محمد الصدر مرجعا أحيا امة من سباتها

بقلم: الكاتب يوسف رشيد حسين الزهيري
اقترن هذا الاسم الشريف بالعنوان الأبرز الذي صنف الحوزة العلمية الى صنفين ” الحوزة الناطقة ” والحوزة الصامتة ” الذي ارتبط هذا التصنيف الفلسفي بأحد أهم رجال الحوزة الشريفة في النجف الاشرف، الا وهو السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) المحقق الكبير والعارف العابد والمجتهد اﻷعلم والمجاهد الصابر والولي الشهيد الفقيه. والذي فضله الله سبحانه وتعالى على ملائكته هو وكل الانبياء والأولياء والعلماء والفقهاء والصالحين بالعلم والدليل على ذلك قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات ) هو الذي خلق الانسان في احسن تقويم واكرمه وفضله على بقية خلقه .ان تاريخ وسيرة السيد الشهيد الصدر (رض) أكبر تجربة إسلامية مرت بالعراق والعالم الإسلامي، ولا يمكن حصر تجربته من التقييم على جانب محدد له ولأخلاقه و تقواه و شجاعته ومواقفه الوطنية والوحدوية وغيرها من الصفات التي تحلى بها ولم نكن نعرفها في الواقع المعاش وإنما مجرد كلمات تسمع من على المنابر أو في الكتب الأخلاقية. الرجل المثالي بكل ما في الكلمة من مضامين والتي لاتزال ثمار تجربته الاسلامية والانسانية تجنى ثمارها في الوسط الاسلامي
حيث ان السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) بفضل الله وعلمه نجح في إحياء الحوزة الناطقة، وإبراز دورها حيث كان لها الدور الفاعل والرئيسي في هداية المجتمع العراقي في ظروف كان المجتمع العراقي يتجه نحو العلمانية والمادية بعد ان كان غارقا بملذات الدنيا وبطش السلطة من جهة التي كانت تبسط نفوذها السياسي وايديولوجيات نظامها العلماني على المجتمع العراقي الذي كان يشعر بالضعف الديني والوهن الفكري لغياب القيادة الاسلامية الحقيقية الموجهة والمرشدة للمجتمع الاسلامي حيث كانت المؤسسة الدينية في العراق في شقيها السني الحليف والمؤيد النظام السياسي القمعي التعسفي والذي وهبه الشرعية المطلقة في التوافق فقهيا وشرعيا حسب نظرية رؤيته للحاكم الشرعي التي يراها تتطابق مع توجهات العقيدة والمذهب وبين انحسار دور المرجعية الشيعية الصامتة نتيجة الضغوطات السياسية وسياسة القمع التي كانت تنتهجها سياسة البعث ضدها .عانى المجتمع العراقي الكثير من الظروف القاسية في حرمان شريحة واسعة من ابناء الشعب من ممارسة عقائدها وطقوسها الدينية في غياب الثقافة والاعلام والموجه والمرشد للجماهير التي كانت محرومة الكثير من عوامل النهضة الاسلامية بسبب ضغوطات النظام السياسي ونهجه التعسفي واعلامه المضلل الذي عطل وشل الحياة الاسلامية ذات الطابع الشيعي في العلم والثقافة ودور النشر والطباعة والتاليف والقنوات الاعلامية المقروءة والمرئية .وقد ادت هذه السلوكيات الممنهجة إلى التراجع الإسلامي العقلاني في الثوابت والعقائد والممارسات الدينية ونشوء جيل مشوش العقيدة والفكر والعقلية المتناغمة مع سلطان السلطة ونهجها في الانفتاح والعلمانية الغير منضبطة بحدود وثوابت .بينما بقيت المرجعية الحوزية والتي تأقلمت تدريجيا مع الاوضاع السياسية رغم تحفظاتها وعداءها وسخطها الدفين تجاه ممارسات النظام القمعي .وفي خضام تلك الفوضى من العلمانية ومخلوطاتها من النظريات السياسية الاشتركية والسمات الاخرى التي كانت تتمحور في شكل النظام البعثي الذي اسس نظاما صارما في فصل الدين عن السياسة واعلن عداءه المباشر علنا على الثورة الاسلامية في ايران والتي كانت من اسبابها ان تدفع شيعة العراق ضريبة هذا العداء العقائدي والفكري طيلة فترة نظام البعث حتى ان العلاقة السياسية في اطر النظام السياسي في النظرة الجماهيرية كانت في ارتباك تام وغير عادلة وغير منصفة والشيعة كانت تشكل مصدر قلق للنظام الامني والسياسي . وكانت تحارب من قبل النظام السياسي بشتى الاساليب والطرق القمعية . ومن خلال هذه الفوضى الفكرية والخوف وسياسات الترهيب والترغيب والضوابط والقوانين التي كانت مسيطرة على الجمهور الشيعي وشل حركته الفكرية العقائدية . برز رجل الامة التاريخي والذي تمكن من خلال عقليته الفذة ان يسيطر على تلك القوة السياسية وان يتمكن من خلق سياسة الانفتاح الفكري والعقائدي في المجتمع الى طمانة ذلك النظام المستبد من ان الحركة الفكرية الاسلامية التي اطلق نواتها السيد الشهيد الصدر قد لا تشكل خطرا يهدد النظام السياسي لكن هذه المخاوف سرعان ما طغت بقوتها ما ان شعرت بالخطر الذي بات يهددها بعد ان توسعت القواعد الشعبية المؤمنة واشبعت فكريا وعقائديا من خلال حركة السيد الشهيد التي اشتملت على العديد من الامور الاسلامية التثقيفية والتوعوية وتثبيت وكلائه الشرعيين ممثلون عن مكتبه في الكثير من المحافظات وبعد ان شهدت الحياة المجتمعية ثقافة وتوعوية اسلامية وخصوصا فيما يتعلق بثوابت صلاة الجمعة المباركة التي كانت منبرا رئيسيا للحركة الاعلامية الاسلامية حينذاك والاقبال الجماهيري الكبير الذي شهدته . والتي كانت اعين النظام تطارد وتسجل وتراقب كل تلك التحركات الكبيرة والتي على اثرها تمت بلورة مواقف جديدة بالتصدي لهذه الثورة الاسلامية التي بدات تنتشر انتشارا جماهيرا واسعا شعر النظام من وجودها وخطرها الذي بات يهدد امنها ووجودها في صرخات جمعة الحق الشهيرة بكلا كلا للشيطان والتي انقضت على مضاجع الظالمين .
