من الذي يدفع الكورد باتجاه اسرائيل؟

كأننا في حلبة سباق.. يتبارى بعض الكتاب العراقيين، هذه الايام، في محاولة ابتكار طريقة لصد الشعب الكوردي عن محاولة تقرير مصيره. وهو الحلم الذي يراود الاجيال في كوردستان منذ انهيار الدولة العثمانية على اقل تقدير.

في الوقت نفسه يظهر رئيس الوزراء الاسرائيلي، بمناسبة وبدونها، دعم طموحات الكورد المشروعة بالاستقلال، وتقوم الصحافة الاسرائيلية بترديد دعواته لامريكا واوربا باتخاذ مواقف ايجابية تنهي معاناة شعب كوردستان مع الانظمة القمعية التي كانت وماتزال تسعى لالغاء وجوده وكيانه.

والكتاب، والسياسيون العراقيون، للاسف، يعتقدون ان ذاكرة الشعب الكوردي تشبه تلك الشخصية التي رسموها له في نكات المقاهي “اكو فد كردي”.. التي يستخدمونها عادة للتنفيس عن عنصرية كامنة، فالكوردي دائم البلادة بحيث يمكن التلاعب به من خلال كلمات “تحشيش” سياسي.

بينما الموقف الاسرائيلي ينتبه الى اهمية المرحلة التاريخية التي يعيشها الكورد في هذه الاسابيع، ويحاول استثمارها بشكل فائق الذكاء، بحيث يوفر لهم في المستقبل صداقة شعب، في المنطقة التي فرض عليهم ان يعيشوا بها، ربما سيكون هو الشعب الوحيد الذي لا يحمل ايه ضغينة تجاه اليهود، وعلى استعداد ليكون، على اقل تقدير، شعب صديق، ويهيئ الشرق الاوسط لدخول مرحلة جديدة تختلف سماتها كليا عن ما عرفناه الى الان.

قد لا يعي الكثير من السياسيين العرب اهمية هذه النقطة في حياة شعب جار لهم، فمازالت ثقافة التسامح تعاني من كساح في الفكر القومي العربي، حتى عند بعض النخب التي تعتقد بانها تحررت من امراض القومية وجنوحها العنصري.

فكردستان وطن، وفيه شعب مكافح، ربما من اكثر شعوب الارض قدرة على مواصلة النظال، وهذا يعني لا محالة ان هذا الوطن سيصل الى انجاز الدولة المستقلة التي تنهي لشعبها حالة التبعية والحياة تحت رحمة الظروف المتقلبة في العواصم البعيدة، هذا العام، الو الذي يليه.

وحتمية استقلال هذا الوطن، يجهلها الساسة العرب، لانهم تعودوا على خداع الذات دائما، وهذا هو احد اهم الاسباب في فشل تكوين مجتمعات عربية رصينة، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، مثل جاراتهم الشمالية في اوربا.

لكن الساسة الاسرائيليون يعرفونها جيدا، حقيقة ان الكورد سينجحون في اقامة دولتهم المستقلة، لانهم يفكرون دائما بواقعية، ويجيدون تشخيص نقاط الضعف والقوة، وكذلك شم الفرص الستراتيحية وانتهازها من اجل مصالح دولة اسرائيل..

كل كوردي اليوم يعرف تفاصيل عن مملكة السليمانية، التي اعلنها الملك محمود الحفيد في العام 1919م وعن جمهورية كوردستان الحمراء في لاتشين، عام 1923م، وعن جمهورية مهاباد في العام 1946.. وستظل الذاكره هذه تحتفظ بتفاصيل النظال الكوردي في القرن الحادي والعشرين بصورة اكثر توثيقا واهتمام.

لذلك، بالنسبة للكوردي البسيط، عندما يبحث في الثقافة العربية عن ظهير، ولا يجد سوى مقالات الاستهجان من حلمه الانساني، ولا يجد سوى تكالب من بعض “الكتاب” الذي يحاولون بكل سذاجة تصوير الكورد وكانهم “مجرد مجاميع” لا ترقى ان تكون شعب، وما عليها الا ان تطيع الشعوب المجاورة.. فهذا بالتاكيد يبعد الكورد روحيا.

بالمقابل عندما يقرا عن الصحافة الاسرائيلية، بانها الوحيدة التي تقف الى جانب خلاصه من كابوس الانفالات والتهجير وحرق القرى، واي احتمال لعودة تلك الماسي على ايدي نسل جديد من الساسة العراقيين، فاقل ما يحس به هو الامتنان للاسرائيليين.

وليس غريبا ان تعي اسرائيل اهمية كوردستان المستقبلية، وهي التي تمتلك كل مصادر المياه في الشرق الاوسط، فتسعى، كخطوة ذكية، لاجتذابها، فالسياسي الاسرائيلي تحركه مراكز دراسات ستراتيجية تعد الارقى عالميا.

وليس غريبا، في الوقت نفسه، من السياسي العربي، الذي يسيره جيش من الكتاب والصحفيين، واغلبهم لم يقرأ كتاب واحد بالتاريخ، او الاقتصاد، ان يدفع كوردستان، دون وعي، باتجاه اسرائيل.

نعم، التجربة اثبتت، ان هذه الكلمات التي يسطرها الكتاب وتتسابق على حلبة الاعلام العربي، لتوحي بان الكورد ليسوا شعب، وانما مجموعة قبائل تابعة.. وان كوردستان ليست وطن وانما عدد من المحافظات، ويعارضون علنا طموحات الكورد بالاستقلال، هي ما يدفع الكورد بعيدا.

واذا كان هؤلاء “الكتاب”، والساسة العراقيون على هذه الدرجة من السذاجة السياسية للتفريط بشعب جار، فان الاسرائيليين اكثر ذكاءا ويعرفون كيف يتلقفون منهم هذه الهدية…

حسين القطبي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here