القاسم المشترك الوحيد بين تركيا و ايران

هناك ملفات كثيرة و قضايا خلافية لا يمكن حصرها هنا بين الدولتين ايران و تركيا و في مقدمتها ما تعتنقانه فكريا و عقيديا و تستندان عليه من اجل فرض سطوتهما بخلفية عثمانية او صفوية على المنطقة . انهما تتنافسان على الكثير من الامور التي تخص المنطقة و الروابط مع الشرق و الغرب، اي تريد كل منهما ان تبقى هي الافضل و الاقوى و الاهم في نظر المعتمدين على المنطقة في التواصل مع العالم سياسيا و اقتصاديا . اي صراع النفوذ على المنطقة والشرق الاقصى و الادنى بشكل خاص .
التغييرات الكبيرة التي شهدتها المنطقة بعد ما سميت بالربيع العربي جعلت المعادلات تسيير بشكل مغاير لما كانت و اهتزت موقع تركيا اكثر، و بعد الاتفاق النويي الايراني الغربي ارتفعت مستوى و منحنى موقع و ثقل ايران اكثر مما توقعت تركيا و ظلت هي في موقعها او انخفضت في مكانتها، لذلك نرى ان ايران قد بسطت نفوذها كثيرا على المنطقة من خلال سياساتها المعلومة بالمحور الشيعي و مناوراتها مع الغرب و نجاحها في تحييد الكثير منهم و بالاخص امريكا خلال السنين القليلة الماضية .
الخلاف الاكبر بين هاتين الولتين هو ما يجري في سورريا التي اصبحت قضيتها مركزا لخلاف عميق و تصفية لكثير من الحسابات ليس بين ايران و تركيا فقط و انما بين دول العالم المهتمين بالمنطقة و اليت لهم مصالح مصيرية فيها ايضا .
اليوم يبرز ما يمكن ان يجمع ايران و تركيا رغما عن كل تلك الخلافات و هي القضية الكوردية القديمة الجديدة بشكلها الجديد و من خلال محاولة اقليم كرودستان اجراء استفتاء على اعلان الاستقلال الذي لا يتحمله هؤلاء لما يعتبرونها خطا احمرا لهم و لمستقبلهم . و عليه نجد في هذه المرحلة زيارات حميمية مكوكية لمسؤلي البلدين محاولين من خلال الموقف المشترك بحث الخلافات الاخرى ايضا مستغلتين الفرصة في توحيد جهودهما لعرقلة ما ينويه اقليم كوردستان . و زيارة باقري بعد اكثر من عشرين عاما الى تركيا خير دليل على مدى اهتمام ايران اكثر من تركيا في التغييرات التي يمكن ان يجلبها الاستفتاء في كوردستان و حسبما تعتقد ايران بان افرازاته ستمسها اكثر من غيرها، و لما له من ابعاد لا يمكن ان تنتظر ايران ما يبرز منه كي تتحرك متاخرا .
ترفض تركيا اي كيان كوردي يحكمه الاتحاد الديموقراطي في كوردستان الغربية و لم تحس ايران بما يمكن ان يحدث هناك بقدر ما تقلق منه تركيا و يمكن ان يؤثر عليها، الا ان ايران من جانبها تحس بان اي تغيير في موقع كوردستان الجنوبية ستكون له تاثيرات مضاعفة و هي قلقة من الحلف و الروابط القوية بين السلطة في اقليم و تركيا على الرغم من ان تركيا لا يمكن ان تقبل الاستقلال في نهاية الامر و تعتبره ضربا لستراتيجيتها و لكنها لم تحرك بقوة ايران في هذا الجانب لدواعي سياسية تكتيكية فقط .
هذان الهدفان المتشابهان والمختلفان في الموقع و الشكل وضعا الدولتين امام خيار بلورة شيء من موقف مسترك على الارضية ولو رخوة للتقارب من اجل تمرير المرحلة على الاقل التي يجدون بان تتاثر ستراتيجيتهما فيها وهو الذي تعتبرانه نقطة مشتركة و قاسم مشترك ربما وحيد في سياساتهما الخارجية في المنطقة .
ان الخطوات العملية المنتظرة منهما هي تعاونهما في محاربة الحزب العمال الكوردستاني و بزاك و منعهما من عبور الحدود المشتركة بينهما و الحفاظ على امن الحدود لاهداف سياسية و اقتصادية تهمهما بشكل ملحوظ . هذا اضافة الى الخطط التي يمكن بحثها للطرفين في سوريا و كيفية التعاون معا من اجل انجاحها مقابل تحرك تركيا لصالح ايران في كوردستان الجنوبية .
لا يمكن ان نعتقد بانهما قد انهيا الخلافات الكبيرة بشكل نهائي و انما هما وصلتا الى موقف مشترك بان يضعا ما بينهما جانبا بشكل مؤقت و لهذه المرحلة كي تقفا ضد ما اعتبروه تهديدا ستراتيجيا مشتركا و عاملا لتوترهما و قض مضجعهما وهو استفتاء كوردستان الجنوبية .
من جانبه، يمكن ان ينظر الكورد الى ما يحدث من زاوية المصالح الثنائية مع كل منهما على انفراد، غير ان السياسة و الواقعية تفرض تحليل و دراسة ما يجري و يمكن ان يكون للكورد ايضا ورقة مفيدة و جادة للعب بها مع كل منهما و لكنها ضعيفة مقارنة بالمصالح الدولية بين الطرفين المتنافسين . و يمكن ان نعيد و نكرر ان اهم عامل لنجاح عملية الاستفتاء و قوة و سد منيع امام اي خطر خارجي هو الوحدة الداخلة لكوردستان و التعاون و التضامن و الاستناد على الموقف الواحد ازاء المواقف الخارجية. فان كانت الدولتان اللتان لهما مصالح كبيرة متناقضة و هما قوميتان مختلفتان و لهما لغتهما و تاريخهما و خلافاتهما الكبيرة جدا و تضعان كل مشاكلهما جانبا و ان كان مؤقتا من اجل عرقلة ما يمكن ان يحدث في كوردستان الجنوبية، فلما لا يتمكن الكورد بانفسهم و على خلاف هاتين الدولتين، هم اصحاب كل المقومات المشتركة و من قومية و وطن واحد، لماذا لا يلتقون على نقطة مشتركة مساوية لما تفعلانه هاتان الدولتان على الاقل .

عماد علي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here