فقد شاءت الاقدار الالهية ان يهب للامة النائمة قائدا ومرجعا استنهض فكرها وشحذ همتها وشحن قوتها بالايمان والشجاعة وأن تحيا الحوزة الصامتة منذ عدة قرون بمشيئة من الله وذلك الكفن الذي أحيا امة الى حوزة ناطقة بالحق موجهة ومصلحة ومرشدة لجماهير الامة الى الخير والتقوى والصلاح والفلاح .وقدأصبح شهيدنا الخالد محمد_محمد_صادق_الصدر ( رضوان الله تعالى عليه ) مصدر إلهام روحياً لأغلب أتباع المذهب الجعفري خارج العراق وداخله بل وكسب تعاطفا شعبيا واسعا لا ينحصر بطائفة او مذهب وعلى أثر ذلك ظهر للشهيد الصدر الكثير من الأعداء الذين آثار حفيظتهم وإلى يومنا هذا تلك القوة والارادة والعزيمة وهذه الجماهير الغفيرة التي نال احترامها وشرف تقليدها . بعد أن اصلح امور الامة وثبت نهج الدين واعاد هيبته إلى مكانته الروحية في قلوب الناس . ووقف تلك الوقفة البطولية وأعتلى منبر جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وخاطب جميع أطياف الشعب وابرأ ذمته أمام الله ، صدح بذلك الصوت الهادر الذي مازال يناغمنا ويشحذ الهمم بنا ..وعلى أثر ذلك العنفوان والشجاعة التي زرعها في قلوب المؤمنين المحبين الذين شعروا بوجودهم وذاتهم وعنفوانهم . دقت أجراس الخطر والرعب في قلب النظام الفاشي الصدامي الملعون . فتحطمت قيود الأنفس والألسن شيئا فشيئا عند مقلدي الصدر . عندها شعر الطاغية ( الهدام ) بالخطر الكبير الذي هز اركان نظامه، فجند أجندته من شياطين الإنس الذين أقدموا على أغتيال مرجع المسلمين مرجعنا الشهيد الحي ونجليه السيد مصطفى والسيد مؤمل ( رضوان الله تعالى عليهم ) في يوم الجمعة الموافق 19 شباط 1999 . ذلك اليوم الذي أدمى قلوب المؤمنين وحزنت على مقتله ملائكة الارض والسماء حيث هدر دمه الطاهر الشريف ليعانق دماء الطاهرين الأولياء باسمى معاني الشهادة الخالدة حيث كان السيد الشهيد محمد صادق الصدر قدس سائرا في طريق جده الامام الحسين ( عليه السلام ) ذلك القائد الثائر ضد الظلم والطغيان في زمن الصمت والخوف والترهيب !! وكأن التاريخ يعيد نفسه، بالفارق الزمني والمكاني .فهبت الأبطال والأنصار من الجماهير المنكوبة بزعيم مرجعيتها وهي تردد مخاطبة الدكتاتور الملعون ” صدام ” بهتافها المدوي ( كلا كلا للظالم ) بهذه الهتافات وهذه الروحية التي زرعهاا الصدر في نفوس المؤمنين أيقنت الجماهير المؤمنة أن هذا الدم الطاهر لن يذهب سدى وان ثمار حركة السيد الصدر التحررية اينعت ثمارها حين انطلقت الجماهير الغاضبة من كل مدن العراق تندد بمقتله رغم قمع الاجهزة الأمنية الفتاكة ، وماهي إلا سنوات قليلة حتى تحققت عدالة السماء بانتصار الدم على السيف ، وسقوط طاغية النظام ورموزه مع حزبه الفاشي المقبور ، بينما مرجعنا الشهيد الخالد يعانق السماء وحركته الاسلامية الثقافية استمرت بالنهوض والتقدم والاحياء لكل مفرداتها وقيمها الإسلامية عبر منابر الجمعة والإعلام ووسائله بكل اشكاله وتنوعه ومصادره … فسﻻما عليك يا شهيد العراق والاسلام يوم ولدت ويوم أستشهدت ويوم تبعث حيا ،

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here