الشيعة ورهان الحكم

رضوان العسكري

عندما تبحث في آيات القرآن الكريم، لم تجد آية واحدة تمتدح أو تذم فئة أو قوم أو طائفة بصيغة الكل أو الجميع إطلاقاً، فصفة المؤمنين أو الشاكرين أو غيرها من الصفات الحسنة، يشار إليها بالقليل، وصفة الكافرين أو الضالِّين وغيرها من الصفات السيئة يشار اليها بالكثير، إلا الشيطان فقط قَالَ “فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ”، ثم تراجع وأستثنى فقال “إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ” ص[83].

فلا يوجد شيئ إسمه الجميع أو الكل، فلابد من وجود مجموعة كبيرة كانت أو صغيرة، تختلف عن الكل، فتارةً يكون الإختلاف تدريجي، وتارة يكون الإختلاف قطعي، فغالباً ما تجد القرآن الكريم يشير للصفات الإيجابية بالقليل, والسلبية بالكثير ولم يتحدث بالجمِع المطلق.

عندما يتجمع أو يجتمع أكثر من شخص، حول رأي معين بإتجاه محدد، يظهر ما يسمى بالعقل الجمعي، وهو طريقة تفكير غائمة تسيطر على الأذهان، فتسلب الفرد القدرة على التفكير المنطقي المنّظم، ويقع بسهولة تحت تأثير أفكار منتشرة هلامية يؤمن بها، نتيجة إيمان من حوله، في حالة أشبه ما تكون بالوباء العقلي، فإذا إنفرد شخصاً عن المجموع نتيجة إيمانه المتيقن بما يعتقد به، لايمكنه إبداء رأيه خلافاً للعقل الجمعي، لأن الرفض حينها يكون بالإجماع، وتكون الآذان صمٌّاء, والعقول مغلَّقة عن قبول رأي الفرد.

عزفأً على هذا الوتر، يأتي دور الإعلام الموجّه، الذي يملك القدرة على تشكيل وعي الجماهير، ودفعهم دفعاً كالقطيع في مسارات واتجاهات محددة سلفاً، حيث نجدهُ في هذه الأيام يُكثر من لغة الجمع والتعميم، حتى اخذ العقل الجمعي يرددها بكل طلاقة، وبلا روية وتأني، وهذا لم يأتي إعتباطاً، بل عن دراسة علمية دقيقة كتب عنها الكثير من الفلاسفة والعلماء.

اجمع العراقيون أن كل الساسة فاسدين، وهذه ليست حقيقة، بل هناك الكثير من الفاسدين, والقليل من الصالحين، وتوجه تلك التهمة في الغالب الى سياسيي الشيعة دائماً، بإعتبار إن أغلبهم إسلاميين، وهي بداية لتسقيط الإسلاميين بالعموم, والشيعة بالخصوص، وكثيراً ما يشار الى أصحاب العمائم، بدعوى أنهم أصحاب الحكم، وهذه أيضاً ليست حقيقة بذاتها، لأنك لو فتتشت في كل أروقة الحكومة التنفيذية لم تجد معمماً واحداً يشغل منصب وزير أو مدير عام أو أدنى من ذلك، إن الإحصائيات تشير الى أن الإسلاميين في المواقع التنفيذية لا تتعدى نسبتهم الـ 51‎%‎‎، اي إنهم يشكلون النصف+1، وغير الإسلاميين يشكلون النصف-1، لكن الإعلام الموجه غيب تلك الحقيقة عن العقل الجمعي.

السياسيون الشيعة لديهم اخطاء كثيرة وكبيرة، نتناول واحدة منها بإعتبارها الأهم، وهي مسألة الإعلام، حيث تركوا الإعلام يتناولهم بطريقة إستهجانية، تهدف الى تسقيطهم داخل المجتمع، فلم يتصدوا لها، وإنشغلوا في ما بينهم لتسقيط بعضهم البعض الآخر، ولم يدركوا خطورة الإعلام الموجه ضدهم، حتى كشف كل عوراتهم وغيب كل حسناتهم، حتى أصبح الشارع لا يرى أية حسنةً لهم إطلاقاً.

عندما تسأل اي مواطن ماذا قدم لك السياسيين، سيكون رده بديهياً إنهم لم يقدموا اي شيئ، غير الفساد والسرقات والفشل والطبقية المجتمعية، الجواب فيه شيئ من الواقع، لأن بعض الناس يعيش تحت مستويات متدنية من الفقر، لكنك لو تجولت بين ازقة المدينة سوف تجد العمران واضحاً في مساكن الغالبية العظمى، وتجد السيارات الحديثة الشخصية مركونةً على جانبي الطريق، وعندما تدخل البيوت ستشاهد الأثاث الجديد المتنوع يملأ تلك البيوت، أما الأطفال فتجدهم يلعبون بأحدث الألعاب والأجهزة الألكترونية المتطورة، وعندما تطالع الشباب من كلا الجنسين سوف ترى ملابسهم حسب الموضة، واجهزة إتصالاتهم حسب الموديل، لكن القارئ سيقول أن هناك الكثير من الفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم، نعم هناك الكثير من المعدمين، وهذا بسبب السياسة الفاشلة، والقوانيين المجحفة، التي يتحملها الجميع بكل مسمياتهم، التي أوجدت الطبقية المجتمعية، فمن الظلم ان تقارن مع الماضي، اي فترة حكم البعث الصدامي، حيث كان افضل الأجهزة الكهربائية عند الناس ذو المستوى المعاشي فوق المتوسط هو التلفزيون العادي (الأسود والأبيض) ومبردة الهواء، بينما اليوم نجد أغلب العوائل الفقيرة تمتلك مكيف الهواء، ناهيك عن الأجهزة الأخرى، لسنا بصدد الدفاع عن الأداء الحكومي، او السياسيين وإنما لتبيان بعض الحقائق المغيبة.

وأهم حقيقة لا بد ان يدركها المجتمع العراقي، هي وجود محاولة شرسة لإعادة البعث الظالم للحكم، وإشاعة الفكر اللاديني داخل المجتمع، عن طريق تمكين بعض الأحزاب ذات التاريخ الأسود، التي اقدمت على فعل الجرائم الدموية وهي لا تمتلك شيء من السلطة، كالجريمة التي حدثت في كركوك في 1957، بحق التركمان الجريمة التي هزت العالم لبشاعتها.

إن الأحزاب العلمانية, واللادينية, ودعاة المدنية، أدركت جيداً بأن المرحلة القادمة هي الفرصة الوحيدة لهم، وعليهم إستغلالها بأكمل وجه، فتركيز العقل الجمعي على نبذ الأحزاب الإسلامية، يفسح أمامهم المجال ليحلوا بديلاً عنهم، لمسك زمام السلطة، بإستخدامهم الإعلام بكل أنواعه، المرئي والمسموع والمكتوب، وبأشكاله المختلفة، ومثالاً على ذلك برنامج (البشير شو)، برنامج فكاهي يثير السخرية، أول موادة كانت الإستهزاء من رجل الدين (السيد صباح شبر) فكانت ردت فعل الشارع خجولة حيال رفض هذا الأمر، وسكوت المنظومة الإعلامية الحكومية جعلته يتمادى أكثر فأكثر، واخذ يهزء بالسياسيين الشيعة فقط، وهذا لم ينتبه له الشارع العراقي، بل اخذوا يستأنسون بموادة المسمومة، نتيجة جهلهم العميق بحركة الإعلام المأجور، لكنها بداية لمرحلة قادمة، في محاولة واهي لأخذ الحكم من بين يدي الشيعة، وهذا أصبح الرهان في المستقبل.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here