العبادي على خطى الحكيم!

ساهر عريبي
[email protected]
يمر رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي بظروف مشابهة الى حد كبير لتلك التي مرّ بها زعيم المجلس الأعلى السابق السيد عمار الحكيم مع اختلاف المسميات وبعض نقاط الإفتراق . فالحكيم عانى كثيرا داخل أروقة المجلس من العقبات التي يضعها الحرس القديم في وجه مبادراته ونشاطاته وفي وجه تجديد المجلس وتطعيم قيادته بوجوه شبابية, ممادعاه الى التخلي عن المجلس الأعلى وإعلان ولادة تيار الحكمة الوطني.

وأما العبادي فهو يعاني الأمرّين تارة داخل حزب الدعوة وتارة أخرى داخل صفوف إئتلاف دولة القانون, إذ مانفك منافسوه داخلهما من وضع العراقيل في وجه حكومته ومنذ تسلمه لمنصبه عام 2014, خاصة مع عدم إقدام الحزب على حسم المعركة الدائرة داخله وكما حسم معركة رئاسة الوزراء.

فحزب الدعوة يعاني اليوم من إنقسام بين مؤيدين للمالكي وآخرين للعبادي, لكن كفة العبادي مرجّحة في موازين القوى داخل الحزب على كفة المالكي خاصة وأنه مدعوم من الجناح القوي في الحزب الذي يقوده الشيخ عبدالحليم الزهيري ويضم كل قياديين من الصف الأول ومن بينهم علي العلاق ووليد الحلي والأديب , في حين لا يحظى المالكي الا بدعم قيادات من الصف الثاني أمثال خلف عبدالصمد وعدنان الأسدي وصلاح عبدالرزاق. إلا وأنه وبالرغم من ذلك فإن الحزب لم يقدم على إزاحة المالكي من أمانته العامة ولم يعقد مؤتمراته السنوية كالمعتاد ومنذ تسلم العبادي لمنصبه كرئيس للوزراء.

ويعود تريث الحزب في إزاحة المالكي من أمانته الى عدة أسباب وأولها أن الحزب سيشهد انشقاقا كبير في عموم العراق هو في غنى عنه خاصة وأن الحزب وعلى العكس من المجلس الاعلى عانى من عدة إنشقاقات ومنذ أوائل الثمانينات من القرن الماضي, ومنها إنشقاق المرحوم عبدالزهرة عثمان, والمرحوم أبو زينب الخالصي, والمرحوم السيد هاشم الموسوي فضلا عن الإنشقاق الذي تبع إقصاء آية الله كاظم الحائري من منصب فقيه الحزب, وبعد السقوط انشق الدكتور الجعفري وأسس تيار الإصلاح الوطني. إن قيادة الحزب تعي أن الإطاحة بالمالكي ستمزق الحزب شرّ ممزّق وليس كالإنقسامات السابقة نظرا لأن المالكي له جمهور في قواعد الحزب لا يستهان به.

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن حزب الدعوة الذي عرف عبر تاريخه بعدم الإعتراف بالخطأ او الفشل علنا, لايريد عبر إقصاء المالكي من أمانته العامة أن يعطي ولو تلميحا بفشل المالكي وفساده لإن ذلك سيضر بسمعة الحزب, ولذا فإن قيادة الحزب تعالج هذا الأمر بعقلية المافيا الوفية والمدافعة عن زعمائها شرط عدم خيانتهم للحزب. فإن الإقرار بفساد المالكي وفشله يعني إقرار بفساد وفشل حزب الدعوة.
فهذا الحزب وجميع قياداته وكوادره دعمت المالكي وساندته ودافعت عنه طوال سنوات حكمه الثمان,ولم تسمح بنقده او محاسبته وهي لازالت والى اليوم تتخذ نفس الموقف, ولولا المرجع السيستاني الذي لا تؤمن قيادة الحزب بمرجعيته وفقا لنهجها القائم على ولاية الحزب للأمة, ما كان لها أن تذعن صاغرة لنصيحته بضرورة الأطاحة بالمالكي من رئاسة الوزراء الذي أزكمت رائحة فساده وفشله الأنوف في العراق وفي المنطقة ولم ينجح طوال سنوات حكمه في تحقيق إنجاز واحد يشار له بالبنان بالرغم من هدره لقرابة الألف مليار دولار. بل تحول العراق وبعد 11 عاما من إسقاط الولايات المتحدة لنظام حكم صدام حسين, تحول الى جزء مما يعرف ب”الدولة الإسلامية” التي سفكت الدماء وانتهكت الأعراض ودمرت الحجر والمدر في وقت غرق فيه العراق في الوحل وفي ظلام دامس.

كما وان قيادة الحزب وبعد ان ساد اعتقاد بأن الإسلاميين فشلوا في إدارة البلاد تسعى وبكل ما اوتيت من قوة الى تصحيح هذه النظرة وهو مايفسر عدم محاسبتها لفاسد واحد من أعضائها, بل تم التستر على فسادهم وآخرهم محافظ بغداد السبق صلاح عبدالرزاق الذي نشر الأستاذ سليم الحسني وثائق تدينه ولكن دون جدوى. فهذا الحزب يرى أن كرة محاسبة المفسدين إن تدحرجت فستكتسح قياداته التي نعرفها منذ أيام المعارضة وكانت تقتات على المساعدات والحقوق الشرعية.

