استقلال كوردستان . . هل آن الاوان

ادهم ابراهيم

اتفق بعض قادة اقليم كوردستان على اجراء استفتاء في الاقليم لتحديد مدى رغبة الشعب الكوردستاني في تحقيق الاستقلال الناجز عن بغداد وفق قاعدة حق تقرير المصير للشعوب . وقد كان موضوع الاستفتاء هذا محل خلاف شديد بين المواطنين العراقيين على اختلاف قومياتهم وطوائفهم . كما اثار ردود فعل كثيرة من قبل الاحزاب الحاكمة في بغداد وكذلك بعض الاحزاب الكوردستانية وحتى الدول الاقليمية قد ادلت بدلوها في معارضة هذا الاستفتاء لانه يشكل تهديدا لوحدة اراضيها

واذا نظرنا نظرة موضوعية محايدة لهذا الاستفتاء فاننا نجد

ان الامم المتحدة قد اعطت لكل الشعوب الحق في تقرير المصير وتم تثبيت ذلك في العديد من قرارات ومواثيق الامم المتحدة . ومن يعارض استفتاء كوردستان لا يختلف حول هذا المبدأ وانما يتحجج بحج شتى . منها ان القاطنين في اقليم كوردستان لاتنطبق عليهم صفة شعب . او انهم ليسوا سكان اصليون في العراق او انهم يتامرون مع العدو لتقسيم العراق

ونحن نرى ان تقرير المصير هو حق لكل الشعوب بما فيها الشعب الكوردستاني لان هذا الحق ينطبق عليهم مثلما ينطبق على كل شعوب الارض . وعلى المعارضين لحق الكورد بالاستقلال ان يبينوا وجهة نظرهم في مخاطر هذا الاستقلال على الكورد او على العراق او على المنطقة بدلا من سلب هذا الحق من الكورد

. وفي المقابل رب سائل يسأل لماذا يصر الكورد الان على هذا الاستفتاء

لنعود الى الوراء قليلا

فقد كان هناك التحالف الشيعي الكوردي قبل الاحتلال الامريكي للعراق . ولكن بعد استلام حزب الدعوة للحكم ومحاولة المالكي طرح نفسه كديكتاتور بديل عن صدام حسين ، واستئثاره بالحكم وهو يغدق اموال الشعب المسكين على المنافقين من السنة والشيعة من الذين كانوا ومازالوا يعتاشون على اوهام السياسيين المغمورين والتافهين . فقد استفرد في الحكم على حساب كل المكونات العراقية بما فيها حلفائه بالامس الكورد ، وبدأت القطيعة فانفصمت عرى التحالف الذي كان يراد منه ادارة الدولة ادارة مشتركة

بعدها تم تسييس القضاء ، وجرد المجلس النيابي من صلاحياته في اصدار القوانين الا بعد تقديمها من مجلس الوزراء

ثم عطلت مواد الدستور ، فلم يتم تشكيل المجلس الاتحادي ولا مجلس الخدمة الاتحادي . وكذلك عطل لفترة طويلة تشريع قانون النفط والغاز الذي كان واحدا من الاسباب المهمة لابتعاد الكورد عن المركز . ثم المماطلة في تنفيذ المادة 140 من الدستور التي تقضي بتسوية الخلاف حول المناطق المتنازع عليها . فاصبحت هذه المناطق وخصوصا محافظة كركوك بؤرة النزاع الى يومنا هذا .

ولم يكتف المالكي بذلك بل سلم كثير من المدن المهمة الى داعش بحجة وجود مؤامرة عليه . وانهزم جنرالاته امام حفنة من المارقين وقطاع الطرق الذين سموا انفسهم بالدولة الاسلامية فيما بعد .

والاكثر من هذا فان المرتزقة من عسكر المالكي قد انسحبوا من المناطق التي تسمى بالمتنازع عليها حتى من دون اي تهديد او هجوم من عصابات داعش . فقام الاكراد بضمها الى كوردستان لملء الفراغ .

وقد خشي حكام بغداد في وقتها من سقوط نظام الحكم اكثر من خشيتهم على الوطن .

اما الدواعش فقد غيروا خططهم من تهديد بغداد الى تهديد اربيل في خطوة لم يفهم مغزاها الى يومنا هذا ! . وكان من نتيجة هذا كله ان مدن الانبار وصلاح الدين والموصل قد تم تهجير اهلها والتجئوا الى اقليم كوردستان . ثم اتهم الاقليم بانه يأوي عناصر معارضة لنظام الحكم . وتولت الكتل والشخصيات الحكومية والبرلمانية مهاجمة الاقليم بشتى الطرق والوسائل

لقد جرت محاولات عديدة لتسوية النزاعات بين الحكومة المركزية والاقليم الا انها قد باءت بالفشل وربما يعود السبب في ذلك الى تدخلات دول الجوار لخلق الازمات او محاولة لي الاذرع وينطبق هذا على قادة الاقليم بقدر انطباقه على القيادة العراقية في المركز . رغم ان هذه الخلافات لم تكن في يوم من الايام لا من صالح المركز ولا من صالح الاقليم وكان من نتيجتها الفوائد الجمة للفاسدين في الحكومة الاتحادية ولبعض المتنفذين في ادارة اقليم كوردستان ، وكل ذلك تم على حساب مصالح الشعب العراقي بكل الوانه وقومياته وطوائفه

