رسائل من سجن المستقبل

احمد الخالصي

الساعة السابعة والربع مساءاً هذا ماسمعته من الحرس المار من أمام زنزانتي , فُتحت ابواب الزنزانة صوتٌ مزعج من مكبرات السجن ,ليتهيأ الجميع للخروج لتناول وجبة العشاء,

لم يكن أحد ليجروأ لمخالفة اي من تعاليم الانضباط الموضوعة لنا,

بعد أن تناولنا الطعام حان موعد الرجوع إلى الزنزانة , في صباح اليوم التالي أخبروني بالقرار النهائي لمصيري في السجن , الاعدام شنقًا حتى يبان بياض اسنانهم مقابل أخر نفسٍ لي , التهمة كانت مقالة تضمنت بنود أتفاقية سرية بين ممثلين عن الطوائف العراقية وممثلين الحكم الأمريكي في العراق(المقالة نشرت بتاريخ 4/9/2020) لم يكن أمامي سوى يوم واحد فقط على تنفيذ الحكم , لا أحد يعلم مكاني منذ يوم أختفائي لا الاهل ولا حتى شريكة حياتي , توسلت كثيرًا لعلهم يمنحوني فرصة التكلم معهم لاخر مرة , لكن ذلك لم ينفع , اصبت باحباط حتى جاءت ممثلة عن حقوق الانسان الدولية تطمئن على السجناء ومعاملتهم بطبيعة الحال اخبروها أن هولاء جميعًا أرهابين مسؤولين عن قتل الجنود الامريكان اثناء عودتهم لأخذ العراق من جديد عام (2018) اصدرت ضوضاء كثيرة في زنزانتي حتى تنتبه, بالفعل نجح الامر وقالت لهم ما خطب هذه الزنزانة بعد التمتمة قالوا لها أنه معتوه لاتشغلي بالكِ فأبت إلا أن تعرف ماخطبي , فُتحت الزنزانة والنظرات الحادة خاصتهم تنهش في فمي لكني تمالكت الشجاعة قليلًا وقلت لها اريد أن اكتب اخر شيءً في حياتي ,لا اعرف وقتها مالذي تغير في نفسي حتى استبدلت الاتصال بكتابة اخر كلماتٍ لي , طالبت الممثلة من الجهات القائمة على سجن توفير هذا الامر لي وبالفعل جلبوا لي هاتف وفتحت حسابي وشرعت أكتب

“أنا أكتب هذه الرسالة واعلموا أنها أخر ماتقرؤها عني , إلى طفلتي الوحيدة , ياذات البياض المفعم بذاتكِ هلمي إليه بذكرى أحتضنها وانا مبتسم لعلي أقم غدًا وأنا اداعب حبل المشنقة بدل الخوف منه , أود شكركِ فقد روداتني الأبتسامة رغمًا عن كل الحزن الذي يملأ داخلي بمجرد أن تذكرت عنادكِ,تصرفاتكِ الطفولية وخجلكِ كنتِ ولازلتي رائعة, أهلي كنتم أزهارًا ملونة بتلون اختلاف تعاملكم معي لكن يبقى لكل منكم عطرٌ مميز أستنشقه باعتزاز, مجتمعي كنتم رائعين بقبحكم تنظر لكم الحرية بأعين حاضنة فتولوا وجوهكم مدبرين ,ماذا جرى حتى سجنتم بين غياهب الجهل وتراشقت امنياتكم على وجوه البساطة ,أيعجبكم رداء الخنوع ام ماذا, اقسم عليكم بحجم حبكم للصمت ماذا وجدتم فيه حتى احببتوه هكذا.”

ما أن فرغت من الرسالة حتى التهم وجهي قبضة احد الحراس الذي عرف بفحوى الرسالة ,

بعدها استيقظت على رائحة البيض المقلي الذي تعده لنا أمي , اتضح أني كنت في الليلة الماضية مسرفًا بشرب جرعات المستقبل.

بتاريخ ٢٠١٧/٠٧/١٨ ٢:٠٩ ص، كتب “Ahmad Ali” :

احمد الخالصي

سكينة تسكن اوجاعها بالابداع

القوة هيّ ضرب وجعك بالعزيمة وعدم الاستسلام , تصرخ املًا لا وجع تبكي فرحًا لا حزنا , مابين دجلة الرصافي ونخلة السياب ولدت ارادة فتاة تبلغ من عمرها ازهارٍ وابتسامة.

