هؤلاء في حياتي (٢٧) الحاج سعيد علي علوش.. المال في سبيل الله

هؤلاء في حياتي (٢٧)
الحاج سعيد علي علوش.. المال في سبيل الله
سليم الحسني

عائلة من الدعاة الذين عرفوا معنى الدعوة الإسلامية، والتزموا بنهجها وخطها الرسالي. كان أفرادها صادقين مع الله ومع أنفسهم ومع الآخرين، قارعوا نظام صدام ببطولة ورجولة، وأنفقوا أموالهم لأعمال الخير ومساعدة الفقراء وعوائل المعتقلين والشهداء، ودعم العمل الإسلامي المعارض للنظام، فاستشهد أربعة من الأخوة الخمسة، واستشهد أصهارهم على نفس الطريق، ولم ينج منهم سوى الأخ الخامس الحاج (سعيد علي علوش/ أبو آلاء).

صابر وقور كريم الطبع شامخ الرأس، يستند الى كرامة التاريخ وعزة النفس، حمل خصاله الرائعة في هروبه من العراق، وعاش على ما تبقى من مال عنده يعيل به عائلته الكبيرة في سوريا وإيران. وحين شح بيده المال، لم يضعف ولم يحني رأسه المرفوع بالعزة دائماً رغم تقدم العمر به، فعمل بعدة أعمال ليعيل عائلته في الهجرة الصعبة.

كان يمارس العمل بصبر وقناعة، وهو الرجل الثري المعروف في بغداد والحلة، وصاحب العقارات والممتلكات والمعامل التي تعود له ولإخوانه، وقد صادرها النظام الدكتاتوري، فلم يكتف إجرام صدام بإعدام اخوانه الأبطال، إنما أراد معاقبة نساء وأطفال الأسرة المجاهدة، بأن فرض عليها الفقر والعوز. لكنهم صبروا، انتصروا عليه بالصبر والقناعة، ولم يشتكوا لغير الله، ولم يطلبوا من غير الله.

كان شقيقه الشهيد (صلاح علوش) أحد كوادر حزب الدعوة البارزين، خصص معظم وقته للعمل الحركي الإسلامي، يجول مناطق بغداد في الإشراف على الحلقات الحزبية، وكان هو المسؤول التنظيمي للصديق العزيز (محسن شاكر محسن/ أبو عامر).

كانت علاقات الحاج (سعيد علوش) الوثيقة مع رجال الأعمال والتجار المهاجرين، تكفي لأن يستعين بهم بكلمة واحدة، ليعينوه بالمال، لكنه يرفض ذلك بأنفة وكبرياء، ففضل العمل سائق أجرة ليعيل عائلته الكبيرة، وكان حين يمشي في أسواق منطقة (دولت آباد) في طهران، حيث الأغلبية العراقية المهاجرة في تلك المنطقة، كان يمشي بوقاره المعهود، ومن يراه لا يساوره الشك بأنه أحد الأثرياء، فتلك العزة المتدفقة من ملامحه، لا يمكن أن تنكسر أمام صعوبات الحياة وثقل المعيشة التي ينوء بها قلبه.

رجل مثل الحاج (سعيد علي علوش/ أبو ألاء) لا تطيح به صعوبات الحياة، وقد مرت عليه سنوات الظلم والإرهاب البعثي وفواجعها بأشقائه وأصهاره الدعاة، فخرج منها صامداً ثابتاً عزيزاً لم يثلم الدهر منها شيئاً.

في شقة شارع الأمين في دمشق، سكن معنا فترة من الزمن، كان فيها الأخ الكبير، يفيض علينا بروحه الصابرة، وبعزة نفسه الأبية، وبوداعته الرقيقة، وبأخلاقه الراقية. كان الأخ الكبير المتواضع يكتم أحزانه وآلامه، ولا يتحدث أبداً عن معاناته وما تعرض له من أذى وضياع الأخوة والممتلكات، فهو يحتسبها في عين الله، ولا يريد أن يبث الشكوى لغير الله، ولا يجد فيما قدّمه إلا واجباً مفروضاً عليه في سبيل قضية كبيرة.

بعد سقوط نظام الدكتاتورية عام ٢٠٠٣، لم يطلب منصباً ولا موقعاً حكومياً، لم يطلب تعويضاَ ولا مرتباً عن نضاله وعن نضال أخوته الشهداء، كل ما أراده أن يسترجع ممتلكات عائلته وعقاراتهم، وهي أبسط حقوقه.

في حكومة المالكي كان لا يزال يراجع الدوائر الحكومية لاسترجاع حقوقه التي صادرها نظام صدام، وكان يجد صعوبة في ذلك، مع أن كبار المسؤولين من رئيس الوزراء وحتى الأقل منه، هم من أصدقائه، وكان هو صاحب الفضل عليهم بالمال والمساعدة.

تبقى كبيراً أيها الحاج (أبو آلاء) حفظك الله وأطال عمرك، أيها النادر في هذا الزمن الرديء.

لإستلام مقالاتي على قناة تليغرام اضغط على الرابط التالي:
https://telegram.me/saleemalhasani

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here