سانت ليغو الاصلي هو بديل النص غير الدستوري

هادي عزيز علي
مما يُحسب لقوى المجتمع المدني ومنظماته انها تصدت لنص البند (رابعا) من المادة (الثالثة) من القانون المرقم 26 لسنة 2009، المعدِّل لقانون الانتخابات في حينه الذي نص على ان ” تمنح المقاعد الشاغرة للقوائم الفائزة التي حصلت على عدد من المقاعد بحسب ما حصلت عليه من الاصوات”.
فقد طعنت القوى المدنية في هذا البند امام المحكمة الاتحادية العليا، نظرا لعدم دستوريته ولكونه يؤدي الى: تهميش الملايين من اصوات الناخبين, استبعاد العشرات من الكيانات السياسية الصغيرة, تجيير تلك الاصوات المهمشة لصالح الكيانات التي لم يصوت الناخبون لها اصلا لكونهم من خصومها السياسيين، حرمان المرشح الحائز على آلاف الاصوات من حقه في الحصول على مقعد اذا كان ينقصه ولو صوت واحد للوصول الى القاسم الانتخابي, وليحصل على المقعد من ثم شخص آخر من الكيانات الكبيرة حتى لو كان حائزا على بضعة اصوات فقط، فيصبح عضوا في المجلس بفضل اصوات خصومه السياسيين ورغم ارادتهم.
وقد جرت عدة مرافعات في شأن ذلك امام المحكمة الاتحادية العليا، قدمت خلالها اطراف الدعوى عديدأ من الدفوع. وبعد ان استكملت المحكمة تحقيقاتها ووضعت الاضبارة موضع التدقيق، وبعد المداولة بين قضاتها، اصدرت حكمها المرقم 12 / اتحادية / 2010 بتاريخ 14/6/2010 الذي جاء فيه :
“…يظهر جليا لهذه المحكمة بان توزيع المقاعد الشاغرة قبل وبعد التعديل المشار اليه، يتم بترحيل صوت الناخب من المرشح الذي انتخبه الى مرشح آخر لم ينتخبه اصلا وخلافا لارادته، وهذا يخالف منطوق المادة 20 من الدستور، اذ نص على منح المواطنين رجالا ونساء حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية، بما في ذلك حق التصويت والانتخاب والترشيح, كما كفل حرية التعبير بكل الوسائل في المادة 38 / اولا منه. وان عملية تحويل صوت الناخب بدون ارادته من المرشح الذي انتخبه الى مرشح من قائمة اخرى لم تتجه ارادته الى انتخاب مرشح منها، يشكل اعتداء على حقه بالتصويت والانتخاب، وتجاوزا على حرية التعبير عن الرأي، وبالتالي يشكل مخالفة لنص المادة 20 والمادة 38 / اولا من الدستور. وحيث لا يجوز سن قانون يتعارض مع الدستور (….) قررت المحكمة الحكم بعدم دستورية الفقرة (رابعا) من المادة ( 3) من القانون رقم 26 لسنة 2009 (….) وصدر القرار بالاتفاق..”
من قراءة هذا الحكم يتضح ان االمحكمة الاتحادية العليا تتبع احكام النص الدستوري الوارد في المادة 20 من الدستور، وتوجب طاعته، وهو ينص على ان ” للمواطنين رجالا ونساء حق المشاركة في الشؤون العامة ..”. وهذا يعني ان اي تشريع يأتي بصيغة قانون ويؤدي الى تهميش اية مشاركة في الشأن العام او يحد منها او يمنعها، يعد فعلا مخالفا للدستور يلزم التصدي له وايقافه , فضلا عن اي نص يعطل احكام حرية التعبير وممارستها.
وقد جاء هذا الحكم من المحكمة الاتحادية العليا، الذي يعد باتا وملزما للسلطات كافة، ليلقى الكرة في ملعب السلطة التشريعية فارضا عليها اصدار تشريع يحل محل النص المحكوم بعدم دستوريته.
