رنا بشاره على دروب الابداع القصصي

شاكر فريد حسن

لعل المصادفة وحدها التي قادتني الى عالم ودنيا الكاتبة الأتيقة والمبدعة النامية ، ذات الحروف المخملية الليلكية ، الآتية من طيرة بني صعب ، الاستاذة رنا بشارة ، التي تعمل في جهاز التعليم كمعلمة للغة العربية .

رنا بشاره تكتب الأقصوصة او القصة القصيرة جداً ، القصة الومضة ، المكثفة المكتنزة ، ومزايا قصتها حرارة وفورة شديدتان ، واجادة الحبكة واعطائها اكبر قسط من التأثير ، اضافة الى الوصف البارع المؤثر ، والعبارة الرقيقة الخلابة ، وفيها الكثير من المواقف والآراء الاجتماعية والفكرية المختلفة ، عدا عن الموسيقى التي تنبعث من هذه العبارات مثلما تنبعث من اروع سمفونية ، بل لعلها اوقع واكثر اثرا في النفس بالفاظها المعبرة المصورة ، من اي موسيقى ، وهذا نابع من موهبتها الادبية وفي قلمها القدر ،وخيالها المصور ، واحساسها الفني المرهف الذي يترجم الحياة والاشياء ترجمة فنية كلها حياة وعنفوان .

رنا بشاره انسانة عمقت صلتها بالحياة وتأملاتها لاسرارها وخفاياها ولعناصر الطبيعة وقواها ، انها ملهمة بجوارحها واحاسيسها التي تجعلها تهتم بالروح الجوهر قبل العرض الترابي الازلي .

هي تؤمن بأن الخيال هو الجناح الذي يحلق في اجواء السعادة ، اما العقل والحواس وحدهما لا يهديان الى الفرح والسرور .

ومع صوتها المجلجل في عباراتها ونصوصها النثرية لم تبتعد رنا بشاره عن النظر في شؤون المجتمع وقضاياه اليومية ، ولم تتهرب من معالجة وتصوير الواقع ، بل تبذل قصارى جهدها لتسهم في خدمة الانسان وانسانيته عن طريق محاربة الضعف والخمول والقهر والظلم الاجتماعي والتبشير بالخير والحرية ، وسائل الفضائل الاجتماعية .

واذا كان الادب الرفيع هو الذي يجعلنا نفكر ، بل نغرق في التفكير بعد قراءته ، فهذه الومضات النثرية والقصص المكثفة هي من روائع القصص التي تحملنا على التفكير ، ففيها عمق وبعد رؤيا ، واسلوبها المتدفق الرشيق زاخر بالصدق والجمال الفني ، والتعابير العذبة المنسابة ، المعبرة عن خلجات النفس المرهفة الجياشة ، وتطغى عليها الجودة والرقة وعمق الاحساس .

ما يدهش في نص رنا بشاره المكتنز ، تلك اللغة الجميلة التي تشد القارئ وتسبح به في عالم الخيالات الواسعة ، فهي قادرة على تطويع اللغة والتلاعب باحرفها ، والنجاح في ابتكار لغة جديدة من طراز فريد ، لغة تسحر القلب وتجعلنا نعيش بنشوة .

رنا بشارة تضفي جواً من المتعة والرومانسية مع كتاباتها المدهشة المتجددة العميقة ، الغزيرة بالايحاء ومشفرة بمختلف الاشارات والدلالات .

انها تسمو بابداعاتها نحو آفاق اخرى ولغة ومفردات ومعاني مختلفة ومغايرة لكل ما هو سائد ، وهي تبدع في الكتابة القصصية بصورة مكثفة ومقتضبة من لغة وورق ، وخيالاً اجمل من الواقع .

ورنا بشاره تدهن جسد خواطرها واقاصيصها وخواطرها الادبية بتراب الحب ، وتغسلها بالكلمات ، لتشكل الهة أخصب من ” بعل ” وتنتقي الفاظها البليغة البديعة ك ” ايزيس ” .

رنا بشاره لم تفقد خبايا اللغة في هذا المشهد الثقافي العبثي ، قلقة وجودياً ، انيقة الحرف والكلمة ، لها وجودها المدهش ، رغم الفترة الزمنية القصيرة التي دخلت فيها محراب القصة الومضة ، سنتان من العمر ، فحاكت حروفها ، وسكبت نصوصها ، وصاغت من الماء الواح البوح والنثر وجمالياته ، وقدمت فراديس ابداعية تكشف يقيناً عن كاتبة ناضجة راقية ونامية تطمح لمعانقة صفيح الوطن وبوابة الابداع الخالد الباقي .

رنا بشاره تبحث عن النص الاجمل ، بهدوء النخيل ، وقلق البراكين ، وحماسة العواصف ، وتحمل كتفيها حكاية مفقودة تبحث عنها .

هي لا تشبه احداً ، ولا احد يشبهها . لها اسلوبها الخاص وعالمها الخاص ولونها الخاص وبوحها الخاص ، والنص عندها حلم لا يكتمل ، وحياتها نبض لا يصمت .

رنا بشاره ستكتب وتبدع اكثر ، وتبدو الجملة بين يديها قارورة عطر ، ورقة انثى ، ومرجلاً يغلى ، وتعيد للمفردة جمالها وبهاءها وبريقها من خلال التجارب القصصية الابداعية ، وتصوغ من الرحيق المصفى كلمات وجملاً وايقاعات موسيقية هي مجرى العبير .

ما اجمل عزف رنا بشاره على اوتار القلب ، وهي ترسم مشاعرها بالصور الشعرية المخملية البديعة ، والتصوير البارع ، والاوصاف الوجدانية الغنية بالشعور والعاطفة ، انها المتحدث قبل كل شيء في رقة وطلاوة التعبير عن احاسيس الوجدان ، وعن الشعور بجمال المخلوقات .وقد نقلت القص من التقليدية الى مقاطع تسيل حناناً وعذوبة ، تجمع بين العاطفة المشبوبة والفكر الموجه الحر ، والخيال الخصيب المجنح مع عمق وحيوية عظيمين ، ويمكن القول ، ان التصوير هو ميزتها الكبرى ، وصورها من الخيال البعيد الانطلاق .
◦رنا بشاره قلم بارع وحالة استثنائية ، وظاهرة قصصية فريدة تطل علينا من فتحة الباب لتضيء باشعاعها والقها وجمال روحها ، عالمنا الادبي المعتم المظلم الحالك ، بفعل المهازل الثقافية السائدة ، وبكل الثقة والوضوح اقول انك يا رنا قلم جميل ورائع ، ومن الاصوات القصصية الجديدة التي ستترك بصمة واضحة على القص الابداعي ، وانت اجمل العاشقين للحياة والثورة والالتزام والحرية والفرح الآتي .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here