقد التجأ الى الحزب الشيوعي
حيث انه كان اكثر الاحزاب شعبية وتنظيما’ويمتلك قاعدة جماهيرية واسعة
وتحالف معه’واطلق لقادته العنان
وفعلا’وكعادة الشيوعيين في تأليه الزعماء’ كما فعلوا مع لينين وستالين وماوتسي تونغ
فقد رفعوا صور قاسم مع هتاف موحد ’انتشرفي طول العراق وعرضه’وهو
ماكو زعيم الا كريم
والزعيم الاوحد
وابن الشعب البار
ويبدو ان تلك المسألة أخذت بلب الزعيم وجرفته في عالم الخيال
وابتلى بمرض جنون العظمة
وبعد تحالفه مع الشيوعيون’كان لابد ان تظهربوادرالانشقاق بينه وبين رفاقه’خصوصا’ نائبه ووزيرالداخلية العقيدألركن عبد السلام محمدعارف
ثم
سرعان مااستقطب كل منهما اتباعا ومريدين’فكبرحجم الانشقاق
وادى الى قيام قاسم بازاحة عارف’وبعد ان اتهمه بمحاولة اغتياله,
شيئا فشئ,تبينت حقيقة الانقلابيين’وانهم فعلا مختلفين في كل شئ
وانقسم الشارع العراقي بشكل خطيرجدا’
وحدثت محاولات تمرد على زعامة قاسم
’وفشلت محاولة لاغتياله’
وفي يوم 9مارس 1959 استفحلت الامور’ووقع حادث خطير وجلل’
حيث قام’امر موقع الموصل العقيد الركن عبد الوهاب الشواف’باعلان العصيان’مدعوما من قبل وجهاء مدينة الموصل’وقطعات عسكرية مهمة ’يقودها ضباطا برتب عالية
ومدعوما من سوريا’والتي كانت القطر الشرقي من دولة الوحدة التي كان قد اقامها كل من الرئيس المصري القومي جمال عبد الناصر’والرئيس السوري شكري القوتلي
ذلك التمرد’حدث نتيجة اصرار الحزب الشيوعي على عقد مؤتمر انصار السلام في الموصل’
رغم اعتراض وجهائها
تم قمع التمرد وقتل الشواف واعدم كل اعوانه
ثم جرت عملية همجية بربرية’حيث قامت جماهير من الغوغاء’بمهاجمة دورمن اتهموابالاشتراك مع حركة الشواف
’وقتل من فيها وسحلت جثثهم في الشوارع’وقطعت اربا’في احتفالات ,وهتافات واغاني واهازيج فاقت بشاعتها كل وصف!
ثم نهبت بيوتهم وباساليب وطرق لايمكن وصفها(كل ذلك جرى امام عيني’رغم اني كنت وقتها طفلا’الا ان تلك الصور لم تغادر مخيلتي رغم مرورأكثرمن 58عاماعلى تلك الفضائع.)
وكشاهدعيان على ماحدث’
فقد رأيت قوات من البيشمركة يلعبون دورا كبيرا في قمع التمرد’حيث انتشر قناصتهم في كل شوارع الموصل’وقتلواالكثيرين من اتباع الشواف.ولولا تدخلهم’لكانت المعارك استمرت’
ولن اطيل واستشهد بما حدث بعد ذلك في كركوك والبصرة’لأني اعتقد ان مااردت ايصاله الى ذهن القرئ الكريم اصبح واضح المعنى.