وهنا لابد لي من عقد مقارنة بين واقع الحزب اليوم وواقعه قبل قرابة الثلاثة عقود, فالحزب اليوم تحول الى إمبراطورية مالية وإعلامية وعسكرية وإدارية ضخمة , ومتغلغلة في مفاصل الدولة العراقية بعد أن سخر السلطة ومواردها لتعزيز مواقعه. واما قبل ثلاثة عقود فلم يكن يستطيع الحزب دفع رواتب موظفي صحيفة الجهاد التي كانت تصدر من طهران. ففي العام 1990 كنت في زيارة الى بيروت التقيت خلالها بالشيخ عبدالحليم الزهيري الذي سلّمني مبلغ عشرة آلاف دولار فقط طالبا مني تسليمها الى القيادي السيد حسن شبر في طهران, مؤكدا على انها رواتب موظفي الصحيفة المتوقفة منذ أشهر, ولقد أوصلتها الى السيد شبر الذي حل بها أزمة الرواتب.

ومن الواضح أن الحزب هو الذي تفرّد بحكم العراق ومنذ العام 2005 الذي تولى فيها أمينه العام السابق ابراهيم الجعفري لمنصب رئاسة الوزراء, ومنذ ذلك اليوم ادار البلاد منفردا واما الآخرين سواء من داخل التحالف الوطني او من المكونات الأخرى فلم يكن تمثيلهم الا شكليا فيما كانت المحاصصة أكبر أكذوبة روّج لها أنصار الحزب لتبرير فشلهم, ولن أسوق سوى مثالا واحدا على ذلك وهي ولاية المالكي الثانية التي احكم فيها الحزب قبضته على السلطة ولم يترك سوى منصبا سياديا واحدا فقط للمكونات الأخرى وهي وزارة الخارجية لهوشيار زيباري, وحتى رئاسة الجمهورية فسيطر عليها خضير الخزاعي بعد مرض جلال طالباني.

ولذلك فإن الحزب يعتقد أن أي إدانة ولو غير مباشرة للمالكي فإنها تعني إدانة له وبداية فقدانه للسلطة ولذلك فقد أجلت قيادة الحزب المعركة مع المالكي الى وقت آخر. لكن العراقيل التي وضعها تيار المالكي المتغلغل في أجهزة الدولة بوجه العبادي طوال السنوات الثلاث الماضية, وحملات التشويه التي يشنها بين الحين والآخر عليه وآخرها التشكيك بالإنتصار الذي تحقق بالموصل وبان العبادي عميل لأمريكا وغير ذلك من الإتهامات التي ما انزل الله بها من سلطان, اوصلت الأوضاع الى نقطة اللاعودة ليس على صعيد الحزب وإنما على صعيد إئتلاف دولة القانون.

إذ تبدو ان استراتيجية الحزب خلال المرحلة المقبلة تقوم على النهوض بدور الأب العطوف والأم الحنون على جميع تيارت الحزب سواء تيار المالكي أو ذلك المؤيد للعبادي, وستسمح لهم بإختيار الإئتلاف الذي سيخوضون فيه الإنتخابات. فالحزب يريد من ناحية أن يترك امر حسم قضية المالكي للناخبين, إذ سيتيح للعبادي فرصة الدخول في إئتلاف جديد يقال انه سيحمل إسم إئتلاف التحرير والبناء, والذي سيضم اسماء قيادات في الحزب اهانها المالكي خلال الإنتخابات الماضية ومنها وليد الحلي وعلي الأديب وعلي العلاق. فهذا التيار الذي يعتبر نفسه قاد عملية تصحيحية داخل الحزب سيحاول قطف ثمار النصر الذي تحقق على تنظيم داعش الإرهابي خاصة وان العبادي بات يحظى بتقدير واحترام قطاعات واسعة من الشعب, وهذه القطاعات ستستاء كثيرا فيما لودخل العبادي في ائتلاف واحد مع المالكي.

واما إئتلاف المالكي فلن يفرط به الحزب بل سيسمح له بخوض الإنتخابات وستكون النتائج هي الفيصل في تحديد مصير هذا التيار وزعيمه. فإن رجحت كفة ائتلاف العبادي على المالكي بشكل كبير فحينها سيتم التخلص من المالكي بسهولة, وأما إن بقي منافسا شرسا فستسعى قيادة الحزب التي تعمل خلف الكواليس ويقودها الزهيري الى جمع شتات الحزب والدعوة الى مؤتمر جديد ستكون له كلمة الفصل في تحديد الأمين العام الجديد ورئيس الوزراء الجديد الذي يتظلل بعباءة الحزب.

وهكذا يبدو أن العبادي على خطى الحكيم في ترك إئتلاف دولة القانون للمالكي وصحبه لكنه وعلى العكس من الحكيم فإنه لن يغادر حزب الدعوة ويكرر تجربة من سبقوه ومنهم تيار الإصلاح وتنظيم العراق والداخل والتي عادت وانضوت تحت راية الحزب. لأن طريقة عمل المنظمات السرية طبعت عمل الحزب منذ أيام المعارضة في ايران فهو اقرب مايكون في طبيعته الى المافيا من كونه حزبا سواء أحمل صفة الإسلامية أم تخلى عنها عندما اعلن إئتلاف دولة القانون!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here