شناشيل : لا.. يا صاحب “السفيـر”

عدنان حسين

[email protected]

الصحافي اللبناني المعروف طلال سلمان صاحب صحيفة “السفير” ورئيس تحريرها ( تُنشَر الآن إلكترونياً بعد توقف نشرها الورقي)، شاركنا الاحتفال بتحرير الموصل، مكرّساً للمناسبة افتتاحية عدد الخميس، العشرين من الشهر الحالي.
انطوت مقالة الاستاذ سلمان على أخطاء عدة وجدتُ من اللازم التنبيه إليها. هو مثلاً كتب أنّ حزب البعث “عاد الى الحكم” إثر انقلاب 8 شباط 1963. الصحيح أن البعث في ذلك الانقلاب وصل إلى الحكم لأول مرة في تاريخه، فلم يسبق له أن حكم. وبعد شهر من انقلاب 8 شباط الدموي (8 آذار 1963) وصل البعث إلى الحكم في سوريا في انقلاب عسكري أيضاً.
يعود الاستاذ سلمان ليُخطئ مرة أخرى إذ يكتب ” في 14 ـ 17 تموز 1968 عاد البعث إلى الحكم”. الصحيح أن عودة البعث كانت في 17 – 30 تموز 1968، ففي 17 تموز حصل انقلاب على الرئيس الراحل عبدالرحمن محمد عارف.. الانقلاب دبّره حزب البعث بالتعاون مع ضباط القصر الذين خانوا رئيسهم، وهم كانوا بقيادة اللواء الركن إبراهيم عبد الرحمن الداوود آمر لواء الحرس الجمهوري والمقدم الركن عبد الرزاق النايف وكيل مدير الاستخبارات العسكرية الذي نصب نفسه رئيسا للوزراء بعد انقلاب 17 تموز فيما أصبح الداوود وزيراً للدفاع. وبعد 13 يوماً فقط، في 30 تموز، انقلب البعثيون على مَنْ جاءوا بهم إلى الحكم، ونفوا الداوود والنايف الى الخارج وسعوا لاحقاً لاغتيالهما، فنجحوا في قتل النايف في لندن في 9 تموز 1978، فيما فرّ الداوود الذي عُيّن سفيراً في إسبانيا الى السعودية لينجو من محاولات الاغتيال البعثية.
أشنع أخطاء الأستاذ سلمان في مقالته هذه هو الذي ورد في قوله بخصوص عبد الكريم قاسم “بطل انقلاب 14 تموز 1958 الذي أنهى العهد الملكي في العراق، وتبدّى للحظة وكأنه سيتلاقى مع ثورة 23 تموز 1952 في مصر بقيادة جمال عبد الناصر، الذي أبدى استعداده لحماية الثورة في العراق في وجه اية محاولة لانقضاض الغرب، بالقيادة البريطانية، على الثورة العراقية… لكن جماعات من الشيوعيين والغوغاء والراغبين في الانتقام من الحكم الملكي، اندفعوا يعارضون أية محاولة للتقارب بين بغداد والقاهرة”.
الأستاذ سلمان يتجنّى هنا كثيراً على التاريخ، فما من دليل على صحة اتّهامه بأن جماعات من الشيوعيين والغوغائيين والراغبين بالانتقام من الحكم الملكي اندفعوا يعارضون أي محاولة للتقارب بين بغداد والقاهرة.. الشيوعيون وسواهم من الوطنيين العراقيين كانوا مؤيدين للتقارب مع مصر.. صحافة تلك الايام الشيوعية والوطنية الديمقراطية والقاسمية تشهد على هذا، وهي محفوظة في مكتبات عامة عدة، لابدّ ان مكتبة الجامعة الاميركية في بيروت واحدة منها.
وقائع التاريخ تشهد على أن الخصام والافتراق بين بغداد والقاهرة حدث بعدما أراد عبد الناصر المتحمّس بجنون للوحدة فرضها على العراق. عبد الكريم قاسم والقوى الوطنية العراقية لم يكونوا ضد مبدأ الوحدة العربية، لكنّهم عارضوا عجلة عبد الناصر في تحقيقها وفي فرضها على النظام الجديد في العراق فرضاً.. لم تكن تجربة الوحدة بين مصر وسوريا ناجحة. الوحدة أطاحت نظاماً ديمقراطياً كان قائماً في سوريا، واستبدلت به نظاما دكتاتورياً قمعياً بقيادة عبد الحميد السراج. والعراق جار سوريا ووقائع القمع الجارية هناك آنذاك كانت تصل الى العراق يومياً.
فضلاً عن هذا، فإن العراق لم يكن – ولا هو الآن – بلداً عربياً خالصاً، فهو مكوّن مِن قوميات عدة، العرب والكرد والتركمان والكلدان والآشوريين والارمن، ولم يكن مشروع الوحدة الناصري واضحاً في ما يتعلق بحقوق هذه القوميات، وكان هذا أحد الاسباب الكامنة وراء التحفظات والاعتراضات على التحاق العراق بنظام الوحدة آنئذ.
وفي كل الاحوال فإن نظام الوحدة المصري – السوري انهار من تلقاء نفسه في العام 1961 عندما انقلب السوريون أنفسهم على السراج والوحدة، ولم يكن لشيوعيي ذهن الاستاذ سلمان وغوغائييه وسواهم من العراقيين دور في ذلك، كما يعلم صاحب السفير.
عدا عن الصحف العراقية، بودّي أن أقترح على الاستاذ سلمان مراجعة كتاب حنا بطاطو، المؤرخ والاكاديمي الاميركي – الفلسطيني، “الطبقات الاجتماعية القديمة والحركات الثورية الحديثة في العراق” (متوفر في مكتبات بيروت باللغتين الانجليزية والعربية)، وكتب الكاتب العراقي المعروف حسن العلوي، وهو من الكوادر القيادية لحزب البعث حتى الثمانينيات من القرن الماضي، وكذا مذكرات السياسيين العراقيين المرموقين كمحمد حديد وكامل الجادرجي، ليتعرف عن كثب على واقع أن الخصام والافتراق بين بغداد والقاهرة في عهد ثورة 14 تموز لم يكن بسبب عبد الكريم قاسم والشيوعيين والغوغائيين والراغبين في الانتقام من الحكم الملكي، وانما بسبب عبد الناصر نفسه والبعثيين والقوميين العرب العراقيين. الاستاذ العلوي ، مثلاً، يعترف في كتبه بأنهم كانوا يندسّون في تظاهرات الشيوعيين يرفعون شعارات ويردّدون هتافات ويوزعون منشورات تسيء الى الشيوعيين دينياً وقومياً… كلّه بترتيب من قيادة البعث والقوميين.
الناس يموتون.. التاريخ لا يموت.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here