وبعدأن تمكن قاسم’ من
قمع حركة الشواف
وتوهم بأنه اصبح مسنودا من قبل ميليشيات الحزب الشيوعي(المقاومة
الشعبية)والميليشيات الكردية’(البيشمركة
استغل هذا الوضع لتصفية معظم معارضيه من الضباط (الاحرار)
فتم القاء القبض على اهمهم واعلاهم رتبا
’وكالعادة’ونزولا عند رغبة ابن خالته’وتنفيذا لاوامره
فقد تولى المهداوي اصدار أحكام الاعدام وتم تنفيذ ذلك في ام الطبول
وتلك مسألة معروفة’ولااجد داعي لاعادة تفاصيل ماحدث
وبعد ان بالغ بعض من قادة ميليشيات الحزب الشيوعي والتي كانت تسمى(المقاومة الشعبية)في التحكم في هياكل الدولة وفرض ارادتها على مؤسساتها’والاعتداء على كل من يتهم بأنه من اعداء الثورة
’وخصوصا بعد احداث 14تموز 1959 في كركوك’
اشتعل حنق الجماهير وكثرت الشكاوي التي انهالت على الزعيم
وبدلا من محاسبة ومحاكمة بعض المخالفين والمتجاوزين
فقد ارتكب قاسم خطئا قاتلا’وذلك عندما لجأ الى حل المقاومة الشعبية’وقبل ان يوفر بديل يسنده في موقعه افي الوقت الذي كان اعدائه يزدادون كل يوم
ورغم ان مستشاريه ابلغوه بان هناك تحركات مشبوهة تهدف الى الاطاحة به
لكنه لم يرعوي
وبقى راكب رأسه
وهتافات
ماكوزعيم الا كريم
تتردد في ذهنه ولايسمع ازائها اي نداء للعقل والمنطق
ونسى ان تلك المصطلحات والهتافات
كالزعيم الاوحد
وماكو زعيم الا كريم كانت من اختراع الشيوعيين حيث
لازات اتذكرمظاهرات الشيوعيون ’في مسيرات تجوب شوارع الموصل’وهي تهتف(عاش زعيمي’عبد الكريمي’حزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيمي’ياحشاش(يعنون جمال عبد الناصر)’اشوهدنك للدولار منو قشمرك’يجي يوم ونسحسلك’عاش زعيمي,,
بحله المفاجئ للمقاومة الشعبية’وجه قاسم اكبر ضربة الى الحزب الشيوعي’والذي كان سنده الوحيد انذاك
فارتكب خطئا قاتلا
وزيادة في تخبطه وقصر نظره كسياسي’فقد عمد الى تعيين
احد اصدقائه ’واسمه اسماعيل عباوي’مديرا لشرطة الموصل
و تمت تحت ادارته عملية تصفية جسدية لاعضاء الحزب الشيوعي’فاغتيل عدد كبير من كوادر واعضاء الحزب
كانت عمليات الاغتيال تجري في وضح النهار وامام انظار الشرطة’والذين لم يتدخلوا’ولم يحاولوا القاء القبض على القتلة’فشاع جو من الخوف والاضطراب في المدينة’وسرعان ماانتشرت عمليات الاغتيالات واصبحت وسيلة لتصفية الحسابات
حيث امن القتلة تحت ادارة عباوي اية مسائلة’بل ان بعض محترفي القتل كانوا يجهرون باعمالهم وبفخر
واصبح بعضهم مستعد لتقديم خدماته لكل شخص ينوي قتل عدو له ولاي سبب.
اصبح القتلة ومن يوجهونهم حكام الموصل الحقيقيون وغابت سلطة الدولة
’بل قام اعداء الزعيم بتسيير مظاهرات حاشدة كل يوم وهي تهتف(يابغداد ثوري ثوري’خللي قاسم يلحق نوري)كانوا يخرجوننا من مدرستنا الابتدائية في منتصف الدوام لنشترك بالتضاهرات’في تحدي واضح للسلطة
حين ذاك تنبه قاسم الى خطورة مافعله فعزل عباوي وعين محله شخصية مهنية ’واتذكر ان اسمه كان محمد الجبوري’أو محمد الافندي’المهم انه تصدى بقوة لعصابات الاغتيالات وحجمها الى حد ما’ولكنهم كانوا قد رسخوا وجودهم ’ولم يستسلمواآبل عمدواالى مهاجمته في داره,واطلقوا وابل من الرصاص’عليه’ولم يكن موجودا في البيت لكن ابنته قتلت
لكنه عاود التصدي لهم وتمكن من دحرهم’وانتهت موجة الاغتيالات’ولكن بعد خراب ودمار لم يسبق له مثيل.
