ملاحظات نقدية على ( منهجي بفهم القرآن الكريم )

مير عقراوي / باحث بالشؤون الاسلامية والكردستانية
أرسل إليَّ الأخ الأستاذ علي راضي مشكوراً دراسة بعنوان ( منهجي بفهم القرآن الكريم ) على البريد الإلكتروني الخاص ( الفيس بوك ) ، وهي مقتبسة من كتابه المعنون ب( معجزة أسماء السور القرآنية ) . بعد قرائتي للدراسة والتأمل فيها توصَّلت بأني أتفق مع سعادته في محاور من الدراسة المذكورة ، كما أني من جهة ثانية أختلف معه كثيرا في محاور هامة أخرى .
بداية أود أن أنقل الفقرات والعبارات والمفاهيم الخلافية بيننا من دراسة الأستاذ علي راضي ، ثم أقدِّم بعدها ملاحظاتي النقدية عليها ، يقول الأخ راضي علي ما نصه :
( ولعل من المناسب هنا التذكير أن بعض مفردات اللغة الكثيرة الاستعمال قد آتَّسع معناها لتشمل مدىً أوسع في حدودها وآنعكس هذا على القرآن . ولعل الكلمات الأساسية الثلاث ,, الأرض والناس والعالَمون ,, هي الأمثلة الأوضح على هذه الظاهرة . وهي الأكثر إفسادا لمعاني آيات في القرآن . فكلمة الأرض إن ذكرت وحدها دون قرينة فهي ، غالبا ، أرض العرب الأصلية . وكلمة الناس لا يتَّسع معناها لأكثر مما تتَّسع له كلمة الشعب الناطق بلغة واحدة ، ولا تتَّسع لكل الجنس البشري . فهي في القرآن لا تعني أكثر من العرب وتضيق أحيانا لتقتصر على أهل مكة أو بعض أهل المدينة . وكلمة العالَمين تعني النوع أو الصنف من المخلوقات ، ولا تعني كل سكان الأرض . فقد قال الله لقوم لوط < أتأتون الذكران من العالَمين > فالعالَمون هنا هي صنف الرجال وصنف النساء من قوم لوط وليس كل سكان الكرة الأرضية ) إنتهى الإقتباس
بالحقيقة إن ما ذكره أخونا علي راضي لايختلف مع القرآن الكريم وحسب ، بل يتناقض معه ، ومع مقاصديته وغاياته في آياته المعنية بالمصطلحات الثلاثة المذكورة ، وهو فهم وتفسير تعسُّفي وخاطيء وشاذ وتحريفي لمعاني ودلالات وأبعاد الآيات القرآنية وألفاظها ، ثم هو خلاف مباشر لِمَا أجمع وآتفق عليه الأئمة والعلماء والمفسرون وفطاحل علماء اللغة العربية في الماضي والحاضر .
في ملاحظاتي النقدية هذه سوف لا أتوقف عند معاجم وقواميس اللغة العربية ولا التفاسير أيضا في تعاريف ومفاهيم المصطلحات الثلاثة المذكورة ، بل أقوم بعرض موضوعي مقابلاتية للآيات القرآنية التي تناولت تلكم المصطلحات بمعان مختلفة ، وذلك لأجل البرهنة والتأكيد على خطإ ما ذهب اليه أخونا علي راضي وما فهمه خطأً ، حيث آستنتجت من خلال آستقرائي لدراسته السالفة الذكر بأنه فهم وتفسير عروبي قومي بحت للتنزيل الكريم ، أو على الأقل للمصطلحات الثلاثة التي دارت عليها دراسته . عليه ، بالشكل التالي أسجِّل وأدوِّن ملاحظاتي :
أولا / ألف – { الأرض } : لقد ورد في القرآن لفظ { الأرض } بمعان مختلفة ، وبأبعاد مختلفة أيضا وبالشكل الآتي :
1-/ الأرض بمعنى أرض الجنة ، كقوله تعالى : { وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوَّأُ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين } الزمر / 74 ، فالأرض المعنية في هذه الآية ، هي أرض الجنة لا أرض الدنيا .
