مخزون الثقة لدى القيادة القطرية

بقلم
د. سالم الكتبي
تعرضت الكلمة المتلفزة التي بثت لأمير قطر الشيخ حمد بن تميم مؤخراً لانتقادات واسعة، ليس فقط لأنها لم تأت بجديد وسط أزمة طاحنة يعاني آثارها الشعب القطري، ولا يعترف بها الأمير عناداً واستكباراً، ولكن أيضاً لأن الكلمة جاءت سطحية ضعيفة خالية من نقاط التركيز المفترضة في مثل هذه الحالات.
لم يخرج أمير قطر على شعبه ليحتفل باليوم الوطني كي يتحدث بشكل احتفالي عن شخصية الأمير الوالد وانجازاته، بل كان يفترض أن تكون هذه الكلمة بمنزلة “بيان حالة”إلى الشعب القطري لشرح تطورات الأمور وتفسير ما يدور من حوله، وإعلان الجديد في مواقف القيادة القطرية، ولكن هذا الأمر غاب تماماً عن الكلمة التعبوية الخاوية سياسياً وإعلامياً.
يدرك مستشارو أمير قطر أن عهد الخطابات التعبوية قد ولى منذ عقود، وأن أميرهم لا ينتمى إلى نوعية القادة والزعماء القادرين على القاء مثل هذه الخطب التي تحتاج إلى سمات قيادية وخطابية معينة، ناهيك عن صعوبة حشد الجماهير وشحنهم عبر كلمات جوفاء لم يعد لها مجال ولا أهمية في عصر ثورة المعلومات والانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وفي مخاطبة أجيال تعرف كل صغيرة وكبيرة على كوكب الأرض قبل الكثير من الاعلاميين والسياسين!
كان الجميع، وفي مقدمتهم شعب قطر، يتوقع أن يحمل خطاب الأمير إعادة حسابات وتقدير موقف استراتيجي جديد بناء على معطيات الأزمة الحقيقية، وليس بناء على ما يقدمه عزمي بشارة ورفاقه وتقارير التنظيم الدولي للاخوان الارهابيين، الذين يريدون توجيه الأزمة لما فيه مصلحة التنظيم ولابقاء جرعات الدعم والتمويل التي يحصلون عليها من الخزانة القطرية مستمرة بغض النظر عن مصالح الشعب القطري، ولا حتى مصلحة القيادة القطرية نفسها!
النتيجة في خداع المستشارين أنهم يكتبون لأمير قطر خطاباً يغذي الحقد ويعمق الأزمة ولا يسهم في حلها وايجاد مخرج لتسويتها، فلا يجدون غضاضة في مواصلة القاء اللوم على الاشقاء من دون أدنى فرصة لمراجعة الذات، ويستمرون في ترديد عبارات من نوع “اعتقد بعض الأشقاء أنهم يعيشون وحدهم في هذا العالم، وأن المال يمكنه شراء كل شيء”، من دون أن يوضح لنا هل هذه الرؤية تخص الأشقاء أم تخص القيادة القطرية التي تعبثت بأمن الجميع من دون ادنى اعتبار للقوانين والمواثيق الدولية؟، ثم أي أموال يتحدث عنها الأمير ويقول أنه يمكنها شراء “كل شىء”وكأن الأمير لا يعرف سياسات قطر، التي تعتمد بالدرجة الأولى على “شراء الولاءات”بل وشراء “تنظيم البطولات”مثل “صفقة”كأس العالم وغيرها! هذه بديهيات يعرفها أمير قطر جيداً فلا يجب أن “يتاجر”بها في حديثه مع الأشقاء، فالحديث يجب ان يرتكز على كل أو بعض الحقائق كل يمكن قبوله واضفاء الصدقية عليه.

طالب أمير قطر بوقف “تحميل الشعوب ثمن الخلافات السياسية بين الحكومات”، وهذا أمر حقيقي ولكن كان لزاماً عليه أن يتوقف أولاً عن تحميل الشعوب العربية فاتورة الحسابات والطموحات السياسية للقيادة القطرية، فلا يتدخل ويعبث بأمن واستقرار شعوب المنطقة تحقيقاً لخطط ومؤامرات تدبرها تنظيمات ارهابية ودول اقليمية!
ألم يتذكر أمير قطر مصالح الشعوب سوى عندما استشعر الشعب القطري ألم المعاناة؟ أين كانت هذه “الحكمة”عندما تسببت سياسات قطر في غياب الأمن والاستقرار عن الملايين من الشعوب العربية، وأين كانت وهي تغذي الفوضى في دولة عربية كبرى مثل مصر وغيرها، بكل ما لذلك من توابع كارثية على الأمن القومي العربي!
يقول أمير قطر في كلمته أن الحل لا يجب أن يتم من خلال “إملاءات”بل من خلال “تعهدات متبادلة والتزامات مشتركة وملزمة للجميع”، وهذه بحد ذاته العجب العجاب، ألم يكن اتفاق الرياض عام 1013 وملحقه في عام 2014 سوى التزامات وتعهدات أخلت بها القيادة القطرية وضربت بها عرض الحائط تنفيذاً لاملاءات التنظيم الدولي للجماعة الارهابية؟! يبدو أن أمير قطر قد نسي أو يحاول تجاهل، وهذا الأقرب للاعتقاد، حقيقة الأزمة الحالية وأسبابها، فلو أن بلاده تنفذ ما قاله في كلمته ويطالب الآخرين به لما كانت هناك أزمة من الأساس.
أفهم أن كلمة الأمير تعبر عن الوضعية الهشة للحكم في البلاد، وتحاول استدرار عطف القطريين ليواصلوا تحمل تبعات الأزمة الطاحنة، ولكن على الأمير أيضاً أن يفعل ما تمليه عليه مسؤولياته كحاكم وسياسي، وأن ينفذ متطلبات أداء الدور السياسي، فلا يتمترس وراء مواقف وهمية جامدة، بل يجب أن يتخذ من المواقف والمبادرات ما يعكس حسن النوايا وجديتها في فتح صفحة جديدة مع الأشقاء، وهذا الأمر لم يحدث حتى الآن!
كلمة أمير قطر تعكس جدياً انحسار مخزون الثقة في “صبر”وثقة الشعب القطري في حسن إدارة قيادته للأزمة، فهذا المخزون ينحسر ويتراجع بوتيرة متسارعة نتيجة وعي القطريين بحقيقة الأزمة وممارسات قيادتهم، وبالتالي فالأمير يخشى ردة فعل غاضبة جراء عدم وجود أفق واضح للتسوية والحل، لأن القيادة القطرية تريد انتزاع نصر سياسي وإعلامي زائف على طريقة “حزب الله”و “حماس”، ولكن الدول ومصالح الشعوب لا تمضي هكذا، وعلى القيادة القطرية أن تدرس وتحاكي سلوكيات قادة الدول لا قادة التنظيمات الارهابية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here