متى يتحرر الوضع السياسي العراقي من الصفيح الساخن

متى يتحرر الوضع السياسي العراقي
من الصفيح الساخن؟
جواد وادي

لا نريد أن نتجاوز أعمارنا اعتمادا على معطيات التاريخ الذي كم من المراقبين شككوا فيه ومن مصداقيته، إما لعدم فهمهم لدهاليز الأحداث التي مرت وما فتئت تمر، أو لتطويع الأحداث ولأهدافهم المتعددة النوايا والتنكر للحقائق التي قصدا يراد تشويهها بسبب تعدد الأغراض الشخصية الضيقة على حساب المواطنة الشريفة، وهنا تكمن مشكلة العراق لانعدام الحس الوطني الذي يتميز به جل ساسة العراق منذ أن تحسسنا تعقيدات السياسة وتشابكها وبلاويها، والتي كانت بمعظمها غامضة وملتبسة ولا يمكن للمرء البعيد عن الخريطة التي يصممها السياسيون وغالبا ما تكون مقرونة بمفاتيح لا يفك طلاسمها إلا المخططون لها، ليظل الجميع يدورون في حيص بيص الكوارث دونما التقرب من أسبابها وأهدافها، ناهيك عن برامجها.
من هنا يمكننا التيقن بماهية الإشكالية التي تكمن وراء هذه الالتباسات وكثرة التخبط، فاغلب الظن أن حالة التجريب المختبري وفقدان الحنكة لدى السياسيين بعقلياتهم اليافعة، هي واحدة من هذا التخبط الذي امتد لأكثر من ستين عاما وما يزيد، او العصبية السياسية والتشبث بعقلية الفكر الشمولي الواحد، والتيقن بأن هذا الفصيل هو الأصدق وما عداه هم المنحرفون، وهنا تبدأ التجاوزات التي تقود لكوارث، بإلغاء الآخر وعدم الاعتراف به وبطبيعة ما يعتقد ويفكر، خلافا للسائد الذي فرضوه قسرا وأن يكون هو الطريق الأوحد، ولنا في العراق من الأمثلة ما لا تعد ولا تحصى، خلافا للخطوط العريضة التي يتفق عليها الجميع في بلدان التحضر الأخرى، للتمييز بين مبادئ ثابتة للدولة والتي تلتقي عندها وتتفق كل المشارب والاتجاهات والاختلافات، لأنها تشكل أسس الدولة وبنيانها القوى، إذا ما أردنا الحفاظ على المنظومة المجتمعية التي تشكل الطريق الذي تسير عليه كل الاتجاهات، ليبقى الاختلاف في السعي لتطبيق الجزئيات التي لا تؤثر ابدا على هيبة الدولة بثوابتها المتفق عليها، لتكون الاختلافات في التفاصيل الجزئية والتي يراها كل فصيل سياسيي يلي الآخر من خلال الانتقال السلمي للسلطة، هي الأنسب دون الاقتراب من أسس بناء الدولة وركائزها، وهذه هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق قفزات نوعية والعمل على الانتقال من مرحلة الى أخرى أكثر استشرافا وتقدما وتحقيقا للمنجزات لخدمة المواطن.
فهل ما عشناه ونعيشه في العراق من حالات لا تصل حتى لألفباء السياسية يتسم بذات ما ذهبنا اليه؟
دفعني للكتابة عن هشاشة الوضع السياسي في العراق منذ نعومة اظفارنا حتى اليوم، هو التخبط الذي تعيشه الأحزاب السياسية والكتل التي بقيت لأربعة عشر عاما تتعفر في العمل لوضع خطوط متفق عليها تغلّب العام على الخاص، وتحرص على روح المواطنة لكافة منتسبيها وهي التي تعتبر جواز السفر الحقيقي للعبور من مرحلة الى أخرى، ولكن الصدمة كانت أكبر من أن توصف، حين تحولت تلك الكتل والأحزاب الى أوكار للفساد والنهب وتوزيع الامتيازات على رعاياها في بلد مثخن بالجراح والحروب والفوضى والتفكك المجتمعي والأخلاقي