2-/ الأرض بمعنى أرض مكة ، كقوله تعالى : { قالوا كنا مستضعفين في الأرض } النساء / 97 ، أو كقوله تعالى : { وإن كادوا ليستفزِّونك من الأرض ليخرجوك منها } الإسراء / 76
3-/ الأرض بمعنى أرض الشام ، نحو قوله تعالى: { وأورثنا القوم الذين كانوا يُستضعفون مشارق الأرض ومغاربها } الأعراف / 137 ، وقوله تعالى : { ونجيناه ولوطا الى الأرض التي باركنا فيها للعالَمين } الأنبياء / 71
4-/ الأرض بمعنى أرض مصر ، كقوله تعالى : { قال آجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم } يوسف / 55 ، أي : قال يوسف لملك مصر آجعلني وزيرا للتموين والمالية لأرض مصر . ونحو قوله تعالى : { فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين } يوسف / 80 ، كذلك المقصود أرض مصر وحدها على لسان أخي يوسف – عليه السلام – ، وكقوله تعالى عن نبي الله صالح لقومه : { الذين يفسدون في الأرض ولايصلحون } الشعراء / 152 ، أيضا المقصود بها أرض قوم صالح لا غيرها ، وهذا المعنى الجزئي للكرة الأرضية كثير في القرآن .
5-/ الأرض بالمعنى المتعلق بالكرة الأرضية : في القرآن الكثير من الآيات الذي يشير مباشرة الى الأرض ، أو الكرة الأرضية بشكل عام وشامل ، منها قوله سبحانه : { قل لمن ما في السماوات والأرض ، قل لله كتب على نفسه الرحمة } الأنعام / 12 ، وقوله سبحانه : { لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألَّفت بين قلوبهم ولكن الله ألَّف بينهم ، إنه عزيز حكيم } الأنفال / 63 ، وقوله تعالى : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم آستوى الى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم } البقرة / 30 ، وقوله تعالى : { ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لآفتدت به وأسرُّوا الندامة لما رأوُا العذاب ، وقضي بينهم بالقسط وهم لايُظلمون } يونس / 54 ، وقوله تعالى : { وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون } النحل / 15 ، وقوله تعالى : { وهو الذي مَدَّ الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين آثنين يُغشي الليل النهار ، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } الرعد / 3 ، وقوله تعالى : { لله ما في السماوات والأرض ، إن الله هو الغني الحميد } لقمان / 26 ، وقوله تعالى : { ولو شاء ربك لآمن مَنْ في الأرض كلهم جميعا ، أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين } يونس / 99 ، وقوله تعالى : { وقال موسى : إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد } ابراهيم / 8
6-/ الأرض بالمعنى الأعم والأشمل : لقد ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات عن الأرض بمعنىً أعم وأشمل مما سبق ، منها قوله سبحانه : { الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير } سبأ / 1 ، وقوله تعالى : { الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير ، وأن الله قد أحاط بكل شيء علما } الطلاق / 12
ثانيا / الناس : لقد ورد في القرآن الكريم مصطلح ( الناس ) تارة بلفظ الخصوص الذي قصد عددا من الناس قَلَّوا أو كثروا ، وتارة أخرى بلفظ العموم ، أو الأعم ، وتارة للخصوص يقصد به العموم أيضا ، وعلى النمط التالي :
1-/ أما لفظ ( الناس ) بمعنى الخصوص والتعيين المحدود ، مثل قوله تعالى : { واذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس } البقرة / 13 ، معلوم إن الناس في الآية لا الناس كلهم في العالم ، بل الناس المؤمنين في مكة حصرا ، في بداية عهد الاسلام . ونحو قوله سبحانه : { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه ، وهو ألدُّ الخصام } البقرة / 204 ، معلوم إن الآية تقصد جماعة محدودة من الناس، بصفات معينة ، مثل النفاق والتلون والتظاهر بالصلاحية وهم بعكس ذلك ، لا جميع الناس الناس في الأرض ، وقوله تعالى ، : { يسألك الناس عن الساعة قل : إنما علمها عند الله } الأحزاب / 63 ، الآية تعني الناس المشركين في مكة ، أو جماعة منهم الذين سألوا رسول الله محمد – عليه الصلاة والسلام – عن توقيت يوم القيامة ، وهي لا تعني مطلقا كل الناس في الأرض .