سكينة مالك كاتبة في مقتبل العمر اصيبت بمرض خبيث لكن المرض وقف شارد الوجع امام ارادتها المتدلية على جرف الورقة ,حيث غمرت كلماتها ارجاء الذائقة , تسيل من حروفها آهات مبدعة يسمع صدآها مابين اركان الادب المختلفة,

ذات احترام مفروض كفرض القافية على الشعر , كلماتها تخترق حاجز الحبر لتبحر في قارب الابداع ,

من نصوصها الجميلة التي تقول فيها,

“أنا كَـتحفةٍ أثرية

أعييت كل ركن أن يحويني

لستُ رمادية

سوداء أم بيضاء

بجسدِ الشبابِ أكون

وداخلي كَـعجوزٍ حكيم

لستُ كأقراني

طاهرة كثوبٍ أبيضٍ أرديهِ حاملةً القرآن حينما اتجه للصلاةِ

كآية تُتلى على فاجرٍ

فيضجُ منها نافرٍ

هكذا يكون من يُساير دِربي

عمياء، صماء،بكماء أنا.

لم تُمسسني رِذيلة

بل لذاتي فضيلة

لاتُرافقني سوى من كانت قديسة

فأنا كَـ النرجسية

مُشاغبة وكثيرًا طفولية

كَـزهرةٍ تتوسط مزهرية

مات أصحابها وصُيرت للماءِ عطشانة،ذابلة

مُغبرة فوق تلك الطاولة..”

نعم هيّ تحفة تدل على حضارة العزيمة في مواجهة الصعاب , نجدها كطائر يحلق في سماء الاصرار لكن يحمل بين جنحيه , جرح خلفته بندقية المرض وهذا مانجده في وصفها (بجسد الشباب اكون وداخلي كعجوز حكيم),

ذات السبع عشرة سنة تعلمنا دروس في التحمل والصبر على ما سيحل علينا , كذلك تحويل السلبيات من خلال عملية التنصيع الذاتي إلى ايجابيات , تشكل حافز نفسي للذات وللغير .

في الختام سكينة انموذج شبابي عظيم ولوحة جميلة نناظرها كلما اشتد بنا عصف هذا الزمن , لن اواسيها او اكتب العبارات الكلاسيكية فأنا الناقم عند الكرب الناسي عند النعم لا اصلح لذلك ,الاصح ان تواسينا هيّ وتسقينا من دروس القوة مايكفي لسد رمق الضعف في دواخلنا …

بتاريخ ٢٠١٧/٠٧/١٥ ٨:٢١ م، كتب “Ahmad Ali” :

احمد الخالصي

إلى سيادة الزعيم عبد الكريم قاسم (رسالة عتب)

ياسيادة الزعيم قلمي يهديك تحية النثر واقف امام اسمك بانضباط الشعر مع القافية , من بعد معجم الحب بما يحتويه من كلمات ,تحتل احاسيس العتب فؤاد افكاري فاقدمها على مسامع رؤياك الخالدة بطبقٍ من الاسف.

بعد كل ذكرى لثورة الفقراء الخالدة على عقول الاقطاع الغنية , نجد اصواتًا ناعقة من بقايا حمير تلك المزارع بعد كل ذكرى تمر وهم يشتكون منك , لِم رفعت عنهم سرج الطغاة فهم تعودوا على ان تُرسم على ظهورهم سياط الحكام.

انتشر خلال اليومين الماضيين حملة واسعة لتشويه الثورة التي قام بها الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم متناسين الانجازات الكبرى التي قام بها خلال سنوات قليلة جدًا من حكمه , لعل ابرز واخطر اتهام تم اطلاقه على الزعيم هو قتل العائلة المالكة ,انا على يقين ان العار سيحيط بكلام هولاء لكونه فاقدًا لكل المعايير الصادقة في النطق , ان اخلاق الزعيم تتنافى تمامًا مع ماتعرضت له العائلة المالكة وكما اشار بعض المعاصرين لتلك الحادثة فإن المتسبب بها هم مجموعة اخرين كان بينهم عبد السلام عارف وغيرهم ممن أثبتوا فيما بعد نفاقهم العسكري وسقوطهم الواحد تلو الاخر, أن الانجازات العظيمة التي قام بها الراحل كانت شاهدة وداحظة لكل هذه الافواه , كذلك محبة الناس والمكانة الي يكنها الشعب للزعيم يدل وبشكل لايقبل التأويل على أن جميع التهم التي وجهت للزعيم هي (هواءٌ في شبك) فلا يمكن ان تنسجم الصفات الخاصة بالزعيم بالتسلط او الخيانة فهناك تنافر تام بين التهم وشخصية الزعيم.

