كيف خسر اكراد العراق تعاطف جيرانهم؟

محمد رضا عباس
يتم الاستفتاء او لا يتم , يتم اعلان الاستقلال او لا يتم , فان اكراد العراق سيحتفلون وحدهم . الاكراد خسروا التعاطف المحلي والإقليمي و الدولي مع قضيتهم , اعلان الدولة الكردية . على الكرد ان لا يلوموا الا أنفسهم. الكرد خيبوا امال العالم برفضهم إلغاء او تأجيل الاستفتاء المزمع اجرائه في يوم 25 أيلول من هذا العام.
انفصال او استقلال مجموعة بشرية من بلد لا يشعرون الانتماء له , ليست حالة فريدة في التاريخ العالمي , حيث ظهرت حالات عديدة خلال الخمسة والعشرون سنة الماضية , منها استقلال تسعة دول من الاتحاد السوفيتي بعد انهياره , انقسام جاكسلوفاكيا الى دولتين , يوغسلافيا الى أربعة دول , والسودان الى دولتين . كل هذه الدول الجديدة , عدا حالة يوغسلافيا والسودان , تم انفصالهم بهدوء و برضاء الأطراف المعنية , وستمرت علاقاتها السياسية والاقتصادية على احسن ما يرام , وبقى الود والاحترام بين أبناء المجتمعات قبل وبعد الانفصال .
لقد فشل قادة إقليم كردستان امتحان الانفصال , وهم من المعتقين في فن السياسة , فهم أصحاب تاريخ طويل في النضال , ولا ينافسهم أحدا في تاريخ النضال الا الحزب الشيوعي العراقي . قادة إقليم كردستان في حاجة شديدة الى مكتب علاقات يرمم ما خربه الجهلاء من علاقات جيدة مع عرب العراق , الدول العربية والإسلامية , والعالم . ثورة التصريحات بخصوص الاستفتاء والاستقلال والتي غالبا ما تصاحبها من تهديد ووعيد واهانة الى العراقيين العرب لا يمكن تفسيرها الا ان هناك فوضى في القرار السياسي في إقليم كردستان واصبح كل حزب لا يعرف ما يريده الحزب الاخر , او ان قادة كردستان يريدون الاستفادة القصوى من الانفصال على حساب جميع مكونات الشعب العراقي , خاصة وان العراق منشغل بمحاربة افظع تنظيم إرهابي عرفته منطقة الشرق الأوسط بعد حركة الخوارج .
تحقيق الانفصال لا يتم عن طريق تحشيد المواطن العادي الذي لم يقرأ كتاب في التاريخ او السياسة. او اعلان الانفصال عن طرف واحد بدون تفاهمات مع الاخرين , او الانفصال بسبب ان حزب معين لا يعجبه البقاء في بلد واحد , او بسبب رجل واحد يريد ان يخلد اسمه على حساب جبل من جماجم الأبرياء. الاستقلال او الانفصال يحتاج الى رجاله وأسبابه. اشعر , بكل اسف , غياب هاذين الشرطين الان في كردستان . رجاله متشتتين بين رافض بشدة وموافق بشدة وما بينهما من يتوعد الرافضين بالويل والثبور وعظائم الأمور. كما واشعر بعدم وجود سبب لهذا الانفصال , وان المكون الكردي يتمتع بامتيازات في العراق لا تتوفر لأبناء قوميتهم في دول أخرى . ان خسارة إقليم كردستان ستكون أعظم من خسارة العراق بدون كردستان.
