الاسلام والعالم الانكلوسكسوني 7 (*)

2817
الاسلام و العالم الانجلوسكسوني،ح7 (*)
بقلم د. رضا العطار

ان ما يُطلق عليه اليوم (الشيوعيروبية) تعبير عن نزعة الاستقطاب في الجامعات الكاثوليكية الاوربية (ايطاليا وفرنسا واسبانيا). والظاهرة جديدة ولكنها اصبحت متضحة تمام الوضوح، بمعنى انها تساوي الماركسية مخصوما منها الدكتاتورية ومضافا اليها الديمقراطية. ويعتبر هذا اختراقا من اقصى اليسار المتطرف (المسيًج بجدار دكماطيقي) متجة نحو الوسط . . . وهذا ما ينطبق على هجر (الثورة الثقافية) في الصين فور موت الرئيس (ماوتسي تنغ).
وكانت الثورة الثقافية اخطر محاولة بعيدة الاثر للوصول الى تحقيق المجتمع المثالي الطوبائي. ولكنها اثبتت فشلها حيث لم تتحمل الصين ان تقف على قدم واحدة، أعني ان تبقى على يسارها المتطرف عشر سنوات. والذي تبع ذلك هو تحوًل لا مناص منه الى حالة اقرب الى الحالة الطبيعية. فإذا استخدمنا المصطلحات المعتادة (يمين – يسار) فاننا نشهد حركة من اليسار نحو الوسط في الصين.

والاختلاف بين (الشيوعيروبية) وبين (التسوية التاريخية) هو اننا في الحالة الاولى نتعامل مع شيوعية مُعدًلة، وفي الثانية نتعامل مع شيوعية ومسيحية كقوتين متساويتين، ومما يجدر ذكره ان بعض الاحزاب الشيوعية قد اسقطت من جميع وثائقها الحزبية مصطلح (دكتاتورية البروليتاريا).
اما (الطريق الوسط) فله شأن آخر. ففي المجتمعات البروتستانتية يكشف (الطريق الثالث) عن نفسه في تنامي احزاب الوسط في الحياة السياسية لهذه المجتمعات. لقد رفضت هذه البلاد المسيحية المجردة، كما رفضت الحكومات الشيوعية الخالصة، وابرزت نزعة مستمرة نحو الحلول الوسط. هذا الانحاء ينعكس بصورة خاصة في الدعوة المتزايدة الى (الديمقراطية الاشتراكية). لقد وجدت البلاد البروتستانتية في الديمقراطية الاشتراكية الحل الذي تحاول الكاثوليكية ان تجده في (التسوية التاريخية). ان الديمقراطية الاشتراكية التي تعني في اوربا (الحل الوسط) بين الليبرالية والتدخًل الاجتماعي، بين تقاليد المسيحية والماركسية، قد تنامت حركتها خلال مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية في انحاء العالم.

لا ترى الدول الايديولوجية الاكثر تعصبا للامور في هذا الضوء، فقد اعلنت مجلة (الشيوعي) التي كانت تصدر في موسكو في عدد يوليو 1979 ان ( الطريق الوسط ) مستحيل موضوعيا. وانه يوجد فقط نظامان اجتماعيان وسياسيان متضادان، وان عملية الاستقطاب لا يمكن ان تتلاشى، بل على العكس تقوى، حتى ان جميع الدول عاجلا او آجلا ستجد نفسها ملتحمة اما بالرأسمالية واما بالاشتراكية.
نستطيع ان نرى ذلك في نتائج الانتخابات العامة التي اجريت بعد انتهاء الحرب مباشرة، حيث ازداد عدد الاصوات التي كسبتها (الديمقراطية الاشتراكية) في جميع البلاد التي اجريت فيها انتخابات حرة ، حيث نجد 22% زيادة في الاصوات في السويد، و45% في هولند و 100% في المانيا الغربية – قبل توحيدها – بينما لم تتجاوز النسبة اكثر من 5% في بريطانيا. لكن ينبغي ان نأخذ في الاعتبار ان عملية التطور كانت قد اخذت مجراها مبكرا جدا في انكلترا، وان انكلترا قد وصلت الى حالة من التوازن قبل اي دولة اوربية اخرى.

المكسيك وفنزويلا دولتان قريبتان من (الديمقراطية الاشتراكية) وهما لذلك من اكثر دول امريكا الجنوبية استقرارا، والمعروف ان هذه المنطقة من اكثر المناطق اضطرابا في العالم. ولم يُؤدً التطور في اليابان الى استقطاب وانما الى قوة الوسط. وقد اصبح مصطلح (الطريق الوسط) يُسمع اكثر واكثر في المناقشات السياسية بالمكسيك واليابان.
وفي اجتماع (الاشتراكيين الديمقراطيين). وفي كراكاس سنة 1976 سُمًي الاجتماع (الاجتماع التاريخي) اساسا لما صدر عنه من قرارات هامة، وايضا للشعور بانه قد يكون خطوة اولى نحو صياغة مذهب جديد. وتوحي كلمة المتحدث المكسيكي (جونزالز) اي مذهب سيكون هذا المذهب، فقد قال (يوجد امامنا ثلاثة اختيارات سياسية كبرى في العالم الحالي : الرأسمالية والشيوعية والديمقراطية الاشتراكية، وعلى المكسيك ان تختار احد هذه الثلاثة).
الى الحلقة التالية !
* مقتبس من كتاب (الاسلام بين الشرق والغرب) لعلي عزت بيجوفيتش.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here