هـل الـزكاة تـشريع في كـنيستـنا الكاثـوليكـية الكـلـدانية ؟

بقـلم : مايكـل سـيـﭘـي : سـدني

مقـدمة …… تعـريف الزكاة ( لغـوياً ) :

هي البركة والـنماء ــ نـمـو ــ وتأتي أحـياناً بمعـنى الطهارة والصِّلاح وصَفـْـو الشيء ــ زكي ــ … وقـد سميّت ــ زكاة ــ لـتعـريف الـقـرآن لها .

الزكاة إصطلاحاً ( شرعـياً ) :

هي جعـل حـصّة من المال الذي يكـتبسه الإنسان لأشخاص أقـرّ الله تعالى عـليهم في كـتابه ــ الـقـرآن ــ مثل الـفـقـراء وغـيرهم … كما جاء في سورة الروم :

(( وما أوتـيتم مِن ربا لـيَـربـوَ في أموال الـناس ، فلا يَـربـو عـنـد الله ، وما أوتـيتم من زكاة تـريـدون وجه الله …. )) …….. وقـد شرع الإسلام الزكاة وجعـلها فـريضة من الفـرائض ، الثانية بعـد الصلاة …..

طبعاً رغـم أن الزكاة هي للـفـقـراء ، إلاّ أنّها تـسَـلــّـم بأيـدي رجال الـدين ، لأنهم أكـرم مِن مانحها ! وأأمَن عـلى إيصالها إلى الـفـقـيـر ! .

إذن الـ ــ زكاة ــ كـلمة وردت في الـتـشريع الإسلامي وليس في أي دين آخـر ، لّـذلك نحـن كـكـتاب كـلـدان لا نحـتاجها لغـوياً إلاّ إذا شاءت الصدفة يوماً أن نكـتب عـنها موضوعاً مرتبطاً بالإسلام ، أما كـمسيحـيّـين فلا تخـصنا شـرعاً ولا تـقـلـيـداً أبـداً .

موارد الكـنيسة :

كـثير من المؤمنين تـبـرعـوا بممتـلكاتهم للكـنيسة ( دور ، دكاكـين ، أراضي زراعـية .. ) فـتستـثمرها لـتـسـتـفـيـد من وارداتها …. وبمرور الزمن صارت الكـنيسة تـبحـث عـن قـنـوات جـديـدة للحـصول عـلى موارد مالية ــ إضافة إلى تـبسية الأحـد ــ مثل إنـشاء مراكـز رعاية الطـفـولة ومدارس نـظامية ــ وإذا قال أحـدهم أن المدرسة مؤسسة تعـليمية تـثـقـيـفـية ذات فائـدة للمجـتمع ــ … أقـول له : أنا أؤيـدك 100% ولكـن ما رأيك بالكـنيسة حـين تـفـتح نادياً إجـتـماعـياً للـرقـص والحـفلات مثلاً ، أو تـقـيم بسطـيات للـبـيع فـوق مناضد ضمن إحـتـفال ، أو بـيع بطاقات يانـصيب … أو أو أو ؟؟؟ .

المهم بهـذا المقال … في المسيحـية لم تـرد لـفـظة ــ زكاة ــ في الأناجـيل إطلاقاً ، بل ( صدقة ) مثـل :

إحـترزوا مِن أن تصنعـوا صَدَقـتكم قُـدّام الناس …. متى صنعـتَ صدقة فلا تُـصوِّت قُـدَّامك بالبوق ….. وأما أنت فـمتى صنعـت صدقةً فلا تعـرف شمالك ما تـفعل يمينك …… بـيعـوا ما لكم وأعـطوا صدقة …..

هـل يمكـن أنْ يشتـغـل الكاهـن ؟

حـكى لـنا آباؤنا وأجـدادنا أن كاهـن الـقـرى ــ في الماضي ــ إضافة إلى واجـبه الكهـنـوتي ، كان يشتغـل ــ كما فعل مار ﭘـولس رسول الأمم ــ من أجـل كـسب رزقه وتغـطية متـطلبات حـياته سواءاً كان أعـزباً أو متـزوجاً صاحـب أسرة …. وبمرور الزمن تـوفـرت فـرص أخـرى ، فـفي الخـمسينات والستينات الماضية لاحـظتُ ــ بعـض ــ الكهـنة يلـقـون محاضرات التربية الـدينية المسيحـية ــ مـدفـوعة الأجـر من وزارة الـتـربـية ــ في مدارس الـقـرى المسيحـية أو مدارس المـدن التي فـيها غالـبـية مسيحـية من الطلاب .

