الرحيل المر

الرحيل المر
عندما خرجنا عام 1991م بعد الانتفاضة الشعبانية لم تكن لدينا وجهة محددة ولم نكن نعلم الئ أي مكان أو أرض سنحط رحالنا بعد ظلم وجور استمر لعقود وبعد انتفاضة شعب لم تأتي ثمارها الطيبة في حينها ..لكن مع كل تلك المحنة سجل التاريخ تلك الوقفة العظيمة لشعب كابد كل معاناة الظلم والحرمان من قبل طاغية العصر صدام المقبور.
خرجت الناس على شكل مجاميع بشرية كثيرة وانتشرت على كل الطرقات المعبدة والترابية في براري الارض وصحاريها لم يكن هناك خيارا فقط كانت الناس مخيرة بين الرحيل والهجرة الى المجهول وبين الموت المحقق على أيدي جلاوزة البعث الفاجر..
في النهاية كان لكل مهاجر وراحل عن وطنه مكانا استقر فيه وكله يأس واحباط في العودة الى وطنه التي اصبحت من المستحيلات الأبدية.
هناك ناس اتجهت الى الجمهورية الاسلامية وآخرين اتجهوا نحو الصحاري السعودية دون ان يعلم ماذا سيجري له ولعائلته ان كانت لديه عائلة.
وصلنا الحدود السعودية رجال..نساء..أطفال..وشيوخ..الجميع يلوذ بالجميع بين سماء وأرض خاوية الا من الأحجار لاستر ولا استقرار أين المفر يامسلمين لاجريمة لنا سوى اننا انتفضنا بوجه طاغية..
ازدادت المعاناة عند رفض الجيش السعودي استقبالنا صرخنا بوجوههم حاولنا شرح مأساتنا وان الموت يلاحقنا وهم يسمعون صراخ الأطفال ونحيب النساء بسبب الخوف والجوع وبرد الصحراء القاتل لم يجز كل ذلك كأننا نتكلم مع الحجر الأصم لانسمع منهم سوى الشتائم والتكفير لنا والمدح بالطاغية من قبل العساكر السعودين رغم حربهم ضده آنذاك..
حتى جاء جيش الكفار من الفرنسيين والامريكان خلال لحظات تفهموا وضعنا والله فقط يعلم ماكان في دواخلهم لكن لله والتاريخ فان جيش الكفار استقبلونا ووفروا لنا الامن والغذاء و وعدونا بالامان وفعلا هذا ماحصل رغما عن السعوديين وحكومتهم..وبنوا لنا مخيما تحيط به الاسوار والحرس الشديد من كل جانب وعزلونا عن العالم لسنوات طوال قاسية ومؤلمة.
وبعد خروجنا من أسوار العبودية في السعودية للاختصار وكان الله بعون من بقي داخل المحتجز أقول ان هذه الأيام تذكرني تماما بأيام خروجنا من بلدنا ولكن الفرق كنا نشرح ونبين معاناتنا في الدول الكافرة فنرى دموعهم تسيل تعاطفا مع قضيتنا وقضية شعبنا واحتضنوا العراقيين كل هذه السنين و وفروا لهم الامن والغذاء..
لكن المفارقة القاسية والعقيمة هي انني عندما اريد العودة الى بلدي أجد الشتائم والاتهامات هي نفسها في عهد البعث الفاجر لكنها تخرج من اهلنا واحبتنا ..انا لايهمني ان قلت وان كثرت أصوات هؤلاء لكن مايهمني هو ان الكافر قد فهمني وتعاطف معي أيام محنتي واخي وابن مدينتي يشتمني عند عودتي ..
لا لسبب سوى ان الدولة وفرت لي راتبا لكي أستطيع العيش بسلام في وطني عند عودتي..
أي قساوة وأية مرارة هذه التي يكابدها المشرد أوالمهاجر من وطنه ليسمع عند عودته هكذا اصوات لاتفهم ولاتعي معنى تاريخ شعب ملأه الجراح والأحزان والحرمان.عشت مرغما بعيدا عن وطني وأهلي أكثر من ربع قرن والله لم أسمع ولم أقرأ مثل ماسمعته وقرأته من كتابات ضد المغتربين العراقيين والذين لايزالون في غربتهم يكابدون الشوق والحنين لوطنهم بل وحتى الذين عادوا واستقروا في بلادهم لاتزال هناك أصوات تنعق ليل ونهار للتنكيل بهم وبأهليهم ولتنغيص عيشهم..
البعض يقول لماذا لم تعودوا الى وطنكم أقول لهم سنعود باذن الله تعالى ولكن هل من سبقنا في العودة الى وطنه أمّن على قوته وحريته وهل تخلص منكم ومن نفايات وعنصرية تفكيركم وانتم لازلتم ترددون كالببغاوات نباح البعثيين ونواصبهم وتلهثون وراء كل فتنة تفتك بالمجتمعات ..
لكن الحقيقة تقول ان رحيلنا كان مراً والعودة كانت أشدّ مرارة وحرقة وأقسى مافيها اننا نجد بعض من اخوتنا يسوّدون تاريخ شعبهم وعقيدتهم الحرة… لكنهم بعلم أو بغير علم يبيضون تاريخ صدام الأسود..
اتذكر كلمة لاحدى (الكافرات) عند استقبالها لنا قالت عيشوا بسلام فهذا وطن للجميع لكم مالنا وعليكم ماعلينا..
لكن حتى الآن لم نسمعها من دولتنا ولامن شعبنا..بل العكس هو الصحيح..وأسفاه..وا عراقاه..اين ذلك الطيب وأين اختفى..اين تلك الغيرة العراقية التي تهب على رائحة العراقي أين ماكان..وأين الدين من كل ذلك..ألم ندعي اننا أصحاب رسالة سماوية محمدية؟

سليم الرميثي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here