الحملة ضد حزب الله ليست لوجه الله

محمد رضا عباس
من حق اللبنانيين الاحتفال “بانتصار لبنان على الإرهاب” الذي اعلنه الرئيس اللبناني ميشيل عون , بمناسبة انسحاب 350 إرهابيا من إرهابي داعش مع عوائلهم من الحدود اللبنانية-السورية باتجاه البو كمال السورية في ريف دير الزور على الحدود العراقية بعد اتفاق بين حزب الله اللبناني وحكومة الرئيس السوري بشار الأسد . الارهابيون المنسحبون الى منطقة البو كمال ليسوا مواطنون لبنانيين وانما مواطنون سوريين وان مناطق تواجدهم لم تكن لبنان وانما كان تواجدهم على ارض سورية , القلمون المحاذية للحدود اللبنانية . لقد كان امام الحكومة اللبنانية و قوات حزب الله خيار قتالهم حتى القضاء عليهم او مغادرة منطقة تواجدهم بدون قتال , فكان الخيار اللبناني هو الخيار الأخير , ترحيلهم الى البو كمال بدون قتال.
لبنان تعاملت مع هذه المجاميع الإرهابية تعامل المريض الذي يعاني من مرض خبيث , وان امام هذا المريض خياران للقضاء على مرضه , العملية الجراحية او اخذ حبتين يوميا من الدواء . في هذه الحالة يكون من المعقول ان يختار المريض اخذ الحبتين في اليوم على اجراء العملية الجراحية وتجنب مضاعفاتها. لبنان او حزب الله , اختار ترحيل الإرهابيين من اجل تجنب أبناء لبنان الدماء ومدنها الخراب والدمار .
هل كان لدى العراق مثل هذا الخيار؟ التفاوض مع تنظيم داعش والسماح لعناصره مغادرة العراق؟ الجواب هو لا , لان ما يقارب عن 95% من عناصر داعش هم عراقيون و يقاتلون على ارض العراق, وبذلك من غير المعقول التفاوض على ترحيلهم من العراق الى دولة أخرى . لا تركيا ستقبلهم , ولا السعودية , ولا الكويت , و لا الأردن , ولا ايران . بل لا توجد دولة في العالم ستقبلهم , لانهم عراقيون , ومكانهم الطبيعي هو القبر بعد قتلهم او حبسهم في العراق بعد القاء القبض عليهم . نعم , لو كان من يقاتل في العراق من الجنسية السعودية , على سبيل المثال , يكون من المعقول ان تعطي الحكومة الخيار لهؤلاء المسلحين اما الموت في العراق او الهروب الى بلدهم السعودية. المقاتلين الذين وصلوا الى البو كمال هم من السوريين , وليس من دولة أخرى .
ثم ان قرار ترحيلهم الى البو كمال من دون المناطق الأخرى في سورية , هو بسبب ان مدينة البو كمال ما زالت تحت سيطرة تنظيم داعش وبقية المجاميع المسلحة المناوئة لنظام بشار الأسد و ان في البو كمال عشرات الالاف من المسلحين . وعليه , من غير المعقول ان يتم ترحيلهم الى مناطق تحت سيطرة القوات الحكومة السورية , لان النتيجة هو قتلهم . ثم ان إضافة 350 مقاتل الى عشرات الالاف المقاتلين المتواجدين في مدينة البو كمال سوف لن يغير المعادلة , لان خطر تواجد المسلحين في البو كمال الواقعة بالقرب من الحدود العراقية ما زال قائم سواء اختار هؤلاء الثلاثمائة والخمسون عنصرا البو كمال او مدينة أخرى .