جـباية المال من المؤمنين :

أتـذكـر حـتى نهاية الستينات كان الكهـنة في ألـقـوش ــ كل كاهـن يرافـقه شماس أو الساعـور ــ يزورون الـبـيوت واحـداً فـواحـداً ، يُـصَلـون صلاة قـصيرة ثم يقـول لصاحـب الـدار : (( نحـن نـقـوم بجـمع الـ ﮔـيـويـثا د ريشيـثا = جـباية الرئاسة )) ….. وتعـني جـمع مبالغ من المؤمنين دون تحـديـد المقـدار ! لتغـطية متـطلبات معـيشة رجال الـدين وحاجات الكـنيسة … وبعـدها تغـيّـرت الطريقة في السبعـينات حـيث صارت فـرصة الأعـياد أفـضل مناسبة لتـقـديم التهاني لسيادة المطران والكهـنة ومعها يـقـدّم ظرف فـيه مبلغ حـسب رغـبة المهـنّىء دون تحـديـده مسبقاً ، وذلك عِـوضاً عـن الـ ( ﮔـيـويثا د ريشيـثا + جـباية الرئاسة ) المشار إليها .

لـقـد دعاني فـضولي يوماً في 1974 أن أسأل الأب ( المطران ) المرحـوم يوسف توماس وكلامي عـن ألـقـوش فـقـط : لماذا لا تـحَـدّدون مبلغاً معـيناً بمثابة إشتـراك سنـوي كـنسي يُـفـرض عـلى كـل عائلة ، وتـتـولى لجـنة من المؤمنين جـمعها وفـق وصولات رسمية كـنسية …. فأجابني : إن الكـنيسة لا تـفـرض أي إشتـراك أو مبلغ معـين محـدد ، وإنما الأمر متـروك لإبن الكـنيسة حـسب إمكانيته وبقـناعـته ، ثم لا نـريـد أن نـصبح في موضع إنـتـقاد أبناء الكـنيسة حـين يشاهـدون هـذا الجابي من بعـيـد سيعـلـقـون بتعابـيـر مزعـجة نحـن في غـنى عـنها مثل : جاء الجابي ، جاء جامع الضرائب ، جاء أبـو الوصولات …..

أعـتـقـد أن رأي المطران يوسف تـوماس ينـطِلق من رسالة مار ﭘـولس إلى أهـل كـورنـثـوس حـين طلب منهم جـمعَ بعـض الـنـقـود للـقـدّيسين … طبعا المقـصود بهم المبشـرين (( الكهـنة )) …. والتي يـقـول فـيها :

(( أن يضع كـل منكم في أول يوم من الأسبوع ، إلى جانب ما تـيـسّـر له إدّخاره ، فلا يكـون جـمع الصدقات يـومَ قـدومي إليكم )) …… ــ تـرجمة كاثـولـيكـية ــ

أما كـنائسـنا الكلـدانية في دول المهجـر فإنها متأثـرة بالـنظام الإقـتـصادي للـبلـد الـذي لا يملك وسائل الإنـتاج بل يعـتمـد عـلى جـمع الضرائب من الشعـب …. لـذا فالكـنيسة حـددتْ مقـدار الإشتـراك السـنـوي عـلى كل عائلة مسجـلة عـنـدها ، بالإضافة إلى إستحـصالها رسوم الطقـوس الكـنسية عـلى كـل واحـد يحـتاجها : عـماذ ، التـناول الآول للـقـربان المقـدس ، الزواج ، الموت ، وما بعـد الموت أيضاً ! … وما أدراك ما بعـد الموت ! فـفي يوم ما إعـتـرف كاهـن عـريق من كـنيستـنا الكـلـدانية قائلاً : لـعـد منين نعـيش ! …….. وهـنا لابـد من نكـتة ! طبعاً حـقـيقـية ذكـرتها قـبل سنين :

إحـتـفل أحـد الآباء بـيـوبـيله الكهـنـوتي الـذهـبي ، فأقام قـداساً وإنـتـظره المهـنـئـون في باحة الكـنيسة لتهـنـئـته ، فـتـعـدّدت مصطلحات التهاني : هـنيئاً لك 50 سنة في الخـدمة أبـونا … بارك الله بـيك أبـونا … ألله يـقـويك أبـونا …. مكانك مضمون في الملكـوت أبونا …………………….. فـعـلـق قائلاً :

لا نـدري ! هـل يـوجـد ( هـناك شيء ) أم لا يـوجـد أي شيء ؟ .

