نهاية حقبة أم نهاية فاسدين

د. عبدالرضا الفائز
[email protected]

يوم صدفة تقرأ، مصادقة مجلس الوزراء على تمليك كتلة سياسية (أو أفراد) بعض أملاك الدولة بأسعار رمزية (ليصبح ما قيمته المليارات بضع ملايين) أو تسمع مثلا عن وجبة كباب بثمانين مليون دينار وسجل ضيافة في سنة واحدة لمحافظ (هارب) بسبعة مليارات. وغير ذلك من فضائح على سعة العراق وفي أعلى المراتب، تدرك مقدار النخر الذي وصله الفساد في العراق ودرجة التهتك التي آلت لها الطبقة السياسية وطبعتها “المعروفة” في شبهات الفساد، مما جعل العراق البلد الأكثر فسادا في العالم. لأن ذلك يعني إن هناك تخادمات وتشريعات غير طاهرة في خيانة حراس. وذلك أمر لم يمر في تاريخ العراق الحديث بدءاً بفيصل الأول حتى 2003 عدا إستثناءات في عهد المقبور، الذي على أثره في ذلك سارت الطبقة السياسية بعد السقوط وأنحدرت ربما إلى أبعد من ذلك في حدود.

يوم أحتقرنا صدام وهربنا (في أقل إيمان) من تجويع بطشه ودناءة ممارساته، لم نعتقد أو نصدق إن يوم سقوطه صنما في 2003 سيقدم لنا بعده سنوات رموز عجز وعطالة، لا يتورعون أن يستخدموا زهد علي وعدل عمر (كل في جهته) لجعل الدين مصيدة للدنيا في خداع للبسطاء لتحاصص المناصب وحيازة الأمتيازات، وتعدد العطايا والرواتب من أجل النهب والتسلط. فقدموا قدوات هزيلة القيمة، هزأت من الفضيلة والتقوى، وأستهانت بالأخلاص والطهارة، وأبتعدت عن القيمة والبراءة، فأنحازت للنهب والتفاهة. حرستهم المصفحات وتقدمتهم الصافرات خوفا من ضعف أمن أهانوه، في تبجح صغار في النفوس والقامات والعقول.

أن يعيش العراقيون قصص سلطة الفساد والإفساد التي تزكم النفوس وتدمي القلوب وتجرح العيون في زمن قدم الفقراء (رغم الحاجة والبطالة) أرواحهم دفاعا عن التراب، فإن ذلك يعني إن هناك خللا وثقافة مزورة يودوها “محنطة أن تبقى” لا يقبلون كشفها أو يتسامحون مع فضحها لإنها الجسر الذي عليه يقفون والبرج الذي عنده يمرحون ومنه يتطفلون.

ونقرأ في الحاضر قصصا عن نظافة أيدي الرجال ما قبل الجمهورية. وفي حكم أبن قاسم وثلة ضباط (سمتهم التواضع والطهارة) بدءاً من 1958 حتى الإنقلاب المشبوه 1963، ورغم التوترات والقصور السياسي في الداخل والخارج كانت إنجازاتهم مشهودة (عدا عثرات الزراعة). ورغم إرتكاسات وشحة حكم أبناء عارف، لا يذكر عنهم قلة طهارة أو محاباة رخيصة لأقارب. وحكم البعثيون بدءاً من 1968 حتى مجزرة قاعة الخلد 1979، فكانت إنجازاتهم مشهودة ومسجلة. فقد رأيناهم آنذاك يزرعون ويكنسون ويحرسون، وبالقطعتين مسؤولين بلا حمايات لباسا بين الناس يتجولون، وفي طوابير التقشف كانوا يقفون. فهل يقبل رجال الحقبة الذين سهل لهم بريمر (تفضلا أو فخا) تسلم السلطة أن يقولوا ماذا عملوا في السنوات التي تلت، غير توزيع ما يبقى (بعد حيل نهب وتشريعات حرام) من واردات النفط في رواتب، بلا تنمية أوتخطيط، مع تراجع الأمن والعمل، وفشل الأداء وشيوع الرشى، وتفاقم الأزمات وتوالي النكبات، في ضياع الحاضر وغموض المستقبل.

لقد أنقذتهم والعراق فتوى الجهاد والحشد، ودعم الدول، وشجاعة جيش أراد له الأعداء الضمور والأنكماش، من الأنجاس الدواعش. فهل يعقلون ويعتبرون فيشكرون، ومما استباحوا يكتفون؟ إننا في شك من ذلك ، لأن الطبع الدائم سيغلب (بدون صرامة قصاص) التطبع الطارئ. فالسياسيون نوعان: نوع طاهر الروح، مخلص النفس، أبي الذات، نقي الضمير، له مبدأ، وفي قلبه قضية تعرّف سلوكه وعيش حياته. ونوع آخر إنتهازي منافق، بالكذب يتاجر، وبلا قيم مطففا يبيع، إيمانه مع الرصيد، وقلبه على منصب وخزائن حيث تكون، فمن أجلهما مبدأه يتلون وبهما يكون. الأول بركة تمجده وبه يمتثل الآخرون، والثاني لعنة وزيف ووساخة، وكل تأخير في عقابه خيانة لشئ أسمه وطن.

لقد قالت إذاعة أجنبية يوما، إن البعث قد أصطادا الحزب الشيوعي العراقي يوم أدخله في مكيدة أسماها “جبهة”. ويبدو إن أمريكا كررت اللعبة للإسلام السياسي حين أدخلته في مصيدة أسمتها “سلطة” لمن يسكرون بها فينسون الواقع ويموت فيهم الأحساس بالخطر الذي تأخذهم إليه والموت الذي تدعوهم له، فينسون إن الدنيا تدور وإن العقاب آت. حدث ذلك (ويحدث) في العراق ومصر وسوريا وليبيا واليمن. وفي جعبة الدهاة من القادم كيدٌ ما نسأل الله الستر منه. لكننا سنبقى نتذكر ما قاله وصي وإمام: أأمنوا بطونا جاعت بعد شبع فالخير فيها أصيل، وأحذروا بطونا شبعت بعد جوع فالخير فيها دخيل.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here