2-/ لفظ الناس بالعموم نحو قوله تعالى في عمومية وشمولية ورحيمية النبوة المحمدية والرسالة الاسلامية : { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } الأنبياء / 107 ، وقوله تعالى : { قل ؛ يا أيها الناس إني رسول الله اليكم جميعا } الأعراف / 158 ، وهذا حكم الله عزوجل الى نبيه محمد بأن يعلن أنه رسول الى الخلق كلهم في العالم بلا آستثناء في الأجناس والأعراق والقوميات والألوان والمديات الجغرافية . وكقوله تعالى : { فاقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها } الروم / 30 ، فهل معقول أن يذهب أحد ليقول ويزعم فطرة الناس المذكورة في الآية ، والتي سبحانه فطر جميع بني الانسان عليها ، هي تخص العرب وحدهم ..؟ ، وكقوله سبحانه : { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس } غافر / 57 ، فهل جائز لذي لب أن يزعم بأن هذه الآية تخص الجنس العربي وحده ، وكقوله تعالى : { قل أعوذ برب الناس ، ملك الناس ، إله الناس } الناس / 1 – 3 ، فهل هذه الآية تعني رب العرب وإلههم وحدهم دون الجنس البشري في المعمورة كلها ، نعوذ بالله سبحانه ونلوذ به من ذلك .
ثالثا / العالَمون : العالَمون ، هو جمع عالم الذي يتكوَّن من عوالم متعددة ، فالعالَمون إذن ، هو إسم قرآني لكل كائن ومخلوق ، أو هو إسم لكل ما في الكون من الخلائق والمخلوقات والموجودات ، وذلك بآستثناء الله الخالق سبحانه ، ثم إن العالَمين هو مصطلح آنفرد به القرآن الكريم ولا يوجد له أثر إطلاقا قبل الاسلام ، ولم يكن للعرب أيام الجاهلية عهد به كما قاله العلماء . عليه ، يمكن القول بأن العالمين ، هو وحدة الخلق الذين يكون لهم صفات ومواصفات واحدة ومشتركة ، مثل : البشر وبني الانسان هم عالم ، الحيوانات هم عالم ، الأرض هي عالم ، السماوات هي عالم ، الجن هم عالم ، الملائكة هم عالم وغيرهم الذين لا نعلمهم هم عالم ، أو عوالم أيضا ، بالتالي فإن الله تعالى هو خالق ورب هذه العوالم ، أو العالمين كلهم . مع هذا الوصف والتعريف العام للفظ العالَمين فإن القرآن الكريم أطلق اللفظ أحيانا ، لكن قليلا ومحدود جدا على جنس مخصوص ، أو شعب ، وذلك يتضح ويكون بحسب السياق للآيات القرآنية . أما التعريف الأعم والأصوب والأصح هو الذي تحدثنا عنه في بداية لفظ العالَمين ، حيث عليه مدار القرآن ، ففي لفظ الخصوص للعالَمين يقول سبحانه عن نبي الله لوط إذ قال لقومه : { ولوطا إذ قال لقومه ؛ أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين } الأعراف / 80 ، فالمقصود بلفظ العالمين في هذه الآية هو عالم أو العالمين لقوم لوط دون سواهم ، ومثل قوله تعالى : { قالوا : أوَلم ننهك عن العالَمين } الحِجْر / 70 ، أي : إن قوم لوط قالوا له ألسنا قد أبلغناك يا لوط وقلنا لك بعدم المخالفة والمعارضة لنا في أيِّ أحد اذا ما آعترضناه في عالمنا هذا ، أي في محدودة بلادهم وناسهم ..؟
أما التعريف الأعم والمعنى الأشمل الذي عليه مدار الاسلام ورسالته والقرآن الكريم ومقاصديته وعالميته وعموميته الشاملة هي الكم الهائل من الآيات القرآنية ، مثل :
1-/ { الحمد لله رب العالمين } الفاتحة / 2 ، معلوم بالقطع واليقين بأن المقصود من هذه الآية من لفظ ( العالَمين ) هو العوالم كلها ، وبدون آستثناء وليس جنسا معينا بذاته على الإطلاق .
