العراق: رسامة صَمَّاء تضع أحلامها على الورق والزجاج

محمد الزيدي

شهب محسن (17) عاماً، فتاة صَمَّاء لا يمكنها الحديث مطلقاً، لكنها على الرغم من الإعاقة التي رافقتها منذ الولادة، تمضي بخطىً سريعة وهي واثقة من قدرتها على الإبداع.

المسافة التي تقطعها شهب يومياً من بيت أهلها حتى تصل إلى مرسمها الواقع في منتدى شباب الحي جنوبي محافظة واسط، لممارسة هوايتها في الرسم على الورق والزجاج لا تتجاوز مئة متر، فالفتاة التي دخلت بشكل فطري عالم الفن التشكيلي، استطاعت أن تجعل فرشاتها ولوحاتها يتكلمان بدلاً عنها، وهي ترسم أحلامها وأمانيها التي لا حدود على الورق والزجاج.

في مسيرتها الفتية أبدعت شهب برسم أكثر من (150) لوحة عكست الواقع بكل صوره وأثبتت بأن الإعاقة لم تكن عائقاً أمام العطاء.

تقول حوراء شقيقة شهد الصغرى إنها “لا تكاد تشعر بأي أمر غير عادي فيها، فهي تمارس حياتها كغيرها، وتحرص على أن تخرج بمظهر لائق وملابس ذات ألوان متناسقة، ولديها شبكة من العلاقات الاجتماعية وتتعايش مع صديقاتها بشكل طبيعي”.

وتضيف حوراء ذات (15) عاماً لــ”نقاش” أن “شقيقتي تمتلك موهبة فطرية، وعوّضها عن الإعاقة الولادية، فهي ذكية بامتياز وتستطيع رسم أي مشهد يصادفها، بعدما تعلمت فنون الرسم في فترة قياسية”.

وبينما تنشغل حوراء بالحديث مع أُختها عبر الإيماء تتابع القول “رغم صغر شهب، إلا أنها استطاعت شراء الكثير من مستلزمات الرسم من خلال الهدايا النقدية التي يمنحها لها الأقارب والأصدقاء”.

“والدتي أول من اكتشفت قابليات أختي الصماء وقدرتها على رسم الأشياء المختلفة، ولذلك فهي منذ البدء حريصة على تطوير هذه الموهبة ورعايتها” تضيف حوراء.

ولم ينحصر دور الرعاية الأسرية بوالدة شهب، فمن حُسن حظ هذه الفتاة الموهوبة التي شاركت في عشرات المعارض المحلية، أن وراء ابداعها أُسرة جميعها تُسهم بشكل متواصل بدفعها نحو العطاء، فقد لعب والدها دوراً كبيراً في نجاحها وتشجيعها على إتقان فنون الرسم، بينما يحرص أخوها الكبير على إيصالها بشكل دوري إلى مرسمها الواقع في منتدى شباب الحي”.

(أتمنى أن يتحقق حلمي بوصول ابنتي إلى العالمية) بهذه العبارة يقول والد الفتاة الموهوبة الصماء وهو يكثر التحديق في عينيها “أحرص على تنمية قابليات ابنتي بالتعاون مع أحد أصدقائي من معلمي التربية الفنية، بعد أن وفرت لها الأدوات والألوان اللازمة”.

وعن طبيعة اللوحات الفنية التي ترسمها على الورق، يقول محسن علي لــ”نقاش” في بادئ الأمر كنت أزودها بصور المدن والمناظر الطبيعية التي تباع في الأسواق، وهي تختار منها ما يلائمها وتعيد رسمه، لكنها سرعان ما نما لديها خيالاً خصباً وصارت تختار اللوحات والألوان بنفسها، ولا نتدخل في ذلك مطلقاً”.

ويضيف “هي ميالة بشكل دائم لرسم المناظر الطبيعة والصور الشخصية وحتى القصص التراجيدية على الورق والزجاج، وتعيش حالة من الهدوء والابتسامة الدائمة، والإعاقة لم تسبب لها أي إحباط يذكر”.

وبينما يتوقع والد شهب نجاحاً باهراً لابنته كفنانة موهوبة، لاسيّما وأنها شاركت في العديد من

المعارض الفنية التي تقام في البلاد، يوضح بأن أكثر ما يزعجها هم أولئك الذين لا يقدرون قيمة العمل ويفتقدون الذوق الفني والإحساس بقيمة اللوحة وهو ما تلمسه من تعبيرات وجوههم.

وعلى الرغم من عدم حاجة شهب إلى العمل، الا أن موهبتها الفريدة كانت سبباً بصدور أمر حكومي يقضي بتعيينها على ملاك منتدى شباب الحي، حيث مكان سكنها، لتجعل من إرادتها طريقا للإبداع والتفاؤل في الحياة بشكل واقعي.

رعاية هذه المواهب والحفاظ عليها من مسؤولية الدوائر المعنية في وزارة الثقافة كما يراها مدير مركز شباب الحي رشيد العقابي الذي يؤكد حرص المنتدى على إشراكها في الفعاليات والمهرجانات بهدف جعلها أكثر ثقة بنفسها لإظهار مواهبها وتقبل آراء الناس المحيطين بها.

ويؤكد العقابي في حديثه لـــ”نقاش” على أهمية وضع خطة متكاملة لرعاية هذه الفئة الخاصة، فضلاً عن برامج تعليمية مناسبة، لزيادة الوعي والثقافة في أسر الموهوبين المعاقين وفي المجتمع بصفة عامة”، لافتاً إلى أن “هذه المواهب تحتاج من يرعاها حتى تسير في طريقها السليم، بوصفها ثروة بشرية يمكن الإفادة منها في كثير من نواحي الحياة”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here