الا ان مجلس النواب تراخى فترة ليست بالقصيرة في تنفيذ حكم المحكمة الاتحادية العليا هذا, واقترن تراخيه ببعض المماطلة من الكتل الكبيرة. واستمر ذلك الى ان فوجئوا جميعا بقرب مواعيد انتخابات مجالس المحافظات (الدورة الجارية حاليا), التي لم يكن من الجائز اجراؤها من دون نص قانوني يعالج موضوع توزيع المقاعد الانتخابية. فاصدر مجلس النواب – على مضض – نصا يعتمد طريقة سانت ليغو الاصلية, ما اتاح لشخصيات من التيار المدني الحصول على بعض المقاعد التمثيلية في مجالس المحافظات، وبالعدد المحدود الذي يعرفه الجميع.
الا ان هذا العدد على محدوديته هز بعنف مواقع الاحزاب الكبيرة واطاح ببعض القيادات في بعض مجالس المحافظات, فكان ان رأوا فيه خطرا كبيرا على امتيازاتهم ومصالحهم ومراكزهم، ومنحوه صفة بيضة القبان مع الخشية من وقوع هذه البيضة في الجانب الاخر, بل واطلقوا عليه اسوأ الاوصاف، وحمّلوه مسؤولية الانقسام وتعطيل اعمال مجالس المحافظات. وانطلاقا من هذه الخشية عقدوا العزم على التصدي للتيار المدني وشخصياته، بكل امكاناتهم المتعددة والضخمة بما فيها نفوذهم في الجانب التشريعي، بغية الحيلولة دون وصول مرشحي التيار الى المقاعد التمثيلية. وقد تفتقت ذهنيتهم في الاقصاء عن تشويه طريقة عالم الرياضيات الفرنسي اندريه سانت ليغو، إذ طرحوا صيغة 1,9 ثم استقر رأيهم على 1,7, وهم على يقين من ان هذه الصيغة تتيح لهم البقاء في مواقعهم ان لم تعززها، وتحول دون وصول التشكيلات السياسية المدنية والشخصيات المستقلة القادرة على تغيير الخارطة السياسية، الى تلك المقاعد والمواقع .
والملاحظ في حكم المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستورية النص سابق الذكر، انه اعتمد الاسباب التالية: 1 – ان ذلك النص يحول دون تمتع المواطنين رجالا ونساء من المشاركة في الشأن العام . 2 – ان ارادة الناخب لم تستطع ايصال مرشحه للفوز باحد المقاعد المتنافس عليها، وبذلك حرم المرشح من تمثيل ناخبيه . 3- تعطيل حق الترشيح والتصويت والانتخاب باعتبارها آليات للوصول بالمرشح الى المساهمة في ادارة الشأن العام . 4 – ان المساهمة في الانتخابات شكل من اشكال حرية التعبير, وان النص المطعون فيه عطل احكام حرية التعبير .
على ذلك فان الكتل الكبيرة التي هزها تطبيق صيغة سانت ليغو الاصلية، تمكنت من ان تأتي بصيغة سانت ليغو المشوهة (1,7) لتحقق بها ذات الاهداف الواردة في البند (رابعا) من المادة (الثالثة) من القانون رقم 26 لسنة 2009 المحكوم بعدم دستوريته, متحدية حكم المحكمة الاتحادية العليا والاسباب التي اعتمدتها للحكم بعدم دستورية النص المذكور. ذلك ان النص الجديد يحول دون مشاركة الاحزاب (الصغيرة) والتيار المدني في الشأن العام, وان حقوق الترشيح والتصويت والانتخاب تصبح بالتالي آليات فاقدة الجدوى، كونها لا توصل المرشحين الى المقاعد المطلوبة, بل وتعطل التغيير المنشود للخارطة السياسية.
ويعني هذا في المحصلة ان النص الجديد يلتقي في الاهداف مع النص المحكوم بعدم دستوريته, فهو مثله يخالف احكام المادة 20 من الدستور, ومن ثم فبالامكان الطعن في دستوريته لنفس الاسباب المذكورة آنفا.
وهكذا فاذا كان حكم المحكمة الاتحادية قد اخرجهم من الباب، فأنهم يرومون الدخول علينا من الشباك ليوصدوا بوجهنا الابواب من جديد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص1
الاحد 13/ 8/ 2017

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here