باصات تقلهم من خارج المحافظة.. المتسولون فـي السماوة أعمارهم متفاوتة

باصات تقلهم من خارج المحافظة … المتسولون فـي السماوة أعمارهم متفاوتة وبعض النساء فيهم من الغجر

 تحقيق / عامر موسى الشيخ

اخترقت فاطمة، ذات الخمس سنوات؛ طاولات أحد مقاهي كورنيش السماوة مركز محافظة المثنى، حيث المكان الأكثر تجمعاً من شرائح المجتمع كافة، فهو مكان اللقاءات والمقاهي وشرب الشاي وتدخين الأركيلة وتجمع الشباب، وفاطمة بجسمها النحيل، ولسانها الثقيل وملابسها الرثة ووجهها الباكي، تمدّ يدها بين أكتاف الجالسين طالبة العون منهم، فتارة تحصل وتارات أخرى لا تحصل على ما تريد، وبالتوازي وفي خط آخر من خطوط المقهى، تراقبها أختها الأكبر منها ببضع سنوات وتواصل هي أيضاً الاستجداء من الجالسين.

السكن في الشوارع
تقول فاطمة بعد أن قدمنا لها مبلغاً من المال بعد صمت نسبي منها، إن والدها معاق ويسكنون في أحد احياء السماوة الفقيرة، وبدت وكأنها قد حفظت هذا الكلام، فلديها إجابات جاهزة للأسئلة المتوقعة عن حالها، وتجيب بصوت طفولي وكلام يصعب فهمه، أن والدها هو من يقوم بإخراجها عنوةً هي واختها من أجل التسول في الشوارع، وحين لا يجلبان المطلوب يقوم بضربهما وطردهما في الشارع من دون مأكل.
ليست فاطمة وشقيقتها فقط من يقومان بفعل التسول، بل لا يكاد يخلو تقاطع أو اشارة مرور أو سوق أو باب دائرة حكومية أو أي تجمع بشري في السماوة، من أطفال التسول وغيرهم من الذين يغلّفون فعل التسول، ببيع المناديل والعلكة، أو حمل بخاخات الماء والمساحات ويتكالبون على السيارات التي تقف‘ لحظة اعلان الاشارة الضوء الأحمر إيذاناً بالتوقف .
محمد طفل يبلغ من العمر سبع سنوات (نازح)، يقف في أحد التقاطعات المهمة في السماوة يجلس تحت شمس الصيف اللاهبة يحمل كيساً من المناديل، لا يأبه بحرارة الجو ولا لحركات السيارات السريعة، ويكاد أن يكون متلاشياً بينها، إلا أنه يحاول التنطط والطرق على نوافذ السيارات طالباً منهم شراء المناديل، يقول محمد، إن والده قتل على ايدي عصابات داعش بعد أن هجّروهم من الموصل، ويضيف أنه وعائلته المكوّنة من أم وثلاث بنات يعيشون في أحد المباني المهجورة في السماوة، ودائماً ما يقدم لهم الأهالي المساعدات، إلا أنه يحاول أن يقدم الاعانة إلى عائلته عبر بيع هذه المناديل وبشتى طرق الإقناع .

تجارة منظمة ومربحة
وفي هذا الصدد يتساءل الكاتب والناشط المدني لؤي عمران موسى، عن هذه الظاهرة ما الذي يدفع أطفالنا للتسول وبأشكال مختلفة على الأرصفة والطرقات ليل نهار!؟ ما الذي يدفعهم للتواجد حول حاويات النفايات والغوص فيها.!؟ أهو العوز.؟ أم هو جشع اولياء الأمور؟ هل هو عدم وجود ولي للأمر، فكان الشارع المأوى الوحيد.؟ هل عجزنا كدولة وشعب عن معالجة مشكلة قد تكون معالجتها الأسهل من بين المشاكل العراقية المستعصية؟ هل أصبحت الطفولة مشكلةً مؤجلةً إلى إشعار آخر. وأما ذلك يحاول عمران وضع الاجابات والحلول والتي من الممكن تنفيذها في الدولة العراقية، ويقول لـ(المدى) يُنسب عدد من افراد الشرطة والمراتب والضباط لتشكيل مركز مؤقت للشرطة المحلية، أو قسم من اقسام الشرطة ويُنسب معهم عدد من المدنيين ومنهم مندوب عن مجلس المحافظة ومندوب عن ديوان المحافظ، أن يكونوا باحثين اجتماعيين.
فيما يوضح، ماجد أبو كلل، مدير مركز ذر للتنمية في قضاء الخضر بمحافظة المثنى لـ(المدى) إن ظاهرة التسول كما رصدناها قبل فترة، تبين لنا ان هناك نساءً ورجالاً من خارج محافظة المثنى وتحديداً من محافظة ذي قار، يتم نقلهم بشكل جماعي أو فردي خصوصاً ايّام الجمع، للتسول في المدينة مما يبرهن على أن هؤلاء جميعاً يتحركون بتنسيق وتنظيم وليس بطريقة عشوائية. مبيناً: أن هذا يشكّل خطراً اجتماعياً و حتى خطراً أمنياً.
وعن دور منظمات المجتمع المدني بهذا الشأن يضيف أبو كلل، حالياً ليس هناك دور فاعل لمنظمات المجتمع المدني للحدّ من هذه الظاهرة كونها أصبحت تجارة منظمة ولكون موارد المنظمات محدودة، فاقتصر دور هذه المنظمات على مطالبة الحكومة المحلية بتطبيق القانون بحق أولياء أمور الاطفال المتسولين وبحق المتسولين الأكبر عمراً.

