إجراءات أمنيّة بنكهة سياسية: سيطرة الصقور مازالت تعيق المرور

كمال العياش

على الطريق الرابط بين العاصمة بغداد ومحافظة الأنبار تنتشر عدد من نقاط التفتيش، إلا أن سيطرة واحدة أصبحت تقيّد حركة الوافدين والمغادرين من خلال إجراءات أمنية معقّدة تعيق مرور السكان المحليين.

لا يختلف اثنان على الإجراءات الأمنية التي من شأنها السيطرة على الملف الأمني والمحافظة على ما تحقق من مكاسب أمنية، أنها يجب ان لا تصادر حرية المواطنين من خلال التمييز في ما بينهم أو تقييد حريتهم في التنقل بين محافظات البلد الواحد.

سيطرة الصقور في منطقة أبو غريب (22 كلم) جنوب شرق الفلوجة تفصل محافظة الأنبار عن العاصمة بغداد يمرّ من خلالها كل من يريد التوجه الى العاصمة بغداد، تشرف على إدارتها قوة مشتركة تتمثل بقيادة عمليات بغداد ووزارة الدفاع والداخلية وبعض فصائل الحشد الشعبي كل هذه القوات تتولى مسؤولية تدقيق وتفتيش الأشخاص والمركبات التي تروم المرور من خلالها.

للوهلة الأولى يخيّل للقارئ أن العدد الكبير لهذه القوات سيسهم في انسيابية كبيرة للمرور دون الإخلال بآلية التفتيش والتدقيق، إلا أن المرور بها والتأخير الذي يصل في الغالب إلى ست ساعات حتى تصل إلى عنق زجاجة عند جهاز السونار أو الكلاب المدربة (k9) تكتشف أن تلك الإجراءات مجرد إجراء روتيني لا يرتقي إلى مستوى حالة التأخير التي تعرض لها الراغبون بالمرور عبر هذه السيطرة.

الآلية المتبعة في هذه السيطرة تثير غضب السكان المحليين في عموم مدن محافظة الأنبار لاسيما وأنها منفذهم الوحيد باتجاه العاصمة بغداد والمحافظات الأخرى فهي تفتح أبوابها في الساعة السابعة صباحا وتغلق في السابعة مساء حيث تشكل المركبات الصغيرة والشاحنات الكبيرة طوابير تمتد لعدة كيلومترات.

ما يجري في سيطرة الصقور منذ أكثر من شهرين يعد انتهاكاً دستورياً بحسب مختصين أشاروا الى أن الدستور العراقي يكفل للمواطنين حق التنقل والسكن أما غلقها بوجه السكان المحليين لمرات عدة ومن دون أسباب مقنعة فهو يمثل عقوبة جماعية.

إجراءات باتت تثقل كاهل السكان المحليين والوافدين إذ أصبحوا واثقين من أن تلك الإجراءات ماهية إلا عقوبة جماعية، معللين قناعاتهم بان تلك الإجراءات لا وجود لها إلا في هذه السيطرة.

عمر العاني موظف مصرفي يقطن في مدينة الفلوجة ويعمل في العاصمة بغداد في احد المصارف الحكومية استغنى عن مركبته الخاصة بسبب الآلية المتبعة والتي لا تسمح بمرور المركبات إلا بعد الساعة السابعة صباحا، الأمر الذي يجعله يقطع مسافة ثلاثة كيلومترات سيرا على الأقدام ليضمن وصوله الى عمله دون تأخير فضلا عن تحمله مبالغ إضافية ينفقها على سيارات الاجرة المتعددة التي يستقلها في رحلته التي لا تتعدى مسافتها (60 كلم).

العاني تحدث لـ”نقاش” وقال “لم نكن نعلم أن عودتنا إلى المدينة ستكون مكلفة ومتعبة إلى هذا الحد فما ننفقه من مبالغ أصبحت أرقاماً خيالية أكثر من مبالغ الإيجار التي كنا ننفقها أثناء فترة النزوح فضلا عن الجهد البدني الذي اثر على صحتنا فنحن نسير يوميا ستة كيلومترات في درجات حرارة تصل إلى (50) درجة مئوية”.

ويقول أيضاً “ما يثير غضبنا أننا عندما نصل الى جهاز التفتيش الوحيد (السونار) ورجل الأمن المكلف بتدقيق الأوراق الثبوتية نشاهد أن تلك الإجراءات روتينية وكأنها آلية متعمدة للضغط على المحافظة”.

