الاسلام والعالم الانكلوسكسوني، ح 6 (*)

الاسلام و العالم الانجلوسكسوني، ح6 (*) !

د. رضا العطار

من هذا المنظور نستطيع ان نرى المصادر الروحية للافكار الامريكية تؤكد على ثنائية الفلسفة البرجماتية، واستيعابها للعلم والدين معا (ما داما يبرهنان على قيمتها العملية) وكذا تسليمها بان الخبرة الحياتية ينبغي اتخاذها معيارا للحقيقة – هذا كله من صميم الفلسفة الانجلوسكسونية – وهي في ذلك على النقيض من الاتجاه الاوربي برمته. ويعرض (وليم جيمس) اسس هذه الفلسفة في كتابه (البرجماتية) حيث نقتبس منه ثلاثة شواهد :

) كثير منا يتوقع اشياء صالحة على جانبي الخط. فاذا قيل له الحقائق صالحة قال اعطنا كثيرا من هذه الحقائق. واذا قيل له المبادئ صالحة قال اعطنا مزيدا من هذه المبادئ ايضا. ان العالم بلا ادنى شك – وحدة – اذا نظرنا اليه من زاوية معينة ولكنه ايضا متعدد اذا نظرنا اليه من زاوية اخرى. اذن هو واحد ومتعدد في الوقت نفسه. وسوف نتقبل لذلك نوعا من الوحدة متعددة الجوانب. اجل، ان كل شيء حتمي، ولكن ارادتنا حرة ايضا: فلعل نوعا من الحتمية وحرية الارادة هو انسب فلسفة – ممكنة – ان الشر في الكائنات الفردية لا يمكن انكارها ولكن لا يمكن ان يكون الكل شرا. – – بهذه الطريقة يمكن ربط التشاؤم العملي بالتفاؤل الميتافيزيقي.

يعرض لنا (وليم جيمس) هنا النزعة الانسانية الطبيعية تجاه الثنائية، وهذا نوع من (الاسلام الفطري). انه يصف فلسفته بانها (اسم جديد لبعض الاساليب القديمة في التفكير، ويمضي جيمس قائلا : (عندما تكون لديك مشكلة، فأي فلسفة تحتار لحلها ؟ ستقدم اليك الفلسفة التجريبية ولكنك ستجد انه ليس فيها من الدين ما يكفي لاحتياجاتك، ثم يقول
وستقدم اليك الفلسفة الدينية ولكنك لن تجد فيها شيئا من التجربة يشبع احتياجاتك ) ثم يقول ان معضلتك هي كالاتي: انك لا تجد في هذين النظامين الا انفصالا تاما لا سبيل الى ان يلتئم، فستجد التجربة ولكنها لا انسانية ولا دينية، وستجد الفلسفة العقلية التي تدعي لنفسها التدين ولكنها تستنكف من اي اتصال محدد بالحقائق الواقعية او بافراح البشر واتراحهم)

وقد عرض لنا (برتراند رسل) معادلة مقبولة لفهم البرجماتية عندما قال : ( يوجد وجهان لاهتمامات (وليم جيمس) الفلسفية : احداهما علمي والاخر ديني. ففي الجانب العلمي نرى ان دراسته للطب قد هيأت فكره للاتجاه المادي ولكنه شكم هذا الاتجاه بعواطفه الدينية ) ان الفكرين الانكليزي والامريكي بدأ من الفرضين نفسهما اللذين اقامهما (روجر بيكون) منذ سبعة قرون مضت. في هذه الفترة دارت اوربا نصف دائرة كاملة ابتداء من القديس (توماس اكويني) على طرف، وانتهاء ب (لينين) على الطرف الاخر.

نحن لا نستطيع ان نقول بالتحديد اي نوع من الانطباع تركته البرجماتية في العقل الاوربي ولكننا نفترض انها خلًفت نوعا من الكراهية، فمن وجهة النظر الاوربية : البرجماتية لا منطقية ولا اتساق فيها ولا ثبات، وهي صفات طالما الحقها الاوربيون بالاسلام ايضا. ولكن البرجماتية هي النظام الفلسفي الامريكي الكبير الذي لم تكن اوربا بقادرة على ابداعه بحكم طبيعتها الفكرية. ومن المؤكد ان هذه الفلسفة تعبير عن حيوية الشعب الامريكي وطاقته الفائقة وحافز عليها في الوقت نفسه.
الى الحلقة التالية !
* مقتبس من كتاب (الاسلام بين الشرق والغرب) لعلي عزت بيجوفيتش.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here