“كليجة العيد”!!

كلنا يذكر “كليجة العيد” , ويرى أنّ أمه تصنع أطيبها!!
ونعرف “الكليجة” منذ الطفولة , بكل ما يرافقها من نشاطات بهيجة مفرحة , وتفاعلات عائلية وإجتماعية ممتعة , والتي تحقق في أعماقنا مشاعر وتصورات تتوافق والحالة النفسية المترافقة مع صناعة “الكليجة”.
وتفصلني عن “كليجة أمي” مسافة زمنية طويلة , بعد أن أكلت الغربة معظم الأيام والأعوام.
وقبل بضعة أسابيع دعاني أحد الأصدقاء إلى بيته , وبعد العشاء تم تقديم “الكليجة”.
ولأول مرة منذ عقود , شعرت بأني أأكل “كليجة أمي”!
فقلت: ما أطيبها!!
وأضفتُ: هذه عجينة خبيرة!!
وشرحت لي زوجة صديقنا العزيز كيف تعد العجينة , فليس كل من يعمل الكليجة يعرف أسرار عجينتها.
وأخذت أسالها عن المقادير والأشياء اللازمة لتحضير العجينة , فالأشياء لا تكون رائعة وطيبة إذا لم نهتم بموادها وعناصرها , ومفرداتها اللازمة للوصول إلى إنتاج متميز , وروعة الكليجة وطعمها اللذيذ يتفق مع خبرة إعداد العجينة والحشوة.
وهذه القاعدة تنطبق على نشاطات الحياة الأخرى الإجتماعية والسياسية والثقافية.
فلا يمكن للكاتب أن يكتب مقالة أو إبداعا رائعا من غير إستحضار واعي لعجينة وحشوة ما سيكتبه.
ولا يستطيع أي حزب أن ينجح في الحكم إذا جهل قدرات إعداد عجينة الصيرورة الأمثل , والتفاعل الأقدر مع أعضائه والناس من حوله.
والكثير من الأحزاب فشلت وسقطت لأن عجينتها غير مختمرة , وحشوتها غير ناضجة , ومعدومة الإعداد الخبير.
وأظن جميع الذين يسمون أنفسهم سياسيين , يجهلون صناعة الكليجة , كما تصنعها أمي وأمهاتكم وأمهاتهم , وفي هذا الجهل تكمن مأساة شعب وأمة , أضاعت قدرات التحضيرات اللازمة لصناعة ما تريد.
قلت لصديقي: شكرا على هذه الكليجة الطيبة المنعشة.
ومضينا نتسامر ثقافيا وفكريا وفلسفيا , وكانت الكليجة اللذيذة مسامراتنا أيضا , وقد أضفت عليها مضيفتنا نكهة عراقية رقراقة!!
وبعد أسابيع أهداني صديقي “كليجة محشوة بالتمر” , فأشرع أبواب شهيتي لألتهم منها ما يساعدني على صناعة كليجة محشوة بأفكار ذات قيمة تربوية وحضارية.
فهل لكم أن تطعمونا كليجة محشوة بأفكار المحبة والأخوة والرحمة والحرية والأمن والسلام.
ما أطيب الكليجة الأصيلة , التي تجمعنا ولا تفرقنا , وتعيدنا إلى رشدنا وطبيعتنا الكريمة الحميمة , فتعالوا نأكل الكليجة , ونشرب أقداح الشاي , لنعرف الحياة!!
فشكرا لصديقي , وأيامكم سعيدة!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here