الخطباء المنافقون!!

هناك ظاهرة سائدة في مجتمعاتنا عنوانها , أن معظم خطباء الجمعة يتمنطقون بعبارات وكلمات في غاية المثالية والنزاهة والإنسانية , والرحمة والمودة والتكاتف والتآلف والأخوة الدينية والآدمية , ويحثون على تفاعل أبناء الوطن الواحد بإيجابية وإعتصام بالمواطنة والإرادة الرحمانية التي أوصت بها الأديان السماوية.

وفي كل يوم جمعة تعصف في المسامع الخطب الرنانة الحاثة على عمل الخير , ونبذ الفساد والسلوك الإجرامي والإعتداء على حقوق الآخرين , وعدم ترويع الناس والإجهاز على الحرمات , وإنكار الظلم والرشوة والإبتزاز , وغيرها العديد من الموضوعات التي سئمت منها المنابر , وما عاد الناس يصغون إليها , لأنها صارت محض كلام لا جدوى من ورائه , فالواقع يفند الخطب والإدّعاءات والتصريحات , التي تتحدث عن المحبة والتواصل البشري الأليف.

فما عاد للخطب قيمة ودور في حياة الناس , لأن الذي يدور في حياتهم اليومية صارخ وفظيع , ومدجج بالمحرمات والخطايا والآثام , ومعزز بالفتاوى والتبريرات الآثمة والتسويغات الإجرامية الصادمة , وكأن الفساد والظلم وفقدان الأمن يتناسب طرديا مع زيادة عدد خطب الجمعة , وما تميل إليه من المثالية والدعوة إلى العيش في عوالم الفنتازيا والسراب.

أي أن خطب الجمعة فقدت دورها في الحياة اليومية , ذلك أن الدين العمل وليس القول والدجل , والعمل يبرهن كأن الدين سفك دماء وتكفير وتجريم , وعدم إحترام لقيمة وحرمة الحياة وإنكار مطلق لأبسط حقوق الإنسان.

فالمتحكمون بمصير الناس بإسم الدين , والذين يحسبون أنفسهم العلماء والفقهاء , يقومون بأفعال تناقض الدين وما جاءت به الكتب السماوية والعقائد الأرضية كافة , فدينهم هواهم وربهم هواهم وكتابهم إملاءات النفس الأمارة بالسوء , التي تلقنهم آيات السوء والشرور والبهتان.

فلماذا لا يستوعب خطباء الجمعة حقيقة الواقع ويواجهون أنفسهم , وينزلون إلى شوارع الحياة ويعيشون المرارات القاهرة التي يكابدها الناس , والمتسلطون على وجودهم يعيشون في قصور عاجية , ويأكلون ما لا يمكن للناس أن يحلموا به من الطعام والشراب , وحولهم دهاقنة سوء ومساوئ وحاشية تضليل وخسران , والجميع وبلا إستثناء يؤدي الصلاة خمسة أوقات , وجبينه موشى بطرة , ولحيته ما أجملها وعمامته ما أعظمها , وعندما يتكلم تحسبه شيطان رجيم , وفي يقينه أنه يمثل صوت الرحمان الرحيم.

ترى أ ليس هذا النفاق المبين , والعمه والسفه المشين , فأين الدين فيما يجري ببلاد العُرب أوطاني , وأين مخافة الله فيما تفترون على الناس , فهل أنتم دعاة الفساد والخطايا والأمر بأنكر من المنكر وأسوأ من أي سوء؟!!

فإلى متى تبقى المنابر تصدح بالأكاذيب وتتصور الناس سراب؟!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here