الانفصال الودي لا يتم من خلال السماح لبعض الجهال من المجتمع الكردي بحرق العلم العراقي امام الكاميرات. العلم العراقي يمثل المجتمع العراقي بكامله , وان حرقه يعد إهانة للكردي والعربي , للمسلم والمسيحي والصائبي والايزيدي , واهانة للشيعي والسني. حتى اعتذار وزارة البيشمركة لهذا العمل المدان جاء خجولا , حيث يقول ان تحت هذا العلم قد اوهين الكرد وقتلوا . ولكن الكرد يعلمون جيدا ان العرب قتلوا تحت هذا العلم أيضا , وان العلم لم يكن هو السبب وانما النظام الحاكم الذي قتل من جميع المكونات العراقية , وان هذا النظام اصبح في خبر كان ولن برجع ابدا, فلماذا تدينون نظام ديمقراطي تعددي بجريرة نظام قمعي سقط ولم يعد . الانفصال الودي لا يتم من خلال السماح لطائشين بترتيب حفلات مع الصهاينة وهم يرفعون العلم الكردستاني والعلم الصهيوني , واخر يصلى على العلم الصهيوني , تعبيرا عن شكره لإسرائيل لدعمها الانفصال . أتمنى على قادة الكرد ان يفهموا شعبهم , ان الشعب الفلسطيني يقتل على ارضه . وضع العلم الكردستاني بجانب العلم الإسرائيلي سوف لن يشرف القضية الكردستانية , وسوف يبعد جميع المتعاطفين من العرب والمسلمين مع الاكراد , الان وفي المستقبل .
سياسي اخر من كردستان يصرح بكلام مثل ” لا اتشرف ان أكون عراقيا”, متى كان العراقي نجس والعالم بكامله تدين الى حضاراته ؟ هذا عراق الأنبياء و الأولياء الصالحين , عراق سومر واكد , عراق الخير والعطاء , يأتي سياسي يقول لا اتشرف بان أكون عراقيا. اعتب على كاكا مسعود ان لم يضرب وجه هذا السياسي النذل بجزمته. ولكن العتب يتلاشى وانا اقراء تصريحات أكثر عدوانية من هذا التصريح. أتذكر قبل شهرين او ثلاث منعت الحكومة المركزية استيراد الدجاج من كردستان لأسباب صحية , فكان جواب كردستان تجاه بغداد بانها ستقطع المياه عن الجنوب ! هل هذه سياسة ام بلطكه وعفتره . وهل تصريح مثل ” كروك كردستانية واي قوة تفكر في استردادها سنواجهها حتى الموت” , تصريح يبشر العراقيين بالسلام بعد القضاء على داعش؟ الا يكفينا قتل وموت يا سيد مسعود؟ الا يستحق العرب والاكراد العيش بسلام مثل خلق الله؟ . لماذا يحق لك الاستيلاء على كركوك ولا يحق للحكومة التي تمثل جميع أطياف الشعب العراقي الاستيلاء عليها واعتبارها محافظة تعود لكل العراقيين؟
تصريحات عدوانية كثيرة خرجت من الإقليم , كان من المفروض ان لا تخرج. كان من المفروض على القيادة الكردية ان تقصي كتاب اليمين المتطرف , وتقديم كتاب متزنين الى الواجهة حتى وان دعوا الى الانفصال و الاستقلال . من حق الاكراد الانفصال ولكن ليكون الانفصال بتعقل وهدوء لا بالتهور والعنتريات التي نسمعها كل يوم. ان هذه التصريحات تسمع ليس من قبل العراقيين العرب وانما من قبل ايران وتركيا , بدون شك ان القيادتين الإيرانية والكردية سوف لن تستجيب لمطالب المكونات الكردية في بلدانيها , خوفا من الدرس العراقي . اكثر من ذلك , سوف لن تخرج تظاهرات في شوارع طهران تطالب الحكومة الإيرانية بتحقيق رغبات وطموحات الاكراد في ايران , مثل ما كان عرب العراق يتظاهرون في بغداد تأييدا للحركة الكردية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. وبدون شك سوف لن تخرج تظاهرات في شوارع تركيا تطالب اردوغان بمنح اكراد تركيا حقوقهم مثل ما كان عرب العراق يخرجون في بغداد والمحافظات العربية الأخرى. الكرد قد يتحقق حلمهم في دولة صغيرة من ارض العراق , ولكن هذه الدولة سوف لن يكن لها جيران أصدقاء .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here