2-/ { إن أول بيت وضع للناي ببكة مباركاً وهدىً للعالَمين ، فيه آيات بينات مقام إبراهيم ، ومن دخله كان آمناً ، ولله على الناس حِجُّ البيت مَنِ آستطاع اليه سبيلاً ، ومن كفر فإن الله غني عن العالَمين } آل عمران / 96 – 97 . بحسب التفسير العروبي الإنحرافي للاسلام ، وذلك بزعمهم إن الاسلام هو رسالة للعرب فقط فإن الشطر الأخير من الآية المتلوة يصبح تفسيره هو : إن الله غني عن العرب دون سواهم ، ونعوذ بالله سبحانه ونلجأ اليه من كل آنحراف وزيغ وشطط وزلل .
3-/ { إن هو إلاّ ذِكْرٌ للعالَمين } الأنعام / 90 ، أي : إن القرآن هو عظة وتذكير وهدىً للعالمين كلهم من جنسي البشر والجانِّ .
4-/ { قال فرعون ومارب العالَمين ، قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم مؤمنين } الشعراء / 23 – 24 ، أي : قال فرعون لموسى متهكما ومستعليا بالسؤال له عن رب العالمين ، فرد عليه نبي الله موسى بأن رب العالمين هو رب السماوات والأرض وما بينهما ، وما فيهما من الخلائق والموجودات إن كانوا مؤمنين .
5-/ { تبارك الذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالَمين نذيرا ، الذي له ملك السماوات والأرض ، ولم يتخذ ولدا ، ولم يكن له شريك في الملك ، وخلق كل شيء فقدَّره تقديرا } الفرقان / 1 ، أي :
تبارك الله سبحانه الذي أنزل القرآن على عبده محمد ، حيث هو نبيه ، وذلك كي يكون القرآن نذيرا للعالَمين كلهم ، ثم بعدها مباشرة أكد الله تعالى وأوضح على عالمية الاسلام للجنس البشري من خلال قوله الحكيم : { الذي له ملك السماوات والأرض } ، حيث هو سبحانه الملك والمالك للسماوات والأرض وما فيها كلها ، ثم بعدها أكد على التوحيد الخالص له سبحانه بأنه ليس له ولد ، أو إنه تعالى لم يتخذ ولدا كما زعم بعض الناس زيغا وآفتراء وجهلا ، وهو لا شريك له في الملك على الاطلاق ، بعدها أكد سبحانه إنه الخالق لكل شيء ، مع تقديره المقدر بقدر لهم .
6-/ { فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين } الجاثية / 36 ، فهل من العقل السليم القول بأن القصد من { رب السماوات } ، و { رب الأرض } ، و { رب العالَمين } ، هو رب العرب وحدهم !؟ . والى غيرها من الآيات القرآنية التي أوضحت وضوح الشمس وسطاعتها في رابعة النهار على عالمية نبوة رسول الله محمد – عليه الصلاة والسلام – ، وعلى عالمية الاسلام ورسالته ، حيث هي رد فاحم وقاطع على هذيان أصحاب التفسير العروبي العقيم واللاإنساني من ناحية ، ومن ناحية ثانيه زيغه وضلاله وتصادمه مع الاسلام بشكل مباشر ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here