الاسلام والعالم الانكلوسكسوني 9 (*)

العالم الانجلوسكسوني، 9 (اقتباس)
بقلم د. رضا العطار

ان التوتر الداخلي في الدول الاشتراكية ليس معنيا بالاشتراكية كمشكلة اقتصادية، لان اخطر معارضة فيه معنية بمشكلة حقوق الانسان. ففي كل مكان يبدو وكأن الشعوب تتطلع الى نوع من الدين ذو برنامج اشتراكي، او الى اشتراكية بدون الحاد ولا دكتاتورية – اي (اشتراكية ذات وجه انساني) – – هذا ما يسميه (موريس ديفرجر) قوله :
(العملية التي لا مهرب منها . . اتجاه نحو الحرية في الشرق واتجاه نحو الاشتراكية في الغرب.
في الصين – على سبيل المثال – بعد وفاة (ماوتسي تنغ) رُفعت الرقابة تدريجيا عن اعمال (بيتهوفن) و (شكسبير) و (دستويفسكي) و (شاجال). ان مطلب الحرية سيعلو صوته اكثر واكثر . . والاتجاه بالغ الخطورة.

كتب المؤلف هذا الكلام في اواخر السبعينيات، اي قبل سنوات من انفجار الزلزال الذي قوًض الامبراطورية السوفييتية وتهاوت على اثره النظم الشيوعية في اوربا الشرقية واحدة بعد اخرى. وقد بنى المؤلف رؤيته على حقيقتين : الاولى ادراكه المباشر كمفكر وشاهد على عصره ومواطن يعيش آلام هذه الشعوب المقهورة. والثانية ايمانه بان مثل هذه النظم المتعسًفة التي تتجاهل الطبيعة الانسانية او ما يسميه (الاسلام الفطري) و (الطريق الوسط)، لا بد لها من التحلل والانهيار، عاجلا كان مصيرها او آجلا.

ان ازمة الدول الرأسمالية من نوع آخر، فقد صحبها مطلب بتدخل اكثر من قبل المجتمع، وينطوي هذا على قدر من الكبح للحرية المفرطة. لقد وجدنا لاسباب عملية اتجاه المصانع الامريكية نحو الاشتراكية، بينما المؤسسات الاقتصادية في الاتحاد السوفياتي (السابق) تتحرك بعيدا عن المركزية. ويرى البروفيسور (ويدنبارم) ان المؤسسات الامريكية المعاصرة (نصف مؤممة) آخذين في الاعتبار اعتمادها الكبير على الدولة.
ان اجتماع كبار العاملين في المجالين السياسي والعام بالولايات المتحدة واليابان واوربا الذي عقد في (كيوتو) سنة 1975 فيما يسمى (باللجنة الثلاثية). هذا الاجتماع كان معنيًا بمشكلة المبالغة في الديمقراطية في الدول الرأسمالية المتقدمة، وخرج الاجتماع بتوصيات عن (ديمقراطية معتدلة)،واشار الى الحاجة الى اجراءات تصحيحية تتعلق بحرية الصحافة المبالغ فيها. ودعمت توصيات المؤتمر فكرة التخطيط الاقتصادي والمطالبة بمزيد من الكفاءة في الادارة. لعل هذه ليست خطة كاملة لسياسة عامة جديدة بقدر ما هي إلماحة اكيدة الى مناخ ايديولوجي جديد.

جميع هذه الظواهر التي ناقشناها ذات دلالة على توجهاتها. ولكنها ليست اسلاما ولا تؤدي الى الاسلام، لانها قسرية متكلًفة، قاصرة غير متسقة مع نفسها. اما الاسلام، فانه يتضمن رفضا واعيا للمسلمات الدينية والاشتراكية احادية الجانب، وينطوي على تسليم ارادي بمبدأ الثنائية. ومهما يكن الامر، فان ما رايناه من تأرجح وانحرافات وتسويات قهرية، انما يمثل انتصارا للحياة والواقع الانساني على جميع الايديولوجيات القاصرة على جانب واحد، وهذا في حد ذاته يُعدً انتصارا للمفهوم الاسلامي.
الى الحلقة التالية !
* مقتبس من كتاب (الاسلام بين الشرق والغرب) لعلب عزت بيجوفيتش.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here