تحليل: زحف الأسد شرقا يعقد معضلة الغرب في سوريا

دخلت الحرب السورية منعطفا جديدا بسعي الرئيس بشار الأسد إلى مد نطاق سيطرته إلى المناطق التي تتم استعادتها من تنظيم الدولة الإسلامية وذلك باستخدام القدرات العسكرية التي أتاحتها له اتفاقات الهدنة المدعومة من روسيا في غرب سوريا.

وبدعم من روسيا وإيران تأمل الحكومة أن تسبق الفصائل المدعومة من الولايات المتحدة في الهجوم على آخر المعاقل الكبرى للتنظيم في سوريا وهو محافظة دير الزور التي تمتد حتى الحدود العراقية. وقد هللت دمشق للسيطرة على مدينة السخنة يوم السبت باعتبارها خطوة كبيرة صوب ذلك الهدف.

وجاء الزحف شرقا صوب دير الزور، وهو أمر لم يكن متصورا قبل عامين عندما كانت الشواهد تشير إلى أن الأسد في خطر، ليؤكد ازدياد ثقته ويبرز معضلة الحكومات الغربية التي لا تزال تريده أن يرحل عن السلطة من خلال فترة انتقالية يتم التفاوض عليها.

وقد تراجعت حدة الحرب في الغرب السوري الذي يمثل الأولوية عند الأسد بفضل اتفاقات وقف إطلاق النار المحلية بما فيها اتفاق كان لموسكو وواشنطن دور فيه في الجنوب الغربي.

غير أنه لم تظهر أي بادرة على أن اتفاقات وقف إطلاق النار ستؤدي إلى إحياء محادثات السلام الرامية إلى توحيد سوريا من جديد من خلال التفاوض على اتفاق يرضي خصوم الأسد ويسهم في حل أزمة اللاجئين التي بلغت أبعادا تاريخية.

بل إن صورة الأسد طُبعت على أوراق النقد السورية للمرة الأولى ويشير سعيه لتحقيق انتصار حاسم إلى أنه قد يسدد مدافعه صوب جيوب المعارضة في الغرب ما إن تتحقق أهدافه في الشرق. وقد تصاعدت الهجمات على معقل للمعارضة بالقرب من دمشق في الشهر الحالي.

وساهم قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقف دعم وكالة المخابرات المركزية الأمريكية للمعارضة في مزيد من الضعف لحركة المعارضة في غرب سوريا وفي الوقت نفسه حرم المسؤولين عن رسم السياسات في الغرب من أداة من أدوات الضغط القليلة في أيديهم.

وأصبح هؤلاء المسؤولون لا يملكون سوى الوقوف موقف المتفرج بينما يتزايد النفوذ الإيراني من خلال مجموعة من الفصائل الشيعية بما فيها جماعة حزب الله اللبنانية، وهي الفصائل التي كان لها دور حاسم فيما حققه الأسد من مكاسب ويبدو أنها باقية في سوريا في المستقبل القريب لتؤكد بذلك صعود الدور الإيراني.

ويأمل خصوم الأسد الآن أن يخلص حلفاؤه الروس إلى ضرورة عزله من السلطة مع تزايد ثمن العمل على تحقيق الاستقرار في البلاد وإحجام الغرب عن تقديم الدعم لإعادة الإعمار.

وبعد سقوط مئات الآلاف من القتلى وسيطرة فصائل على مساحات من البلاد يقول خصوم الأسد إن سوريا لا يمكن أن تستقر من جديد ما دام هو في السلطة.

وقال رولف هولمبو الباحث بالمعهد الكندي للشؤون العالمية وسفير الدنمرك السابق لدى سوريا “ما من شك أن الروس يريدون حلا سياسيا للحرب. فالحرب مكلفة بالنسبة لهم وكلما طال أمدها تضاءل حجم النجاح بالنسبة إلى (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين”.

وأضاف “غير أن الروس يريدون حلا بشروطهم وهذا حل يبقى فيه الأسد في السلطة”.

وتابع “اتفاقات وقف إطلاق النار تحقق أمرين. فهي تسمح للروس بالسيطرة على المفاوضات السياسية وتبدو مواتية على الصعيد الدولي. لكن الأهم أنها تسمح للأسد وللفصائل المدعومة من إيران بتخفيف العبء عن القوات بحيث تتفرغ للسيطرة على الأراضي التي يوشك تنظيم الدولة الإسلامية على خسارتها”.

* معركة دير الزور

في بعض الأحيان أدى الزحف شرقا إلى اصطدام القوات الحكومية وحلفائها المدعومين من إيران بالقوات الأمريكية والقوات التي تدعمها الولايات المتحدة في حملة منفصلة على الدولة الإسلامية.

غير أن الحملات المتنافسة تجنبت الصدام في معظم الأحيان. فقد تحاشت القوات الحكومية المنطقة التي تقاتل فيها فصائل مدعومة من واشنطن – يقودها الأكراد – الدولة الإسلامية في الرقة.

