نينوى في حيرة أمام 30 حشداً عشائريّاً تمسك الأراضي المحرَّرة

بغداد / وائل نعمة

رمى مجهولون قنابل يدوية على منزل في جنوب الموصل، يعتقد بانه يعود لعائلة انتمى أحد أبنائها الى تنظيم “داعش”، فيما يتناقل الاهالي قصصاً مرعبة عن أعمال ثأر ضد ذوي التنظيم في المدينة.
ويحمِّل مسؤولون محليون الحشود العشائرية، التي تنتمي أغلبها الى شخصيات سياسية، جزءاً من مسؤولية مايحدث هناك. حيث تدور الاتهامات حول بعض العناصر “غير المنضبطة” في تلك الحشود، التي يعتقد بأنها تشترك في أعمال انتقامية، ضد عوائل التنظيم.
وتوجد عشرات الفصائل المسلحة من مقاتلي العشائر، معظمها ينتمي إلى هيئة الحشد الشعبي، وتتسلم رواتبها بشكل منظم من الحكومة.
بالمقابل تنفي الحشود هذه الاتهامات، وتجد أن دورها مهم جدا في مسك الارض ،وحماية المواطنين والاملاك العامة والخاصة. وبحسب كلام مسؤولين عن الحشد العشائري، فإن أوامر صدرت لهم من القيادة العسكرية لحماية المناطق المحررة في الموصل الى جانب الجيش العراقي.
وكانت القيادة العسكرية قد تراجعت، في نهاية شباط الماضي، عن قرار مماثل، سمح للحشد الذي يقوده أثيل النجيفي بحماية مناطق ساحل الموصل الأيسر، الذي كان قد تحرر للتو وقتها.
ولاتبدي بعض الحشود، تمسكاً في بقائها كقوة مسلحة داخل المدينة، كما لا تنوي التحول الى تيار سياسي. وتنوي إلقاء السلاح والعودة الى مزاولة أعمالها الاعتيادية، التي سبقت ظهور “داعش” في صيف 2014.
وشارك في تحرير الموصل نحو 100 ألف مقاتل من تشكيلات عسكرية مختلفة، بضمنهم الحشد العشائري، الذي انتقد في وقت سابق الحكومة على تجاهل دوره في البيانات العسكرية.
وأعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي، الإثنين الماضي، تحرير المدينة من قبضة “داعش” بعد معارك دامت نحو 9 أشهر.
وتواجه الموصل بعد التحرير، فوضى في “المراجع الأمنية”، بحسب عضو في مجلس المحافظة، حيث تتعدد مصادر القرار الامني وتتصارع في بعض الاحيان.
وتطالب الحكومة المحلية، بإعادة 15 ألف منتسب الى الشرطة، تم فصلهم قبل 3 سنوات إثر سقوط المدينة بيد داعش. وأعلن محافظ نينوى نوفل حمادي السلطان، قبل اشهر من عملية تحرير الموصل، تشكيل الحشد العشائري لنينوى والبدء بتسجيل المتطوعين للالتحاق بمعسكرات التدريب. وقال السلطان، خلال مؤتمر صحفي مطلع تموز من العام الماضي، إن الحشد “سيشمل جميع أهالي نينوى بواقع 15 الف درجة”.
لكن الاعداد على ارض لم تتجاوز الـ10 آلاف مقاتل. وتشتكي بعض الحشود من ضعف التسليح الذي توفره لهم الحكومة، رغم انضوائهم رسمياً ضمن هيئة الحشد الشعبي.
ويقول حسن السبعاوي، عضو مجلس محافظة نينوى الذي تمتلك عشيرته أحد أكبر الحشود في نينوى، ان “دور الحشود العشائرية بعد عمليات التحرير أصبح سلبياً وخطراً في بعض الاحيان”.
وتوزعت 9 فصائل، أغلبها تابع لنواب ومسؤولين في نينوى، على عدة محاور في الساحل الايمن من الموصل. كما ينتشر 30 حشداً في عموم محافظة نينوى، تنحصر مهامها بمسك الارض وإدارة الملف الامني.
ويشير السبعاوي، في تصريح لـ(المدى)، الى ان “الاتفاق السياسي بعد تحرير الموصل تم على ان يخرج الجيش الى حدود المدينة، وتمسك العشائر الملف الامني”. لكنه يقول بان “ذلك لايعكس دولة المؤسسات التي تقوم على إعطاء الامن بيد القوات النظامية”، مطالبا بان “تدمج الحشود مع القوات الامنية ونستعين بالشرطة المحلية”.
وقبل احتلال داعش للمحافظة كان هناك ٣٢ الف شرطي، أُعيد منهم 15 الف عنصر فقط. وتنتظر الحكومة المحلية موافقة بغداد لإعادة 17 الف شرطي آخرين تم فصلهم وقتها.
وينتقد المسؤول المحلي تأخر حكومة بغداد في حسم ملف المفصولين، ويؤكد “وجود فوضى في المراجع الامنية تشكل خطرا على أمن الموصل”.