بتأريخ 22 تموز 2017 قـرأتُ الإعلان التالي في ــ عـنـكاوا . كـوم ــ … لم ينـشره الموقع البطركي الكلـداني رغـم أن الموضوع كـنسي كلـداني كاثـوليكي صرف :

إعلان من رئاسة أسقـفـية إيـبارشية أربـيل الكلدانية

تبدأ من يوم غـد الإثـنين الموافـق 24 تموز الجاري عـملية الإحصاء الشامل للعـوائل الكلدانية في الإيـبارشية وذلك من خلال زيارات ميدانية للفرق الشبابية والتي تحمل معها رسالة مُصدقّة من قِـبل راعي الإيبارشية . مواعـيد الزيارات من الساعة السادسة وحتى التاسعة مساءاً ، وستـزود كل عائلة بالمرشد الراعـوي وتعـريفهم بالرعـية التي ينتمون إليها ، إضافة إلى جمع بركة الزكاة لهذه السنة بوصل مُـصدّق من الدائرة الإيبارشية ……

ملاحـظة عـن الكـلـمتين : بركة الزكاة

كان بإمكان كاتب الإعلان أن يُـعـبّـر بكـلمة ( إشتـراك بـدلاً من زكاة ) وفي الحالـتين هي نـقـود ، لأن في كـنيستـنا لا يـوجـد مفهـوم الـ زكاة رغـم معـرفـتـنا بمعـناها …. من جانب آخـر وبلا شك إنّ كـلمة ( بركة ) هي بركة ، خـيـر ، حـسَـنة ، عـمل جـيـد ، شيء إيجابي لا يُـنـكـر بـدليل ( وحـسب المعـتـقـد الشعـبي البسيط ) حـين يـبني أحـدهم بـيتاً أو يفـتـتح محلاً تجارياً فإنه يـدعـو رجـل الـدين إليه ليـباركه ، وحـين يـؤسس آخـرٌ جـمعـية أو تـنـظيماً ، فإنه يتهافـت إلى رجـل الـدين متـوسلاً إليه طالباً منه رضاه عـنه وبـركـته التي لا تـتعـدّى صلاة بسيطة تستغـرق دقـيقة واحـدة إن لم نـقـل أقـل ؟ (( وبالمناسبة ، إنّ صلاة الـبعـض في يوم ما ، قـلعَـتْ البلاط من أرض دار في سـدني بصورة غـريـبة !! )) ….

فـسؤالي عـن الـبـركة : هـل نحـن المؤمنون الخـطأة نمنح بـركـتـنا ــ نـقـوداً ــ ! … ورجـل الـدين الـبار يمنح بركـته ــ صلاة ــ !؟ لماذا لا تـكـون بـركات جـميعـنا من صنـف واحـد ؟ وإلاّ ، هل أنّ الصلاة تـوازن الـبـر ، والـنـقـود تـوازن الخـطيئة ؟ … كان بإمكان كاتب الإعلان أن يكـتب كـلمة ( إشتـراك بـدلاً من بركة الزكاة ) وأبـوه ألله يـرحـمه … في المرة القادمة ، إسألـوا أهـل العـلم إنْ كـنـتـم لا تعـلـمـون .

وخـتاماً :

في إجـتـماع لسيادة المطران جـبرائيل كـساب مع الشمامسة في سـدني ، شاء أن يـلـوّن جـلستـنا بكلام جـميل للمزاح ومادحاً الشمامسة فـقال : أنـتم تـتعـبـون عـلى المـذبح ونحـن ــ رجال الـدين ــ نقـبض !! فـعـقـبـتُ عـليه مباشرة مازحاً وقـلتُ : لماذا لا تخـصصون للشمامسة أيضاً نـسبة مما تـقـبضون ! فـلم يعـلـق .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here