الأدوار تتبدل والوجوه واحدة

محمد واني 

السؤال الأهم والأخطر هو: مَن يحاكم من إذا كانت معظم الهيئات والمؤسسات الحكومية والشخصيات السياسية الفاعلة العراقية نخرت فيها «سوسة» الفساد ومن ضمنها المحاكم والهيئات القضائية وهيئة النزاهة التي أخفقت تماماً في تقديم عمل جاد لمحاسبة الفاسدين الكبار وتقديمهم إلى العدالة؟!

تحوَّل الإصلاح هذه الأيام إلى موضة رائجة في العراق، الكل بدأ ينجرف معها، ويروج لها ويدافع عنها، الحاكم والمحكوم، الشعب والسلطة، والأحزاب السياسية والكتل البرلمانية والمراجع الدينية، الهيئات المستقلة وغير المستقلة ومنظمات المجتمع المدني، لم يغب أحد عن المشهد المتداخل الذي يشبه إلى حد بعيد مسرحية تمثيلية عبثية ساخرة، الممثلون فيها يؤدون أدوارهم بدقة وانضباط ويتعاملون مع الواقع بحرفنة سياسية عالية، الكل لديه هدف وغاية في دعوته الإصلاحية؛ الشعب يريد إصلاح الحكومة وتفعيل مؤسساتها ومحاكمة الفاسدين وإعادة الأموال المسروقة منهم إلى خزينة الدولة، ولكن كيف وبأي طريقة؟ ومن يضطلع بمهمة الإصلاح ويقود عملية تطهير تلك المؤسسات؟!

والسؤال الأهم والأخطر هو: من يحاكم من إذا كانت معظم الهيئات والمؤسسات الحكومية والشخصيات السياسية الفاعلة نخرت فيها «سوسة» الفساد ومن ضمنها المحاكم والهيئات القضائية وقضاة وهيئة النزاهة التي أخفقت تماما في تقديم عمل جاد لمحاسبة الفاسدين الكبار وتقديمهم إلى العدالة، وظلت المظاهرات الشعبية الواسعة في بغداد منذ شهور والداعية إلى الإصلاح، محاولة بائسة وغير مجدية في غياب الآلية! والحكومة أيضا تدعو إلى الإصلاح وترفع شعاراته، ولكن دون أن تقترب من حيتان الفساد الكبار، مجرد دعوة غير جادة بالمرة.

كان اختيار «حيدر العبادي» لقيادة الإصلاح والتصدي للفساد خطأ جسيما لأنه كان محسوباً على تشكيلة النظام القديم المراد تغييرها وهو يتحمل جزءا من أوزارها، ونفس الأمر ينطبق على «مقتدى الصدر» الذي يتزعم المتظاهرين ويهدد باجتياح المنطقة الخضراء بين فترة وأخرى لإجبار الحكومة على تطبيق الإصلاحات، فهو مازال جزءا أساسيا في العملية السياسية وله وزراء وكتلة برلمانية قوية وعضو فاعل في التحالف الوطني الحاكم، وما يقوم به من احتجاجات قد يكون الغرض منه حماية الحكم الشيعي ودرء الخطر عنه والحؤول دون ظهور زعماء شعبيين «غرباء» يوجهون الجموع الغاضبة إلى ما لا تحمد عقباه!

ربما هو دور سياسي يلعبه لمصلحة المذهب! لأنه لم يستطع إلى الآن تغيير وجه من وجوه الفساد ولا استطاع تحقيق هدف واحد من أهداف شعاراتها الكثيرة التي ظل يرفعها في مظاهراته الملايينية «العبثية»، المشكلة أن كل السياسيين العراقيين وليس فقط مقتدى الصدر يؤدون أدواراً سياسية معينة في مسرحية لإلهاء الشعوب العراقية عن أصل مشاكلها الحقيقية… وكلما اقتربنا من الانتخابات القادمة ازدادت المشاهد سخونة وتغيرت الأدوار حسب مقتضيات المصلحة الشخصية والطائفية وستتشكل التحالفات من نفس الوجوه التي أثبتت فشلها في الحكم طوال السنوات الأربع عشرة الماضية، وسيكون الصراع في الأيام القادمة محتدما ومريرا بين جبهتين قويتين، جبهة المالكي التي تدعمها إيران بصورة مباشرة وجبهة العبادي والصدر وعمار الحكيم، المدعومة من أميركا بحسب المراقبين، ولكن في اعتقادي أنها أيضا مدعومة من إيران، ولكن بصورة غير مباشرة، والجبهة الأخيرة تحاول المستحيل لجر رجل رئيس إقليم كردستان «مسعود بارزاني» ــ الذي يعتبر من أكبر المعرقلين لخطة بغداد وطهران التوسعية في المنطقة ــ وإذا ما استطاعت ان تضمه إليها وتتحالف معه لمواجهة البعبع «المالكي»، في الانتخابات القادمة، فإنها بذلك تكون قد وجهت ضربة قاصمة إلى مشروعه الانفصالي الذي بدأ يتحمس له ويسعى إلى تحقيقه، وفي حال عودة الأكراد إلى العملية السياسية العراقية بوضعها البائس الحالي، فلن يشهد العراق أي تغيير ويبقى يدور في حلقة مفرغة إلى فترة أخرى، والخاسر الأول والأخير هو الشعوب العراقية.

* كاتب عراقي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here