90 % من خارج المحافظة
اعداد المتسولين الكبيرة في شوارع مدينة السماوة، أثارت اكثر من تساؤل عن ذلك تحدث عضو مجلس محافظة المثنى فهد سيف، لـ(المدى) بأن ما نسبته 90 بالمئة من المتسولين في السماوة هم من خارج المحافظة. موضحا: أن إجراءات المراقبة كشفت، أن هنالك باصات تقوم بجلبهم من خارج المحافظة وتقوم بنشرهم بين الأحياء والشوارع والتقاطعات الرئيسة، ومن ثم تقوم بإرجاعهم بأوقات معينة، وكأن الأمر تجارة رائجة . مؤكداً: على أن أغلب أعمار المتسولين من الذين لم يبلغوا سن الرشد، داعياً في الوقت ذاته إلى ضرورة تكثيف الجهد الاستخباري والتنسيق ما بين المحافظات لدواعٍ امنية.
في غضون ذلك شرّعت محافظة المثنى ومنذ سنتين ووفقاً لقرارات من رئاسة الوزراء بتشكيل لجنة متخصصة لـ (مكافحة التسول) برئاسة المحافظة فالح الزيادي وعضوية قائد الشرطة، ومدير عام الصحة، ومدير الرعاية الاجتماعية في المحافظة، وكشف الدكتور يوسف رسول سكرتير اللجنة، عن أن اللجنة تشكلت في أساسها تحت عنوان لجنة الاتجار بالبشر والتي من ضمنها مكافحة التسول وتأخذ على عاتقها رصد هذه الحالات ومتابعة مصادرها واحالتها للقضاء، وإن عمل هذه اللجنة يسري وفقاً للمواثيق الدولية التي وقعها العراق مع هيئة الأمم المتحدة .
ويوضح رسول لـ(المدى) أن عملنا في هذا الخصوص كشف أن عمليات التسول تقوم بها عصابات منظمة تجلب المتسولين وبأعمار مختلفة من المحافظات القريبة من المثنى، ويتم نقلهم عبر باصات وتوزعهم على المراكز المهمة وتأتي هذه العصابات من محافظات الناصرية، الديوانية، النجف؛ وفي أوقات محددة مسبقاً يتم تحديد فيها أماكن اللقاء والمغادرة وحتّى السكن .

يتقاضون رواتب الرعاية الاجتماعية
وفيما يخص تحديد هويات المتسولين وأعمارهم، يقول سكرتير اللجنة المشكلة لمكافحة التسول: أن أعمار المتسولين متفاوتة وغالبيتهم من النساء وكبار السن والأطفال لاسيما المعاقين منهم، نافياً: المعلومات التي تتهم النازحين والمهجرين بالقيام بهذه العملية، وقال إن الحديث عن تسول النازحين في المحافظة غير دقيق، نعم هنالك حالة واحدة تم تحديدها وتم أخذ التعهدات من ذويهم في عدم الممارسة، ولكن في الحديث عن النساء اللواتي يمارسنه، أكد رسول بأن أغلب هؤلاء النساء هنّ من النساء الغجريات، داعياً في الوقت ذاته إلى ضرورة تشريع قوانين خاصة بهؤلاء الذين نبذهم المجتمع وتركهم دون مأوى أو عمل .
أما عن نسبة المتسولين من أبناء المثنى، فقد بيَّن رسول: أن نسبة المتسولين من أبناء المحافظة تبلغ 2% فقط، والباقي فهم من أبناء المحافظات المجاورة، وعن الاجراءات والكيفيات القانونية التي يتم التعامل بها مع المتسولين. مضيفاً: أن هذه الأمر يعاني مشكلة قانونية جوهرية، هي أن القانون لا يتعامل مع المتسول مباشرة ، فبعد معرفته والتوصل إليه نكتفي بأخذ التعهدات عليه فقط، إلا أن المجرم الحقيقي هو من يقوم بجلبهم والاتفاق معهم وهذا ما تنطبق عليه القوانين السارية الخاصة بالإتجار بالبشر. مبيناً: أن رصد لجنتنا قد كشف أن بعض هؤلاء هم من المسجلين في دوائر الرعاية الاجتماعية ويتقاضون رواتبهم بانتظام وقامت اللجنة بتهديدهم بقطع تلك الرواتب في حال تكرار هذه الفعلة.
وفي ما يخص التصريحات التي تناولتها وسائل الاعلام، ذكر رسول: أن هذه التصريحات التي تصدر عن المسؤولين هي خلاف الواقع الذي يؤكد بأن نسبة القضاء على التسول في المثنى قد انتهت بما نسبته 90 % .

