دستور المدينة المنورة، متى ولماذا كُتب ؟ (*)

3085
دستور المدينة المنورة، متى ولماذا كُتب ؟ * بقلم د. رضا العطار 150

سنً الرسول (ص) دستور المدينة في السنة الخامسة للهجرة، بهدف تطبيق المبادئ الانسانية و الاجتماعية الاساسية في حياة الجماعة الاسلامية، فكان لذلك اثره البعيد في تطور العلاقات والروابط الروحية السامية بين الناس التي
اصبحت فيما بعد عوامل قوة دائمة تعين المسلمين على الثبات والسير الى الامام وخاصة في اوقات الازمات.
فجميع افراد الامة متساوون في الحقوق والواجبات، واساس العلاقات بينهم هو (المعروف) اي العرف الجاري الذي يقبله العقل والدين ويرضاه الناس و (القسط بين المؤمنين) اي المساواة والعدل بينهم.
كان نص دستور المدينة يشمل سبعين مادة، تعالج امور المسلمين في كافة مجالات الحياة، من اجتماعية واقتصادية ودينية وسياسية وعسكرية، بما فيها العلاقات مع دول الجوار.

ومما يستلفت النظر هنا ان مؤرخي السيرة لم يهتموا الاهتمام الكافي بهذه الوثيقة ـ الذي سُمًيت بالصحيفة ـ ولم ينتبهوا الى اهميتها . . . فهي لم تصل الينا عن طريق سلسلة اسناد وانما وصلت الينا نصا مكتوبا. وهم لا يعترفون إلا بالاحاديث ذات السند على منهجهم، اما الاحاديث التي وصلتهم مكتوبة ـ مثل خطابات الرسول الى الملوك ـ وكتبه الى بعض رؤساء القبائل ومن اليهم، فلم يهتموا بها الاهتمام الكافي. وبالاضافة الى ذلك فإن النص الوحيد لهذه الوثيقة الذي وصل الينا مكتوبا، اتانا به محمد بن اسحاق بن يسار (ت 667 م). هذا النص اعتمد على اصلين مكتوبين :
كان احدهما عند محمد الباقر بن جعفر الصادق من أئمة الشيعة. وكان الاخر عند عبد الله بن علي بن ابي طالب، وهذا الاخير هو الذي اعطاه لأبن اسحاق، وكان ابن اسحاق شديد الاتصال به.
وفي عصر بني أميًة وايام عصر بني العباس من بعدهم لم يكن اهل السلطان يرحبون بأي وثيقة تصل عن طريق اهل البيت، لأن الغالبية العظمى من المسلمين كانت ترى ان اهل البيت اولى بالخلافة من غيرهم.

وقد راينا في النسختين اللتين بقيتا من هذه الوثيقة نُقلتا عن اصل كان عند علي بن ابي طالب، وهذا هو الطبيعي، لأن عليا كان كاتب الرسول منذ استقراره في المدينة، ولم يكن كتاب الوحي الاخرون قد دخلوا في العمل بعد، ومن هنا نستطيع ان نقول ان عليا هو الذي كان يكتب المواد التي يتم الاتفاق عليها، وهو الذي قام بعمل النسخة الكاملة من النص، ولا بد انه قد نقلت منها نسخ اخرى للاطراف المتعاقدة، واحتفظ على بن ابي طالب بنسخة الرسول وهي التي بقيت لنا.
لقد كانت لدى علي بن ابي طالب كتابات اخرى، اي وثائق اخرى، مما املاه عليه الرسول، وانه كان يحتفظ بهذه الكلمات في قراب سيفه، وقد ورثها منه ابناؤه من بعده . . كان من عادة رؤساء البدو في الصحراء ان يحتفظوا بالوثائق المهمة في قراب السيف، او في كيس يعلق في مقبض السيف . . . يفهم من هذا ان علي بن ابي طالب كان حافظ سجلات الرسول او كاتب سره كما نقول اليوم، خلال تلك الفترة الاولى، والنص الذي لدينا بقي من السجلات التي كانت عنده. (ص 154 ) .

* مقتبس من كتاب عالم الاسلام للدكتور حسين مؤنس، دار الزهراء للنشر القاهرة 1989 .

د. رضا العطار

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here