وادي السلام مقبرة ام صالة ولادة

جعفر جخيور

كل المقابر ميتة وتفوح منها رائحة الموت، الا مقبرة وادي السلام فأنها تعجُ بالحياة هناك طفل يبكي، و امرأة تأن بألم و عجوز تنادي يا علي، وكأننا في مخاض كبير، يعتصر تلك القبور فتخـرج منها حياة جديدة بوهج بلوريّ وصل ضياءه للسماء السابعة حتى امتزج بنور الانبياء والاولياء ومن التحق بركبهم، عطرها بعطر انفاس الناجين من الويلات و وابل النيران، و كـجمال انفاس الصعداء .

لونها بلون حبات المطر وهي تتلألئ بأشعة الشمس فيخرج منها طيفاً يُضيء عتمة الدنيا، كـمشكاة في كبد الصحراء .

طعمها كـرغيف خبز خرج قمحه من ارض السواد ونضج في تنور طين الاهوار و كانت ناره من سيقان القصب والبردي، فـصار ذلك الرغيف اكسير الخلود وهو ما افنى فيه انكيدو عمره باحثا ً عنه .

حياةٌ استثانيةٌ كل شيء فيها مختلف من الاصلاب والارحام حتى المخاض والولادة .

حياةٌ ابواها النبل والشهامة، تربت في كنف التضحية والفداء، وامضت وطر مراهقتها بين الدماء الزكية و زغاريد الشهادة، تحمل ارث فجر الحضارات وصناعة الحرف الاول حيث ولدت الحروف بين شفتيّ سومريّها، وابصر النور اول القوانين بين انامل بابليّها، بمسلةٍ ترقى السماء بشموخ وعنفوان قوانين حمورابي .

فـكما ابصرت البشرية بأولى حروفنا وقوانينا، لعبنا اليوم نفس الدور بأختلاف الابطال، فـأحفاد من خط الحرف الاول خطوا اليوم دماء الشهادة الزكية بحربٍ بالانابة، معلنين انفسهم حماة البشرية و اوصياء على ارث الاجداد، فـجمال تلك الالواح المسمارية ان تخضب بالدماء القانية لـيكون اطار ً مفعماً بالبهجة يٓسر الناضرين، تاركا ً بصمة ً تقول لولا التضحية لما عاشت المعرفة .

فـالمعلم مضحي بمداده و دمه من اجل ان يسود العالم نور المعرفة ومحاربة قوى الجهل .

و لـكي تُطبق القوانين افتديناها بذبحٍ عظيم، فـسموها ورفعتها تحتاج الى ارض خصبة، فـما كان منا الا ان نرويها بسيل من الزواكي الطاهرات لتـكون مسلتها غنية بالخصوبة حتى تينع قوانينها وتتدلى عناقيد التشريعات، وهي تقطر بحلاوة العيش الرغيد والمستقبل السعيد على مر السنين والعصور .

وقد شاءت الاقدار ان يكون سيل المداد والدماء الذي عرج للسماء قد خرج من ارض السواد، ارض ما بين النهرين .

وكـأن الله اختارنا واصطفانا لـنكون قبلة العارفين، فـكانت قبورنا ليس ككل القبور، تتنفس برئتين و قلب نابض، و دماؤها تلك الوجنات ً الخمرية و التي تتعانق كـرئتي العراق دجلة والفرات حول خصر قلبه النابض بغداد، معلنة ً مبعثا ً جديد للعراقيين فقط .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here