حجاج معرعرين وخطة سعودية معرعرة…. الصدر وعرعر جسرا الخليجيين إلى بغداد

كريم السماوي

قام صدام حسين في نهاية التسعينيات من القرن الماضي بالسماح إلى مجموعة من العراقيين، وغالبيتهم من أهالي السماوة بالسفر إلى الحج عن طريق منفذ عرعر الذي يربط العراق بالسعودية، وجهز لهم مستلزمات السفر، وكان هذا السماح بعد استيفاء العدد المحدد من العراقيين للحج أصوليا. أي أن صدام أراد إحراج السعودية التي بذلت جهودا لمنع هؤلاء الحجاج من الدخول عبر منفذ عرعر وهم لا يتمتعون بالموافقات المشروطة ولا الفيز اللازمة، وحدثت أزمة واضطر هؤلاء الحجاج إلى المكوث عدة أيام في منفذ عرعر في الصحراء وفي جو من البرد القارص.
جاءني أحدهم وأنا في بغداد قبل السفر وأخبرني بالحكاية، وأنه مشمول من ضمن هؤلاء الحجاج، ورغم أني نصحته بعدم السفر إلا أنه تجاهل نصيحتي وسافر، حتى عندما أخبرته أن السعودية لن تسمح لهم، وأنهم فوق هذا وذاك فإن السعودية ستشك بأن أغلبهم من المخابرات العراقية وربما مكلفون بخطط مشبوهة بالنسبة للسعودية في ظل التوتر القائم أيامها بين العراق والسعودية، تجاهل نصيحتي وسافر ومكث عدة أيام في منفذ عرر، وحين عاد متعبا وخائبا لم يسعني سوى التندر منه، فقلت له يعني أنت وأصحابك صرتم حجاج معرعرين، وهي جملة مثيرة ومغضبة، فانتفخت أوداجه منها، غير أني لم أكترث لذلك وانفجرت بضحك متواصل مما ضاعف غضبه عليّ. والحقيقة أقولها اليوم أني كنت أعني بجملتي أنه وأمثاله صاروا أضحوكة أيامها، وأن أفضل وصف لهم أنهم حجاج معرعرين، وكلمة معرعر يعرفها العراقيون جيدا وتعني في أبسط معانيها أن الموصوف بها غير متماسك، كأن نقول باب معرعر، أي باب غير متماسك. وكلمتي بحقه وكأنها بالنسبة له جاءت في مقتل.
اليوم تعيد السعودية الحكاية عكسيا، رغم أنها تعاني من توتر مع العراق أعمق من مرحلة صدام الأخيرة، وفي ظل كراهية لها من معظم أبناء الشعب العراقي، ومع هذا اتخذت خطوات للتقرب من العراق، أو إرسال رسالة عبر فتح منفذ عرعر نفسه الذي ظل مغلقا فترة طويلة، وترى أنه وسيلة للتقرب من العراق بعد أن تآمرت عليه سنوات طويلة، ولأن هذا المنفذ وحده لا يكفي لمثل هذه النقلة بعد أن حاولت بكل ثقلها السياسي والمالي جعل العراق دولة فاشلة وأرسلت الأموال والانتحاريين ونفذت أقذر الخطط الجهنمية والإجرامية بحق العراق، وأرسلت انتحارييها من التكفيريين لتفجير أنفسهم في الأبرياء بعد أن أقامت لهؤلاء الانتحاريين مزادات علنية لبيع أنفسهم في فنادقها ومساجدها وغيرها من الأماكن وهو ما كان ثابتا بالصوت والصورة ومؤكدا ويدينها أمام المحاكم الدولية، وبعد أن فشلت كل خططها بما فيها دعم داعش في الموصل ودواعش السلطة من السياسيين العراقيين، وبعد أن فشلت في كل محاولاتها تلك، غيرت خططها اليوم وارتأت أن في منفذ عرعر منفذا لها لدخول العراق من باب الحرب الناعمة بتحسين علاقاتها بالعراق، ولأن معبر عرعر وحده لا يكفي دعت السيد مقتدى الصدر ليكون البوابة الموازية لخطتها الجديدة، لما تعرفه من أن السيد مقتدى الصدر له حضور ومكانة في الشارع العراقي، وهو ما يجعل كل عراقي يشتبه بخطتها مقدما، خاصة وأن السيد مقتدى الصدر لم يُصدر لحد كتابة هذه المقالة، لم يصدر بيانا يجلـّـي به الحقائق، ولم يخرج علينا بمقابلة تلفزيونية مثلا ولو مع فضائيات محسوبة على السعودية أو سياستها، بل إن السيد مقتدى الصدر زاد الأمر غموضا حين قبل دعوة دولة الإمارات العربية لزيارتها، وقابل هناك الشيخ محمد بن زايد والشيخ أحمد الكبيسي، ومن ثم ازدادت الشكوك أكثر بعد أن تسربت أخبار بتوجيه دعوة رسمية للسيد مقتدى الصدر لزيارة مصر. وهذه الدول المشار إليها هنا وهي السعودية والإمارات ومصر تمثل أهم الدول في خلافها مع قطر بما يكفي تماما لأي عراقي للشك بنوايا هذه الدول التي تدعو شخصية مثل مقتدى الصدر لا يمثل منصبا رسميا في العراق وإنما يمثل تيارا تـُـضعف من قدراته وشعبيته مثل هذه الزيارات المشبوهة وقد يوقعه في مشاكل مع الدولة أو الشعب في العراق، خاصة وأن السيد مقتدى الصدر تعرض قبل فترة لتهديدات بالقتل أشار إليها في خطبه، أي أنه بات اليوم كمَن يمد يده في كورة الزنابير. فالسعودية كانت الدولة الأبرز في توريط صدام بحربه مع إيران في الثمانينيات من القرن الماضي مقابل وعود بتحمل نفقات الحرب، وهي هنا أيضا يمكن أن تدخل السيد مقتدى الصدر في رمال متحركة لا ينجو منها شخصيا، لا هو ولا تياره.