صراع القوى العسكرية
ويقول السبعاوي “هناك تداخل ونزاعات في القرارات الامنية في الموصل”، مشيرا الى ان “بعض العناصر غير المنضبطة في الحشد تهدد عوائل داعش”.
ويتفق عضو مجلس محافظة نينوى على ضرورة محاسبة كل من تسبب في سقوط الموصل، لكنه يقول “هناك 40 الف شخص بايعوا داعش في نينوى، ولايمكن ان نعاقب عوائلهم بدون الرجوع الى القانون”.
وحدثت في الآونة الاخيرة أعمال انتقامية في الموصل والمدن الاخرى المحررة. ويؤكد السبعاوي “حدوث حالات إعدام بسبب الثاًر”.
وكانت الحكومة المحلية في نينوى، قد طالبت في وقت سابق، الحكومة المركزية والبرلمان للتدخل بحل ازمة عوائل “داعش”. ويقدر مسؤولون وجود نحو 3 آلاف عائلة في مركز الموصل فقط، انتمى أبناؤها الى داعش.
ويقول السبعاوي ان “تلك العوائل تعيش أوضاعا سيئة، حيث يتلقى البعض منهم رسائل تهديد بشكل يومي، ويرمي مجهولون على منازلهم رمانات يدوية”.

كيف تسرّب المسلّحون ؟
وتسرب خلال معارك التحرير، مجموعات من المسلحين الى المناطق المحررة. ويؤكد المسؤول المحلي اعتقال نحو 5 آلاف مسلح فقط في المناطق المحررة.
ويعتقد أن أغلب عناصر التنظيم قد تسللوا الى مراكز الإيواء مع النازحين. وفي هذا السياق، يقول أحمد الورشان، زعيم مقاتلي عشيرة الحديدين في الموصل، بأنهم يقومون بإبلاغ القوات الامنية عن المشتبه بهم.
ويؤكد الورشان، في اتصال مع (المدى)، ان “السكان متعاونين مع الحشد، ويقدمون المعلومات عن اشخاص متورطين مع داعش واماكن اختبائهم”.
ويقود الورشان مجموعة من المقاتلين بحجم لواء عسكري في الموصل، ويقوم بحماية نحو 4 آلاف عائلة. ويقول ان “مهمتنا حماية الاحياء والممتلكات العامة والخاصة”.
وصدرت مؤخراً، تعليمات من الفريق الركن عبد الأمير رشيد يارالله، قائد عمليات (قادمون يانينوى)، تضمنت توزيع المهام الامنية في الموصل.
ويقول محمد المرعيد، قائد فصيل شهداء القيارة، إن “القرار يقضي بإعطاء مهمة مسك حدود مدينة الموصل الى الفرقة 15 من الجيش، على أن يهتم الحشد العشائري بالامن الداخلي”.
وكان يارالله قد قرر، بعد تحرير ساحل الموصل الايسر نهاية شباط الماضي، توزيع مهام مسك الأرض بين عدة قطعات عسكرية وحشود نينوى العشائرية. لكنه عاد بعد 24 ساعة ليتراجع عن القرار، بسبب أنباء عن مشاركة حشد محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي.
ويرى المرعيد، في حديث لـ(المدى)، أن “هناك ثغرات حدثت أثناء إجلاء المدنيين سمحت بإخراج بعض مسلحي داعش الى مخيمات النازحين”، مؤكدا ان “قاعدة البيانات غير مكتملة”.
ويردف القيادي في حشد العشائر ان “قواتنا لا ترغب بالاستمرار بحمل السلاح، وإنما اغلبنا يريد العودة الى اعماله السابقة”. كذلك يتفق احمد الورشان والمرعيد، بان “الحشد العشائري لايرغب في خوض الانتخابات”. ويؤكد بالقول ان “مهمتنا مسك الارض ليس أكثر”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here