العاملون في محافظة الانبار من ساكني المحافظات الأخرى أيضاً أصبحوا أمام معادلة صعبة لا يستطيعون من خلالها الموافقة بين ما يتعرضون له في سيطرة الصقور وما بين الالتزامات الوظيفية.

رائد سمير طبيب مقيم في مستشفى الرمادي تحدث لــ”نقاش” قائلا “أفكر جديا بالانتقال خارج مدينة الرمادي. أي محافظة أخرى ستكون أفضل بكثير من محافظة الانبار التي أصبحت محافظة طاردة للكفاءات والعاملين في عموم القطاعات”.

ويؤكد أيضاً “عدد كبير من الأطباء الاختصاص والاستشاريين ممكن كانوا يمتلكون عيادات كبيرة ومجمعات طبية ضخمة قاموا بتصفية أعمالهم وغادروا الى بغداد ومناطق اقليم كردستان شمال العراق هربا من هذه المضايقات التي تجعل من جميع السكان المحليين متهمين”.

ويضيف “ما أشاهده من إذلال وسلب للحقوق يجعلني أثق تماما أن هناك أجندات تسعى الى معاقبة المحافظة من خلال الضغط على الميسورين والكفاءات والأساتذة والأطباء لتكون المحافظة خالية وطاردة للسكان وبالفعل عدد كبير من السكان المحليين يرفضون العودة الى المحافظة بسبب تلك الإجراءات التي جعلتنا نشعر كأننا نعمل في سجن كبير”.

غالبية العاملين في هذه السيطرة قد تبدو عليهم ملامح الشر من خلال طريقة ارتداء بعض البزات العسكرية والأقنعة ومعظمهم يطلقون اللحى والشوارب بطريقة تثير الرعب في نفوس المواطنين عندما ترافق هذه الهيئات نبرات الصوت العالية التي لا تميز بين رجل وامرأة أو طفل وشيخ فالكل سواسية أمام آلية التعامل سيئة الصيت التي أصبحت واضحة للعيان ولا تخشى عقوبة أو رادع.

مع ارتفاع وتيرة الإجراءات وغلق هذا المنفذ لأكثر من مرة ولعدة أيام متتالية لاسيما في أيام الأعياد والمناسبات أصبح الممثلون السياسيون لمحافظة الأنبار في حرج شديد أمام مطالبة جمهورهم بضرورة التدخل لحل هذه الأزمة وفي كل مرة وكل زيارة لعدد من المسؤولين الأمنيين والبرلمانيين لهذه السيطرة تنطلق وعود وتقترح آليات لتسهيل مرور المواطنين إلا أنها تبقى على حالها بل تزداد سوءاً.

ليس غربيا في سيطرة الصقور أن تجد شيخا هرم يستعين بعكازه ليسير مسافة طويلة باتجاه عيادة طبيبه الذي رفض العودة الى المدينة بسبب هذه الإجراءات إلا أن الأغرب أن يمنع من الخروج بسبب مزاجية اعتلت احد الأفراد الأمنيين.

عبد الرحمن الجميلي رجل ستيني يقطن في مدينة الفلوجة يعاني من أمراض عدة ويرتاد عيادة طبيب خاص بشكل دوري في العاصمة بغداد تحدث لـ”نقاش” قائلا “في كل مرة اتجه بها الى بغداد ابرز عددا من الوثائق والأوراق التي تثبت أني ليس متهما أو من ذوي المتهمين”.

ويقول أيضاً “ما أثار غضبي عندما تكلمت مع بعض المكلفين بالتدقيق بضرورة تسهيل الإجراءات لكسب ود السكان المحليين فوجئت بعدم السماح لي بالعبور نحو بغداد بحجة أن الطريق مغلق ولا يسمح للسكان المحليين بالعبور نحو العاصمة بغداد وان العبور حصرا للموظفين والمواطنين من غير السكان المحليين”.

يبدو أن المعاناة التي يتعرض لها السكان المحليون وبقاءهم في هذه السيطرة لأكثر من خمس ساعات شجعت بعض المواطنين على اغتنام هذه الفرصة ومحاولة استثمارها من خلال بيع الوجبات السريعة ومياه الشرب، بل وصل الأمر الى أن يتم عرض بعض الأكشاك الى البيع مقابل مبالغ مالية قد تصل الى عشرة ملايين دينار عراقي.

أصحاب الشاحنات ومركبات الأجرة سارعوا بدورهم الى رفع الأجور بحجة التأخير والبقاء في طوابير طويلة، في الغالب يضطرون الى المبيت ليوم او يومين في رحلة العبور وهذا التأخير والجهد يتحمله المواطن بانتظار حلول جذرية لازمة تلامس حياته اليومية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here