وهذه الزيارات العلنية للسيد مقتدى الصدر أثارت شكوكا رسمية وشعبية عمّا وراءها مثلت ضغوطا كبيرة على الصدريين، خاصة وكما قلنا أن التيار الصدري لم يصدر بيانا شافيا ولم يقم زعيم التيار بمقابلة تلفزيونية يجلـّي فيها حقيقة الموقف، بل قام بالطواف حول الكعبة في زيارته للسعودية وسط هتافات من أنصاره ” علي وياك علي ” مما يعني أن الجمر ساخنا جدا تحت الرماد وهو ما يمكن القول عنه أن السعودية باتت تسكت عن ذلك بمضض وهي ترى فشلها ليس في العراق فحسب بل وفي اليمن وفي سوريا وفي البحرين وفي لبنان وغيرها، كما وترى خصومها اللدودين من الإيرانيين هم وحدهم الذين باتوا يقطفون ثمار صمودهم وعلاقاتهم الدولية خاصة بعد فوز الرئيس حسن روحاني بفترة رئاسية ثانية، وحضور وفود أكثر من مئة دولة للتهنئة في حفل تنصيبه، منهم عدة رؤساء دول.
الأمر الوحيد الذي تابعناه عن هذه الزيارات للسيد مقتدى الصدر مقابلة أجرتها قناة الميادين مع حاكم الزاملي عضو مجلس النواب ورئيس لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، ورئيس لجنة التحقيق في أسباب سقوط الموصل بيد عصابات داعش الإجرامية، والذي ينتمي للتيار الصدري، غير أنه شخصية مختلف عليها، وعليه اتهامات منذ أن كان وكيلا لوزارة الصحة. وبهذه المقابلة كانت أغلب تبريراته لزيارة السيد مقتدى الصدر للسعودية تبريرات شخصية تنبع من تحليلات ذاتية، جنى من ورائها كثيرا من النقد والشتائم في مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يضاعف الضغوط على التيار الصدري لإصدار بيان وافٍ عمّا وراء هذه الزيارات يكون مرجعا لما بعده من خطوات يقوم بها زعيم التيار الصدري أو تياره، ولأن حاكم الزاملي نفسه والذي يمتلك رصيدا من المعلومات الخاصة بحكم عمله قال في مقابلة تلفزيونية سابقة وجوابا عن سؤال عمّا يمكن أن يجري في العراق بعد العيد قال:” أيام حبلى، الله يستر، البلد ليس بأمان.. “. ولعل ما أشيع بعد عودة زيارة السيد مقتدى الصدر من السعودية من جلبه لعشرات السيارات رباعية الدفع والمتعارف عليها في العراق باسم ” الجكسارات ” ونزولها في مطار النجف بعد إغلاق كاميرات التصوير يجعل الأمر مريبا. فمثل هذه السيارات إن ثبتت حقيقتها ووصولها بهذه الطريقة الغامضة تعتبر في الأقل رشوة مطلوب ثمنها إنجاز ما لا يمكن الإعلان عنه.
الأمر الذي استبشرنا فيه خيرا هو زيارة وزير الداخلية العراقية قاسم الأعرجي إلى السعودية رغم اعتراض البعض على مثل هذه الزيارة، ولكننا استبشرنا فيها خيرا لأنها في الأقل تمثل زيارة لمسؤول رسمي مرموق ومعروف بهدوئه وإنجازاته، كما إنه صدر بعدها تبرير منطقي وسليم من الجهات العراقية يشير إلى أن السعودية تريد تحسين علاقاتها مع إيران أو في الأقل تخفيف التوتر معها وأنها اختارت البوابة الرسمية العراقية لذلك وهو مدخل مصيب تماما. والعراق الذي حرر الموصل من عصابات داعش بتضحيات جسام وقامت السعودية بتهنئتة على هذا النصر، رغم شكوك البعض من أن هذه التهنئة لا تعبر عن حقيقة مشاعر السياسيين السعوديين، وأنه نوع من النفاق السعودي الجديد،والسعودية اليوم مدعوة ولو ظاهريا بمباركة تحرير تلعفر القريبة.
وهنا نود أن نشير إلى أن ما جاء في الأخبار وبات حقيقة: الصدر وعرعر جسرا الخليجيين إلى بغداد.. كل هذا وذاك يدفعنا إلى العودة إلى صدر المقال فنصرخ في وجه السعودية وحلفائها،وبحق،بأننا لا نريد حجاجا معرعرين، ولا الدخول من أبواب معرعرة..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here