تهديد أمن المدينة
سبق وأن كشفت اللجنة الامنية في مجلس المثنى، عن تنامي ظاهرة التسول خلال الفترة الماضية، وفيما دعت الاجهزة الامنية الى اتخاذ الاجراءات اللازمة للحدّ من هذه الظاهرة التي اصبحت تشكل تهديداً امنياً وأخلاقياً، مؤكدةً أن نسبة كبيرة ممن يقومون بالتسول من خارج المحافظة.
وقال نائب رئيس اللجنة احمد منفي في تصريح صحافي، إن هذه الظاهرة التي استفحلت في الآونة الاخيرة باتت تشكل تهديداً لأمن المحافظة بسبب المخاوف من استغلالها من الجماعات لتنفيذ سرقات أو اعمال ارهابية، فضلاً عن استغلالها بأعمال غير اخلاقية على حد قوله، مشيراً الى أن هذه القضية طرحت عدّة مرات امام انظار اللجنة الامنية العليا للنظر بها. داعياً: الاجهزة الامنية والاستخباراتية لمتابعة هذه الظاهرة ومعرفة هويات المتسولين واتخاذ الاجراءات المناسبة للحدّ منها.
المواطن وليد عطية: بيَّن أن محافظة المثنى تعد من المدن الفقيرة في العراق بل تتصدرها لأسباب عدة قد يقف الفساد الاداري في مقدمتها، والذي ساهم بشكل كبير باتساع رقعة التسول وتسرب الأطفال من المدارس. داعياً الحكومة العراقية لإيجاد الحلول اللازمة لمعالجة آفة التسول من خلال احتواء الأطفال ضمن المهن الحرفية. موضحاً: أن الكثير من المتسولين يأتون من القرى والأرياف أو المدن المجاورة كي لا تكشف هويتهم.

مخاطر التفكك المجتمعي
في حين بيَّن المدرس المتقاعد حسين حمود: أن تنامي ظاهرة التسول تقف خلفه أسباب عدّة في مقدمتها الجانب الاقتصادي والذي ترك أثره على الواقع المعيشي للكثير من العوائل. مشيراً: الى أن اغلب المتسولين خاصة الأطفال منهم يجبرون على التسول إن كان ذلك عبر عوائلهم أو استغلال الأيتام منهم من قبل بعض العصابات. لافتاً: الى انعدام الرؤى الحكومية بهذا الشأن وغياب المراكز المختصة بتأهيل المتسولين أو ايجاد فرص عمل لهم تكون كفيلة بتوفير سبل العيش الكريم.
الباحث الاجتماعي امير عبد الرضا بيَّن لـ(المدى) هناك مؤشرات خطيرة بتزايد حالات التسول ليس على مستوى المدينة فحسب، بل البلد أجمع. لافتاً: الى أن التفكك المجتمعي لبعض العوائل وغياب المتابعة من الأهل، دفعا الكثير من الأطفال نحو التسول. مشدداً: البعض ربما يتسول طلباً للمساعدة بسبب حاجته الفعلية لها وآخر وجدها مهنة مربحة تدر أموالاً دون عناء وتعب أو المجازفة برأس المال.
وبيَّن عبد الرضا: أن الاجراءات الحكومية بهذا الشأن ضعيفة جداً ولاترتقي لخطر الظاهرة التي قد تكون سبباً بتزايد الأعمال الاجرامية. مؤكداً: على اهمية ايجاد خطة حكومية بالتعاون مع منظمات المجمتع المدني والمراكز البحثية للحد أولاً من هذه الظاهرة ثم القضاء عليها. مبيناً: أنه من العيب أن يكون هناك متسولون في بلد غني مثل العراق وفي محافظة واسعة المساحة يمكن أن تفتح فيها عشرات المعامل والمصانع التي يمكن أن تأوي هؤلاء المتسولين.
المـدى

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here