العلامة مصطفى جواد مُترجم رواية الأمير خلف وأميرة الصين أنموذجاً

طلال سالم الحديثي

لا أظن  من خلال متابعاتي _ أن أحداً من الباحثين أشار إلى هذه الزاوية من إهتمامات العلامة اللغوي والمؤرخ الدكتور مصطفى جواد رحمه الله تعالى ، وموضوع الترجمة هو رواية من الأدب الفرنسي لكاتبها الأب ( دوتروكول ) ترجمها المرحوم الدكتور مصطفى جواد وطبعتها في بغداد شركة التجارة والطباعة المحدودة عام ( 1957 ).

الرواية عنوانها : الأمير خلف وأميرة الصين، ترجمها العلامة مصطفى جواد ب ( 94 ) صفحة من القطع المتوسط ومطبوعة بحرف ناعم ولو طبعت وفق مستجدات الطباعة الحديثة اليوم لبلغت صفحاتها ( 200 ) صفحة أو أكثر .

ويبدو أن للمرحوم مصطفى جواد رواية أخرى ترجمها عن الفرنسية وعنوانها : غادة إيران والوزير الحزين ، تأليف : بتي دلاكروا ، ولكني لم أستطع العثور على نسخة منها .

حقوق شعرية

يقول مؤلف الرواية الفرنسي (دوتروكول ) في مقدمته لروايته :إعلم أنه من الشرق جاءتنا هذه الأمثال ، وهذه القصص الفنية جداً، الخافقة بالروح والرقة، والعقل والحق أحياناً ، هذه القصص التي هزّت طفولتنا ، تهذب كهولتنا ، وهي التي ستجمل أيام شيخوختنا .

إنّ إستماع القصص لشعوبٍ رعاة ، تحبسهم سماء نارية ، تحت البيوت والأخبية كان دائماً لذة رغيدة، ولايزال العربي قاصاً من القصاص البارعين في هذه الأيام فقد زانته الطبيعة بخيالٍ ضاحك وتصورٍ باسم ،والمرء الذي أعلى هذه الصفة من العرب ينال القبول عند القبائل كلها ، إنك لتلاقي القاص في معسكر الجنود، وتحت خباء البدوي ، وعند نار القوافل في المنازل ، في المصطلى وفي مربعات المدن ، وفي أبواب القهوات ، وتسمعه في كل مكان يقص قصصه التي لانهاية لها . وعلى كونه رث الهيئة، ردىْ الغذاء، مُعتفياً لذوي الإحسان في طعامه بالليل، يصف لك تلك الوليمة الفاخرة، فينعت ألوان الطعام اللذيذة جداً، والأشربة الرائقة المُستطابة حقاً ، المتخذة في أواني الذهب والبلور ، ويصف الجواري أنصاف متجردات ، يُسكرن الحواس برقصهن الشهوان على نغم موسيقى، أو صوت غناء منسجم يصلح للآلهة ، ويُعرب عن الغرام ، والغنى والسعادة ، وينثر في هذه القصص بمل ْ كفيه الأزهار واللؤلؤ والألماس ، ويبني قصوراً فخمة ، ويغرس بساتين ساحرة، تفور منها مياه رائقة عطرة، وعلى صوته تهبط الملائكة من السماء، وكذلك الحكماء والجن، ويستخرج من الأرض والبحر المسوخ والمردة، ويستحضر الشياطين . وفي أثناء إندفاعه بحماسته يخترع موضوعاً فيطرزه ويزخرفه بتفصيل جديد، فيصيب في الغالب نتيجة غير متوقعة، وتكون النتيجة أحياناً عديمة كل صلة بأول القصة ، وذلك لايهم سامعه وهو منصت يستذيق لذة أنسه ، ومنتش بأناة من دخان ( تبغ ) اللاذقية وقهوة ( مخا ) إنه يرى كما في المنام مآدب الخلفاء ، ورقص الحور العين ، فينام سعيداً، أليس ذلك خيراً من الحقيقة ؟

وملخص الرواية التي ترجمها المرحوم مصطفى جواد بأسلوبه الشيق الذي ينأى عن السرد التاريخي ويخلص إلى التخيل بلمسات العبقري الذي تنقاد على لسانه المفردات وارفة الظلال فاتنات المسارب والسواقي لتحيلها إلى مُتعة من مُتع عالمٍ مسحور كأنه جنة عبقر وما فيها من مرابع الخيال ومراتع الغيد ومواقع الأحلام ، فلا يحس القارئ إلا برجفة في القلب وبوثبة في الخيال ، وهذه عبقرية اللغة تمر بسحرها على القفار فتجعلها تزري بجنان المصايف وروائع الأودية، ذات العيون والسواقي .