وكل ما من شأنه أن يبقى البلد رهينا على كل الاحتمالات السيئة والتي بسببها سيتعاظم الخطر على أمن الوطن والمواطن، دون الإحساس بأدنى صيغ المواطنة المطلوبة، لبلد يكون بأمس الحاجة لتكاتف الجهود لإخراجه من محنه التي ما توقفت يوما واحدا، بعد أن راهن الجميع على أن التغيير الذي حصل بعد عام 2003 كفيل بإشاعة الأمل من جديد وبث روح التفاؤل لمواطن عانى الأمرّين من حكم فاشي قمعي مخيف، ليتفاجأ بفلول خراب اشرس وأعتى ممن سبقتها، لتتعدد مراكز القرار بل وتتقاتل على كسب الامتيازات وتحويل البلد الى ضيعات ومداشر ومحاجر مسورة لهذا الحزب دون غيره.
ومما يلاحظ بعد مسلسل الكوارث التي سببها الوضع الجديد، ليكمل ما سبقه من مغامرات وحروب وكوارث لوضع شمولي وقمعي خطير، نلاحظ محاولات ترقيع لفتوق بات من الصعب رتقها، بعد أن تيقن العراقي المغلوب على أمره والمتضرر من وحشية أذرع النهب وساديتها التي طالت حتى لقمته اليومية، بعد أن تفاقمت أوضاع البلد يوما بعد يوم دونما لمسة إحساس بالمواطنة، مما افقد أصحاب القرار بكل مشاربهم أي تعاطف معهم أو تكرار ذات الخطأ المميت بمنح أصواتهم التي ذهبت سدى، بعد أن عادت السلوى الوحيدة للمغرر بهم قضم أصابعهم، ندما على ما فات، ليشم ساسة الكتل والأحزاب والمكونات، أنهم سيكونون على شفا الانهيار في الانتخابات القادمة، فأخذوا بالاستعداد لتهيئة أسمال بالية لترقيع فتوق أخطائهم القاتلة.
نجد وللأسف الشديد أنهم أخذوا يشحذون كل أسلحتهم الصدئة لترميم الشروخ، إما عن طريق تفتيت مكوناتهم وتبني مشاريع أدعوا أنها جديدة ستنقذهم من الورطة التي كانوا سببا للوقوع بها، بتشكيل اتجاهات تبنت شعارات مغايرة لما الفناه، إما بالرجوع للإرث العائلي الذي يعتبرونه مقدسا لدغدغة عواطف التابعين لهم، وما أكثرهم، لأن المواطن المتضرر بإمكانه أن ينسى حجم مأساته بسبب ذات الكتل والشخصيات، بمجرد اللعب على تحريك فطرته الدينية، وهي الأخطر والأمضى من السيف البتّار، كما يقول طيب الذكر العلامة المرحوم الدكتور على الوردي، في بحثه عن الشخصية العراقية، “الملتبسة جدا”، أو شم رائحة التقارب بين قوى دينية وأخرى مدنية وعلمانية، بعد أن أخذت تتعاظم وتتسع شعبيتها لتشكل قوى وطنية طاردة للشائن والمعيب في الوضع السياسي المعتل والمصاب بكل أنواع الأمراض المزمنة. حيث نسمع وبأصوات ملعلعة الآن التحذير من خطر الإلحاد والعلمانية للحفاظ على ثوابت الدين، والجميع يعلم بأنها ضحك على الذقون تنم عن سطحية فرسانها.
لهذا وختاما نقول إن على كافة العراقيين وقبل فوات الأون عدم تكرار الفوادح التي وقعوا فيها، لأنها ستكون من القوة ما تقود للقبر، عندها لا ينفع أبدا الندم وبتر الأصابع.
أن الأمل المتبقي الوحيد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه هو التحرك الفاعل والقوي باتجاه دعم القوى الناهضة للتيارات المدنية المتحالفة مع قوى الاعتدال الوطني الديني، وسواه لا يلوم من يتعالى صراخه يوميا احتجاجا على تردي الأوضاع وتفاقمها، ليصم آذاننا، إلا نفسه.
وقد أعذر من أنذر

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here