lمفردة لغوية، احدثت لغطا مدويا اثناء مراسيم عقد قران !

مفردة لغوية احدثت لغطا مدويا اثناء مراسيم عقد قرأن! بقلم : د. رضا العطار

في تسعينيان القرن الماضي، تلقيت دعوة عائلية لحضور عقد قران لكريمة زميل، ترك العراق هو وافراد اسرته في اعقاب استحواذ البعث على الشرعية عام 1968 و استقر اخيرا في احدى الضواحي الجميلة للعاصمة الامريكية واشنطن.
وعندما وصلت الدار في الوقت المحدد، وجدته مكتظا بالحضور، كلهم عراقيون امريكان، فمنهم الطبيب والمهندس واصحاب حرف مختلفة، كما كان من بينهم عدد من المسنين المتقاعدين، كنت انا احدهم، كان الضيوف كالعادة يتبادلون عبارات المجاملة واحداث النهار واخبارالطقس بعد لفظة (الله بالخير). كان بعضهم لا يزال يتكلم العراقية بلهجته المعهودة بكل سلاسة، بينما البعض الاخر يمزج بين العربية والانكليزية، او ينطق بالانكليزية الصرفة فقط بسبب طول غيابه عن الوطن الام.

وبعد دقائق معدودة، دخل رجل الدين المرتقب في زيًه المألوف وهو عربي من اصول سورية وحيًا الحضور بادب جم، وقبل ان يأخذ الشيخ مكانه، دُعي الى غرفة العروس، ليقوم بأنجاز مراسيم عقد القران – – ولكن لم يكن من المتوقع ان يطيل الشيخ مكوثه في صالة الحريم عن الوقت المعتاد، حتى قارب مكوثه الساعة، عندئذ بدأ التململُ يدُبً في نفوس المدعوين، ينظر احدهم الى الاخر ويتسائل عن سبب التاخير، وقد طال انتظارهم، ولما وصل الامر لحد الأستياء والتضجور ، قام عدد منهم وغادر الدار، بعد ان ابدى لصاحب الدعوة العذر المبرر، التزامات شخصية، خرجوا دون ان يحظوا لا بجفية او حامض لا شربت.

ولما بلغ السيف الزبى جاء والد العروس اليً باديا قلقه وهمس في اذني قائلا :
(عندنا مشكلة مستعصية ! ماذا لو تفضلت وحاولت الحل ؟ )- فقمت في الحال وهممت بالدخول الى قسم النساء (الحريم) لأستجلي واقع الامر، فطرق سمعي سجالا حادا، يدور بين الشيخ الهادئ والعروسة الغاضبة، وسط جو عارم متشنج – – الشيخ يصر على ذكر النص الوارد في القران الكريم بخصوص عقد القِران، والبنت ترفض لفظ احدى مفردات هذا النص.
سمعتها تخاطب امها قائلة : ماما ! شلون تريدوني ان اسمح للشيخ، هذا الرجل الغريب، ان يجلس امامي ويردد لفظة : انكحكِ، انكحكِ، شنو اني هايشة ماعندي كرامة ؟
أفليست هذه اللفظة إستهانة بشخصية المرأة ؟
ثم توجهت البنت الى الشيخ مخاطبة اياه : اعلمك اني مولودة في الولايات المتحدة وليس في الجزيرة العربية، عبارتك هذه لا تروق لي، بل تجرح كبريائي، انها كانت تقال في مجتمع بدوي متخلف قبل اكثر من الف سنة، و يجب ان لا تقال في مجتمعنا المتحضر، حتى لو كانت بأسم الدين.
ولما احست الفتاة بان كلامها يذهب ادراج الرياح، و الشيخ مُصر على رأيه، التفتت الى والدها وقالت : بابا داتشوف الوضعية شلون ! فاذا الشيخ بقى متعنت، اني مبطلة و رافضه هذا الزواج !

فهنا تازم الموقف وتوتر الجو وشاع الهلع بين افراد العائلة، واصبح الاب في موقف حرج، فنظر إليً نظرة حيرة في اشارة منه للتحرك – – فهنا استأذنت الشيخ و طلبت منه ان يتبعني الى غرفة جانبية، وهناك شرحت له الوضعية وافهمته ان معظم البنات العربيات – وخاصة العراقيات – المقيمات في الغرب، لهن نفس وجهة نظر عروستنا هذه، ان المرونة ضرورية في مثل هكذا امور، حتى كتاب الله المجيد ـ كما تعلم ـ يؤكد ان لكل زمان جيله، وان ديننا الحنيف هو مع التطور، لا مع الجمود.
فحار الشيخ وقال : شو العمل يا حكيم ؟ قلت له: المسئلة بسيطة يا معلم . .
كل ما هناك ان نستبدل كلمة (انكحكِ) بكلمة (ازوًجكِ)، صحيح اننا ننتهك عرض اللفظة، لكن المعنى يبقى هو . . ولعلمك ان نصف الضيوف قد ترك الدار بعد ان ذاقوا ذرعا بالانتظار، وبعد لحظة من التأمل قال الشيخ : معلش صار. فشكرته على حسن استجابته، ثم خرجت الى صالة الاستقبال لأبلغ الحضور بانتهاء (المحنة)، وسط اصداء هلاهل النساء.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here