أقول : ملخص الرواية يتمحور حول بنت ملك كشمير الفاتنة بجمالها ، الغانية بحسنها، وكان ذلك الملك الذي أسمه ( طغرل بي ) له ابن وبنت إستدعيا عجب أهل زمانهما، فالأمير اسمه ( فروخ روز ) ومعناه ( اليوم السعيد ) وكان شاباً شجاعاً له من عشرات الصفات الطيبات ماجعله اهلاً للاحترام والإجلال .

والأميرة ( فروخ ناز ) واسمها يعني ( السعيدة الطريفة ) وكانت آية من آيات الله في الجمال ، إلا أنها كانت تصد كل المعجبين بجمالها .

روعة جمال

على أن أباها ملك كشمير لكثرة ما ساءته التعاسة التي تحدثها روعة جمال ابنته عزم على أن يخفيها عن عيون الرجال ، فحظر عليها الخروج من القصر حتى إمتنعت رؤية الناس لها ، غير أن شهرة جمالها ذهبت في الشرق كل مذهب، فتاق إليها ملوك كثيرون متأثرين بشهرة جمالها ، وسرعان ما علم في كشمير أن سفراء كل ممالك آسيا قد قصدوا مملكة كشمير ليخطب كل منهم الأميرة الرائعة الجمال ، على ملكه الذي أرسله، ولكنها قبل أن يصلوا إلى كشمير رأت مناماً جعل جميع الرجال بُغضاء إلى نفسها ، وذلك أنها رأت في المنام أن وعلاً من الأوعال وقع في أحبولة صياد فجاءت أنثاه الوعلة فقطعت الأحبولة وخلصته ، ثم وقعت الوعلة في أحبولة أخرى إلا أن وعلها تركها على حالها وأوغل في الغابة .

إستيقظت الأميرة ( فروخ ناز )، وهي متأثرة من منامها ، ولم تحسبه من أضغاث الأحلام ومن أوهام الخواطر ، واعتقدت أن ( كيسايا ) صنم كشمير المعبود يومئذ كان يهتم بالمقدور لها ،وأنه أراد بهذه الصور المنامية أن يعلمها أن جميع الرجال هم خونة غَدَرَة ، لا يكافئون النساء على شفقتهن إلا بالكُفران والنكران .

طلبت فروخ ناز من أبيها الآ يزوجها من أمير من الأمراء الذين يطلبون يدها ، رغم خشية أبيها من إنتقام يدبره الملوك الذين أرسلوا رسلهم لخطبتها .

فاستدعى والدها الملك العاقل ( طغرل بي ) داية ( فروخ ناز ) وأسمها لميمة وقال لها : إن سيرة إبنتي الأميرة أورثتني العجب ، فما كان السبب في نفورها من الزواج ؟ أفلستِ أنتِ التي وسوست لها بذلك النفور ؟!

فقالت الداية : لا ياسيدي لستُ بعدوة للرجال ، وإنما كان نفور الأميرة من الزواج لحلم حلمته، فصاح الملك دهشاً : نتيجة حلم ؟! آه ، ما الذي تقولين ؟!! لا أستطيع التصديق! ، فقصت عليه ( سوت لميمة ) حلم الأميرة ، وبعد أن حكت له الماجريات، قالت : هذا هو المنام الذي أقلق مخيلة الأميرة .

طلب الملك من الداية ( لميمة ) أن تجد حلاً، فقالت له : إني أحفظ قصصاً غريبة عجيبة فإذا قصصتها على الأميرة أبهجتها وأزلتُ من نفسها إرتيابها بالرجال ، وتحقيق ذلك أني أُريها بالقصص وجود محبين مخلصين في قديم الزمان، وأجعلها من غير أن تشعر بقصدي تعتقد بوجود أمثالهم الآن ، فدعني ياسيدي أحارب وهمها فأني آمل أن أُبيده وافنيه .

خطة الداية

وافق الملك الأب على خطة الداية وبدأت الداية تحكي للأميرة القصص ، ومنها قصة : الأمير خلف وأميرة الصين، وهي قصة مليئة بالأحداث والمغامرات والحروب إلا أن نهايتها تؤكد إنتصار الحب على كل ماعداه من عوائق، ذلك الأنتصار المتمثل في زواج الأمير خلف إبن أحد ملوك التتار النغيسية في المشرق من الأميرة ( توران دوكت ) أميرة الصين .

ومما يجدر التأكيد عليه ختاماً لهذه المقالة عن قصة الأمير خلف وأميرة الصين التي ترجمها المرحوم الدكتور مصطفى جواد هو أنني أردت إلقاء ضوءٍ على جهد الدكتور مصطفى جواد في الترجمة، ذلك الجهد الذي غاب الحديث عنه في كل ما كتب وألف في التاريخ واللغة والتراث ، وأرجو أن أكون قد وفقت .

الزمان

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here