مااذكره عشته ورأيته بام عيني’صحيح اني كنت انذاك طفلا’لكني امتاز بقوة ذاكرة غير طبيعيةوكما ان اشقائي الاكبر كانوا منتمين الى احزاب يسارية’ونال بعض منهم احكاما قاسية بعد 8شباط’ولذلك فقد ترسخت الامور في ذهني واصبحت منذ ذلك الوقت مراقبا ومحللا سياسي غصبا عني.
هذا الوضع لم ينبه قاسم بأن الامورتجري لغيرصالحه
وتوهم بانه بتسليطه عباوي على شيوعيي الموصل’والذين كانوا اكثر قوة وتنظيما من باقي فروع الحزب
سيستطيع كسب اعداء الشيوعيون ’من المتنفذين!
وانه بتشتيت كل مناوئيه وحتى مناصريه سيتمكن من فرض نفسه قائدا اوحدا’وذلك بالتأكيد اقصى طموحاته
لكنه كان واهما’اذ ان عملية تنفيذ حكم الاعدام برفاقه الانقلابيين’في ام الطبول بعد ان اتهمهم بالتعاون مع الشواف’
وخصوصاالعميد الركن ناظم الطبقجلي’والذي كان له شعبية كبيرة بين ضباط الجيش العراق’
كان قد دق اسفين بينه وبين معظم قيادات الجيش’خصوصا انهم تأكدوا’ومن خلال المؤمرات التي صنعها وصممها ضد الجميع
انه كان يهدف الى صناعة ديكتاتور’وزعيم اوحد’لاينافس’ولايقارن بأية شخصية عراقية اخرى
وبعد ان ضحى قاسم بحلفائه الشيوعيين’دون ان يضمن بديل
’بدأ العد التناولي لعملية اسقاطه وازاحته عن الحكم
كان مناوئوه والحاقدين على تفرده بالسلطة المطلقة يزدادون عددا وتنظيما’وهو لايعي حقيقة الامر’وغارق في جنون العظمة’متوهما بأن الزعيم الاوحد’وحبيب الشعب’والذي لايمكن لقوة على الارض ازاحته
وعندما ازداد الحبل التفافا حول رقبته ورغم تحذير اقرب مريديه ومحبيه ومنهم مرافقه وصفي طاهر,والذي حذره بان الامور اصبحت خطرة جدا
لم يرعوي’ووعد طاهر بالقضاء على المؤامرة
وبسبب هذه العقلية والنرجسية’تمكن اعدائه من ازاحته بالقوة’يوم 8شباط’1963’حين قاموا بتنفيذ انقلاب عسكري دموي
فاق ببشاعته كل وصف’حيث هب فقراء بغداد’المغرر بهم’للدفاع عنه لكنهم كانواعزل’ووجهوا بقمع وحشي من قبل الانقلابيين’ استعمل خلاله الرصاص الحي ضدهم وسقط الاف الابرياء صرعى’ودفعوا ثمن نرجسية عبد الكريم قاسم وقصر نظره وانعدام خبرته السياسية
حقيقة انه
قدم خدمات للفقراء
لكن بالتأكيد لم يفعل ذلك لوجه الله
بل لسبب اخر سأتطرق اليه لاحقا
في الحلقة القادمة سنتحدث عن مناقب ومثالب قاسم ونضع النقاط على الحروف
حيث من حق الاجيال الجديدة ان تطلع على الحقيقة من مختلف وجوهها
حتى تقررماذا ستفعل في المستقبل

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here