شناشيل : هيئة الإعلام .. لا ينبغي الكيل بمكيالين

عدنان حسين
[email protected]

البرامج التلفزيونية من نوع “البشير شو”، لا أحبّها. هذا ليس معناه أن هذا النوع من البرامج سيّئ أو فاشل أو غير مناسب أو غير صالح. الأمر له علاقة بالذائقة، بالضبط كما هي الحال مع الذائقة المتعلقة بالمأكل او الملبس أو الموسيقى والأغاني والقراءة.
عليه، لستُ في وضع المؤهل للقول في ما إذا كانت هيئة الإعلام والاتصالات مُحقّة في موقفها من برنامج “البشير شو” الذي تعرضه الآن قناة “NRT عربية”، واتّهامها له وللقناة بالتحريض على العنف والكراهية، أم أنها تتجاوز مهامها وتتحوّل إلى مؤسسة تسعى إلى قمع حرية التعبير المكفولة دستورياً، فلم يتسن لي مشاهدة أكثر من حلقتين أو ثلاث من هذا البرنامج، وهي مشاهدة لم تكن مكتملة، بسبب عدم ميلي إلى برامج من هذا النمط، كما أسلفت.
مع ذلك يُمكنني القول بكل اطمئنان إن هيئة الإعلام والاتصالات إذ تعترض على مضمون ما وارد في حلقات من هذا البرنامج، وفي موادّ أخرى للقناة، إنما تكيل بمكيالين في الواقع، فثمة الكثير من القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية التي تبثّ على مدار الساعة خطابات مثيرة للعنف وللكراهية من زاوية دينية وطائفية .. هذه القنوات والمحطات تموّلها وتديرها قوى وهيئات طائفية، شيعية أو سنية. ومن الواضح أن هيئة الإعلام ، لأسباب غير موضوعية، غاضّة نظرها عن هذه القنوات والمحطات، بدليل أنها لم تزل قائمة وتواصل خطابها التحريضي على قدم وساق. الهيئة لديها سلطة إيقاف كل قناة تلفزيونية ومحطة إذاعية تخالف أحكام القانون الذي تستند إليه الهيئة في عملها، أو في الأقل فرض غرامات مالية عليها.
من الملاحظ أن الهيئة أكثر ما تتحسس من النقد الذي توجّهه وسائل الإعلام المرئية والمسموعة إلى قوى سياسية متنفّذة في السلطة وإلى سياسيين ومسؤولين كبار في الدولة من هذه القوى السياسية خصوصاً، فيما لا تكون لها ردود أفعال مماثلة حيال خطابات تلفزيونية وإذاعية تحرّض ضد السنّة أو ضد الشيعة أو ضد الكرد أو ضد أتباع الديانات الأخرى. بين هذه قنوات تلفزيونية، موصوفة بأنها “دينية”، تُنفق كل وقتها تقريباً في عرض خُطب مباشرة أو منقولة من مساجد وجوامع وحسينيات تقطر سمّاً طائفياً. هذا يجعل عمل الهيئة متّسماً بالتسييس، فيما هي أكثر ما تكون نافعة ومُجدية بالابتعاد عن التسييس كيما تساهم في بناء نظام إعلامي وطني يساعد في حفظ السلم الأهلي والأمن الاجتماعي، وهذا هو واجبها الأساس.
لا أملُّ تكرار القول بأننا في حاجة إلى تشريع قانون ينظّم (أشدّد على أنه ينظّم ولا يقيّد) ممارسة حرية العمل الإعلامي في البلاد المنصوص عليها في الدستور. هو قانون على غرار قانون الأحزاب، مثلاً، الذي وظيفته تنظيم الحياة السياسية وليس تقييد حرية العمل السياسي. في غياب قانون كهذا يمكن لهيئة الإعلام وسواها أن تتجاوز مهامها وصلاحياتها باعتبار كلّ نقد تحريضاً على العنف والكراهية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here