في الختام عودة للعتب ياسيادة الزعيم , لماذا لم تُنكل وتقمع احدى الطائفتين , حتى تضمن دفاع احداهما عليك , اما علمت أن الحيادي في دولتنا العظيمة متطرف من نوع منفي عن قيمنا الطائفية التي وصلت إلى ما ادنى من الحظيظ

بتاريخ ٢٠١٧/٠٧/٠٣ ١١:٥٢ ص، كتب “Ahmad Ali” :

احمد الخالصي

الحدباء اختفاء مؤقت ستعود شاهقة

بعض الحجر شريط خاص من الاصالة يعود بك إلى مجدٍ قد ضاع بين جحافل الحاضر الدموي , لكن كل هذه الاصالة تتحدب امام دمعة امٍ فقدت مجد بطنها الغيور.

جامع النوري الذي يقع في الجانب الايمن لمدينة الموصل هو الجامع الثاني الذي بُني في المدينة بعد الجامع الاموي في عهد نور الدين الزنكي استمر بناؤه من سنة 566هجرية إلى سنة 568 للهجرة (1171-1173 م), حيث قام الشيخ عمر بن محمد ببناء الجامع بعد تكليفه من قبل الامير نور الدين ,ورأى الشيخ ان من المستحسن أن يتم بناء مدرسة في الجامع عرفت فيما بعد بمدرسة الجامع النوري ,وقيل أن اول مدرس في المدرسة كان أبي بكر البرقاني تلميذ محمد بن يحيى تلميذ الغزالي بينما البعض قال أنه عماد الدين أبو بكر التوقاني الشافعي ,كان للجامع عدة أوقاف منها العقر الحميدية والقيسارية.

عانى المسجد من الاهمال في الحقب التاليه وكان اشدها في فترة الاحتلال المغولي كما بقية الاشياء في تلك الحقبة , قام المستشرق الالماني أرنست هرتسفلد بدراسة عن الجامع في أوائل القرن العشرين وقال ” أن مابقي في تلك الفترة من قبل الجامع لايعود كله إلى فترة نور الدين فقط , بل إنه كان بالأصل مبني فوق مسجد بناه سيف الدين غازي الاول عام (543 للهجرة) والتي كانت بدورها اصلا مبنية على ضريح ”

كما قيلت اراء اخرى منها أن الجامع قد بدأ بناءه قبل مجيء نور الدين إلى الموصل بعشرين سنة ولم يكن سوى مشرفا على اتمام بنائه ,كما قيل ان الجامع بني على كنيسة تسمى كنيسة الأربعين شهيد والتي بنيت بدورها على كنيسة القديس بولس ولكن اغلب هذه الاراء ضعيفه واغلب الادلة تشير الى أن بناءه قد تم من قبل نور الدين .

أن هذه اللمحة لاتعد سوى مرور قصير على تاريخ العريق لمعلم ورمز موصلي , بلا شك أن لتفجير هذا المعلم ماهو إلا عمل شنيع يضاف لسلسلة الاعمال التي يقوم بها داعش الارهابي كما يعد عملية انتحار قام به التنظيم اذا قام بشنق نفسه بحبل البداية (الظهور الاول لزعيم داعش كان في الجامع وهو البداية الاعلامية للتنظيم) . كذلك يعد هذا الامر دليل دامغ وقوي على بسالة قواتنا الأمنية بمختلف تشكيلاتها وعلى رِقيُهم ومستوى وعيهم طوال فترة قتالهم لهذا التنظيم حيث عمدوا للحفاظ على هذا المعلم وفي سبيل ذلك اعطيت الدماء الزكية التي شكلت كوابيس عانى منها التنظيم مما اضطره في النهاية للانتحار بشكلٍ مخزي كما ابتدأ بعار انهى وجوده بعار اخر يضاف لسلسة منجزاته اللعينة في سبيل تدمير الانسان والحضارة , يبدوا أن المنارة لم تسقط بل اختفت لفترة حتى تعود بحلتها الجديدة وهذه المرة سيتم بناؤه بشكل مغاير لكافة مقاييس العمارة في العالم سيتحد الدم مع الدمع مشكلًا حجارة صلبة لن تتحدب وستظل شاهقة بشموخٍ جنوبي , أي ارهاب سيقترب سترعبة الاصوات التي كست جدار المنارة ,فلدموع الابرياء النازحين وامهات الشهداء صرخةٌ الهية مدوية برعبٍ على قلوب الطغاة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here