وفي محاولة للهروب الى الامام من المشاكل الجمة التي يعاني منها الاقليم والصراع الدائر فيه حول السلطة والثروة توجه رئيس الاقليم وبعض قادة الاحزاب فيه الى تحديد موعد الاستفتاء تمهيدا لتحقيق الاستقلال والانفصال عن الوطن الام . رغم ان بعض الفصائل المهمة في الاقليم لم تكن راضية على هذا الموعد

انه من الصحيح جدا القول بان الحكومة المركزية قد اخطأت كثيرا تجاه الاقليم . كما اوضحنا سابقا . ولكن من الصحيح ايضا القول بان هذه الحكومة اخطأت اكثر تجاه الشعب العراقي كله من الشمال الى الجنوب خصوصا فيما يتعلق بالامن المفقود نتيجة النزاع المستمر للاحزاب الحاكمة ، وكذلك عدم تقديم اية خدمات تذكر لهم من مشاريع الماء او الكهرباء وحرمتهم حتى من التعليم الاساسي نتيجة فساد الذمم والسطو على موازنة الدولة اضافة الى سطو مجالس المحافظات على الموازنات المخصصة لهم في سابقة لم نشهد لها مثيلا

ان من حق الاقليم اجراء الاستفتاء لتقرير المصير . ولكن هل سأل قادتهم انفسهم هل ان هذا الاستفتاء وبهذا الوقت هو من مصلحة شعبنا الكوردي خصوصا وان الاطماع والمخاطر تحيط به من كل جانب ، مما يتوجب على الجميع رص الصفوف لمواجهتها بدل العمل بشكل انفرادي . وان هناك دول اقليمية مثل تركيا وايران لاترحب باي خطوة من هذا القبيل بل انهما تسعيان بكل الطرق لافشال هذه التجربة لما تمثله من مخاطر على وحدة اراضيها

كما ان كثير من دول العالم ابدت امتعاضها من هذه الخطوة احادية الجانب لكونها تزعزع الاستقرار في عموم المنطقة . وطالبت بتاجيل هذا الاستفتاء

ان الوضع الداخلي في اقليم كوردستان غير مستقر نتيجة الخلافات العميقة بين الاحزاب المتنفذة والتي تنذر بالانفجار في اي لحظة وان الدعوة لهذا الاستفتاء ماهي الا تاجيل لهذه التناقضات والتي ستتحول بعد الاستقلال الى حرب اهلية لايمكن التكهن بمخاطرها الجمة على وحدة الشعب الكوردي وربما ستطلب السليمانية هي الاخرى الاستقلال من الاقليم للانشقاق الكبير بين الحزبين الرئيسين الحاكمين

كما سيواجه الاقليم مشكلة قلة الموارد المالية بعد الاستقلال والتي ستكون هي الاخرى من المشاكل الجمة المنتظرة خصوصا في تدهور اسعار النفط وعدم استقرارها

ان استقلال كوردستان سيجعلها محاطة بدول معادية . كما انها ستكون دولة مغلقة لعدم اطلالها على البحر ويجعلها عرضة للحصار في اي وقت

ان قادة الاقليم قد عرضوا على بغداد اجراء حوار حول الانفصال السلمي . في وقت كان يتوجب عليهم بدل ذلك اجراء حوار معمق حول الشراكة الفعلية في ادارة الدولة بدل المشاركة الشكلية الجارية الان وتحديد واجبات وحقوق كل من الحكومة المركزية والاقليم

ان الشعوب الفرعية والاقليات بالدول المتخلفة هي التي تسعى الى الاستقلال لعدم وجود الثقة المتبادلة ولغة الحوار المخادع والوعود غير القابلة للتنفيذ

وهذا ماحصل في السودان حيث بقيت المشاكل معلقة وتسببت بعد الاستقلال في حروب اهلية اكثر من السابق . وقبلها حصل بين الهند والباكستان ولازالت الحروب الدورية مستمرة بينهما الى يومنا الحاضر

في حين نجد ان الشعوب في الدول المتقدمة تحل مشاكلها بالحوار المستند على احترام المقابل وعدم استغفاله وتثبيت حق كل طرف على وفق القواعد الدولية والوطنية المتعارف عليها . وهذا ماحصل في ايرلاندا الشمالية وكذلك في اسكوتلندا عندما حاولوا الانفصال عن المملكة المتحدة . وهذا ما حصل ايضا في اقليم كيوبك في كندا حيث لم تتم الموافقة على الانفصال وفضل الشعب في الاقليم المذكور اجراء الحوار مع الحكومة المركزية لضمان حقوقه القومية والانسانية من دون نزاع

فما الذي يمنع اقليم كوردستان من القيام بالحوار الجدي المعمق والمتحضر مع الحكومة المركزية لتطبيق مواد الدستور المعطلة وتشريع القوانين اللازمة لضمان حقوقه والتوسع في صلاحيات الحكم الذاتي بما يتناسب مع طبيعة المرحلة

وبذلك يتجنب كثير من المخاطر المترتبة على الانفصال والتي اشرنا الى بعضها وليتقاسما السلطة والثروة على قدم المساواة ودون فرض ارادة احدهما على الاخر وفي ذلك ضمان لمصالح الطرفين

وبالامكان الحصول على ضمانات دولية او الاستعانة بخبراء دوليين ممن لهم باع طويل في حل مثل هذه الازمات والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في هذا المضمار . بدل الاصرار على الانفصال الذي سيثير نزاعات لا اول لها ولا آخر في الاقليم نفسه وفي العراق وفي عموم المنطقة وكفانا تعنتا يستفيد منه اعداءنا ويذهب بنا الى حروب عبثية اخرى . تحرق فيها كل الشعوب في المنطقة بما فيه شعبنا الكوردي .

ادهم ابراهيم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here