اذا , لماذا هذا الهجوم الشديد اللهجة على الحكومة العراقية وحزب الله من قبل سياسيين وكتاب معروفين بعدائهم لبغداد ؟ الجوب هو ان الهدف من هذا الهجوم الإعلامي هو ليس الحكومة العراقية او بغداد , وانما ايران وحزب الله اللبناني . العراق رفض الاتفاق على لسان رئيس مجلس الوزراء , و نقل هذا الرفض السفير العراقي في لبنان الى الحكومة اللبنانية , ولكن هذا الرفض ما هو الا لإسكات الأصوات الرافضة للاتفاق والتي سوف لن تسكت , لأنها وجدت المناسبة للتشهير بإيران وحزب الله , وبحسب اخرين “ترضية الجانب الأمريكي”. اياد جمال الدين كتب يخاطب شيعة السلطة ” ارتضيتم لأنفسكم قبل سقوط صدام ان تكونوا عملاء للاطلاعات ولحرس الثورة ..ومازلتم كذلك ..انتم أيها العملاء الصغار.. تعرفون انكم اقل شأنا من زميلكم الاخر في العمالة: حسن نصر الله .. وتعرفون صدق ما أقول حقا ولكنكم بلا ضمير”. كاتب اخر كتب انه لم ليكن يتم نقل القوات الإرهابية الى البو كمال لولا موافقة السيد الخامنئي وبذلك فقد فضل الخامنئي قتل العراقيين على قتل اللبنانيين والسوريين. ويكتب اخر ان نقل الإرهابيين الى البو كمال كان عبارة عن تجاذبات بين عناصر المشروع الأمريكي وعناصر المشروع الإيراني على الأراضي العراقية , وكلاهما تدميريان . وكاتب اخر يقول ” انها خطوة من نصر الله لأضعاف الحشد الشيعي العراقي , منافسه الميليشياوي على الساحة السورية بعد انحسار داعش , قريبا ؟
اذن , ان رفض اتفاق حزب الله وسوريا على نقل المسلحين الى البو كمال من قبل بعض الكتاب والسياسيين هو ليس تخوفهم من تواجد عناصر داعش بعدد إضافي قدره 350 عنصرا الى العشرات الالاف منهم على الحدود العراقية , وانما هو سياسي يراد منه تسقيط حزب الله والداعم له , ايران , وارضاء مخيم المعادي لها . هؤلاء الرافضين للاتفاق يعلمون جيدا ان ليس من حق العراق ان يتدخل في شؤون الغير , وان السياسة العراقية الخارجية الجديدة هو عدم التدخل في شؤون الغير ومن حق سورية او لبنان او أي دولة مجاورة العمل وفق مصالحها وعلى العراق احترام قراراتهم طالما انها لا تتدخل في الشأن العراقي . هؤلاء الرافضين للاتفاق يسكتون سكوت اهل القبور عندما تقوم تركيا بضرب مدن إقليم كردستان بالقنابل وتقتل المدنيين وتدمر ابنية المدن وبيوت السكان. الرافضين لم ينطقوا بحرف واحد عندما خاض الجيش اللبناني وبدعم من مقاتلو حزب الله في قتال داعش طيلة العشرة أيام قبل توقيع الاتفاق وقدم الشهداء بذلك. وهل سينتفض هؤلاء الكتاب لو قررت الحكومة الأردنية او السعودية محاصرة مسلحين في مناطق متاخمة للحدود العراقية؟ ثم هل من هؤلاء من كتب حرف واحد ضد الكيان الصهيوني والذي دنس المقدسات الإسلامية وما زال يقتل الفلسطينيين العزل وهم يدافعون عن هويتهم العربية والإسلامية؟ انها السياسة القذرة، ليس الا.
ثم لماذا هذه الثورة على الاتفاق , من قبل بعض الكتاب والسياسيين , بالوقت الذي لم يظهر أي رد فعل من روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الامريكية , الدولتين العظمتين والمهتمتين بمحاربة داعش ؟ لو عرفت هاتين الدولتين بخطر نقل 350 عنصرا من القلمون الى البو كمال يشكل خطرا على جهودهم في محاربة الإرهاب , لما انتظروا دقيقة واحدة بقصف رتلهم , وهم يعرفون جدا لا توجد قوة في العالم سوف تطالب بدمهم . لقد تركت هاتين الدولتين هؤلاء الانتقال الى البو كمال لانهما يعرفان ان إضافة 350 مقاتل الى عشرات الالاف سوف لن يغير من المعادلة على الحدود العراقية السورية.
البعض اصبح يقول ان حزب الله تصرف تصرفا غير أخلاقي في اتفاقه مع عناصر داعش وان العراق التزم بسياسة عدم التحاور مع مجاميع اقل اجراما من تنظيم داعش, وبذلك ان حزب الله قد تنازل عن مبادئه ووضع مصلحته فوق الاخلاق . ولكن صحة تصرف الحكومة العراقية بعدم التعامل مع المجاميع المسلحة (وبالحقيقة تعاملت الحكومة معهم حتى النفس الأخير وفشلت في ارضائهم) , لا يعني خطا توجهات حزب الله . كل ما عمله حزب الله هو طلب من سورية بالموافقة على انتقال المسلحين من الحدود اللبنانية الى البو كمال وهي مدينة في سورية , أي من بلدة سورية الى بلدة سورية أخرى , حفظا على لبنان ومستقبلها.
لا اعتقد ان حزب الله قد خان مبادئه , وهو المعروف بشدته تجاه المجاميع الإرهابية , ولا اعتقد ان الهجمة ضد حزب الله كانت لوجه الله وحبا للعراق وكرها لداعش وانما كرها لحزب الله وتوجهاته السياسية , ولا اعتقد ان 350 عنصرا إضافيا من داعش الى مدينة البو كمال سيغير المعادلة . حروب التحرير ضد داعش في العراق اظهر ان الدواعش نمور من ورق , نفخ فيهم الاعلام العربي مدعوما ببعض الجهات الأجنبية التي لا تريد الاستقرار للشرق الأوسط . اعتقد ان ابن الملحه قادرا على حماية حدود العراق من قذارات داعش ,و اذا أراد داعش التعدي فسيكون مصيرهم ليس احسن من مصير إخوانهم في بيجي و جرف الصخر و تكريت والفلوجة والموصل.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here