وقد شدد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على أنه لا يسعى للحرب مع الأسد.

وتعد محافظة دير الزور، التي يشطرها نهر الفرات إلى شطرين، وما بها من موارد نفطية ذات أهمية حيوية للدولة السورية. ويسيطر التنظيم بالكامل على المحافظة باستثناء معقل للقوات الحكومية في مدينة دير الزور وقاعدة جوية قريبة. كما أنها قريبة من قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة.

وقال طلال سيلو المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية لرويترز يوم الأربعاء إن القوات ستشن حملة باتجاه دير الزور “في المستقبل القريب” رغم أن الميليشيا مازالت تبت فيما إذا كانت سترجئ هذه الحملة إلى ما بعد تحرير مدينة الرقة بالكامل من التنظيم.

غير أن أسئلة تظل بلا إجابة عما إذا كانت الحكومة وحلفاؤها أو الفصائل المدعومة أمريكيا تمتلك القوة البشرية اللازمة لتحقيق الهدف. فقد نقل تنظيم الدولة الإسلامية كثيرين من مقاتليه وقادته إلى دير الزور. ويقول أعيان العشائر المحلية إن الجيش السوري يعول على دعم فصائل العشائر في زحفه.

وقال معارض سوري يحظى بدعم واشنطن وله دراية واسعة بالمنطقة إن دير الزور ستكون هدفا صعبا. وأضاف أن عشائر دير الزور تربطها روابط قوية بعشائر العراق” ووصفها بالتزمت الديني.

وقال أندرو تيبلر الخبير في الشأن السوري بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إن الأسد يأمل أن يستعيد الشرعية الدولية من خلال الحملة التي يشنها على الدولة الإسلامية.

وقال “هم يعتقدون أن بوسعهم بذلك الحصول على أموال لإعادة الإعمار ويعتقدون أن الأمور ستعود إلى سيرتها الأولى. وهذا لن يحدث”.

ولم تظهر أي بادرة على أن الدول الغربية مستعدة لقبول الأسد مرة أخرى إذ اتهمته واشنطن باستخدام الأسلحة الكيماوية خلال الحرب أكثر من مرة كان آخرها في أبريل نيسان الماضي. وتنفي سوريا استخدام الأسلحة الكيماوية.

* الحكم من “فوق الأطلال”

أطلق هجوم أبريل نيسان شرارة هجوم صاروخي أمريكي على قاعدة جوية سورية. غير أن الرد الأمريكي كان محسوبا لتجنب مواجهة مع روسيا ولم ينتج عنه أي تحركات أخرى من هذا النوع.

من ناحية أخرى جاء قرار ترامب وقف برنامج وكالة المخابرات المركزية لدعم المعارضة في صالح الأسد وكان بمثابة ضربة للمعارضة. وتقول مصادر المعارضة إن البرنامج سينتهي على مراحل بنهاية العام.

وسعت دمشق لمواصلة تنفيذ استراتيجية التهدئة في غرب سوريا فواصلت إبرام الاتفاقات المحلية في مناطق المعارضة الأمر الذي أدى إلى انتقال ألوف من مقاتلي المعارضة إلى مناطق أخرى يسيطرون عليها في الشمال.

غير أن مناطق لها أهميتها في غرب سوريا لا تزال في أيدي المعارضة وعلى رأسها محافظة إدلب في الشمال الغربي ومنطقة تقع في الجنوب الغربي ومنطقة إلى الشمال من حمص وكذلك الغوطة الشرقية بدمشق.

وفي محافظة درعا في الجنوب الغربي والتي كانت إحدى مناطق الهدنة التي شاركت في إبرامها الولايات المتحدة وروسيا تسعى الحكومة للحصول على استثمارات لإعادة الإعمار وذلك على حد قول محافظها لصحيفة الوطن إذ قال المحافظ إن “مرحلة القصف” انتهت.

وفي ضوء موقف الغرب تأمل الحكومة أن تكون الصين طرفا أساسيا في جهود إعادة الإعمار. وستستضيف دمشق هذا الأسبوع معرضا تجاريا في إطار مساعيها لإعطاء انطباع بأنها بدأت مرحلة التعافي.

وقال دبلوماسي غربي “النظام يحرص حرصا شديدا على الإشارة إلى أنه لا يكترث ولسان حاله يقول ‘نحن بخير وعلى استعداد تام فعليا للجلوس فوق الأطلال والتحدث مع أصدقاء سيساعدوننا في مشروعنا‘”.

وقال مهند حاج علي مدير الاتصالات بمركز كارنيجي الشرق الأوسط إن عائلة الأسد “هم أساتذة لعبة الانتظار”. وأضاف أن الوقت في صالحهم.

وقال “لكن أمامهم تحديين. التطبيع السياسي مع العالم والتحدي الاقتصادي وهو مهم”.

(إعداد منير البويطي للنشرة العربية -)

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here