ماذا سيخسر العراق من انفصال إقليم كردستان؟

محمد رضا عباس
اقتصاديا , العراق سوف لن يخسر شيء من انفصال إقليم كردستان من جسده . انفصال الإقليم قد يقلل حجم الإنتاج المحلي العراقي (السلع والخدمات المنتجة خلال عام واحد) , ولكن انفصاله سوف لن يقلص دخل المواطن العراقي , دخل المواطن او المستوى المعاشي للمواطن العراقي سيبقى بدون تأثير ان لم يتحسن وذلك باستخدام الإيرادات النفطية كلها , بدون إقليم كردستان , و خسارة بعض رجال الاعمال الكرد أعمالهم في بغداد الى اخرين .
العراق سوف لن يخسر مكانته بصناعاته طائرات نقل الركاب , لان Boeing ليس لها فرع في كردستان , والعراق سوف لن يخسر مكانته في صناعة السيارات , لان كردستان ليس لها فروع لصناعة سيارات Volkswagen او Ford, او Chevrolet. والعراق سوف لن يخسر موقعه في صناعة الآلات الثقيلة , لان كردستان ليس لها فرع انتاج لشركة Caterpillarالامريكية او Hitachi اليابانية. والعراق سوف لن يخسر صناعة الأجهزة الكهربائية , لان كردستان ليس لها فرع لشركة Samsung الكورية , والعراق سوف لن يخسر انتاج الحنطة والشعير, لان انتاج الحبوب في الإقليم لا تكفي حاجة حتى سكانه. والعراق سوف لن يخسر لبن أربيل , لان لبن أربيل اصبح يباع في بغداد والبصرة وفي ديترويت وشيكاغو وكاليفورنيا . والعراق سوف لن يفتقد كباب السليمانية، لان كباب الفلوجة قد ربح المنافسة معه. والعراق سوف لن يخسر فواكه كردستان لان هناك فواكه تستود من إيران وتركيا بجودة عالية. العراق سوف يخسر بألم مكون عظيم , مشهود له بالكرم والوفاء وطيبة القلب . ولكن اقتصاديا العراق سوف لن يخسر بسبب الانفصال , لان لا إقليم كردستان عنده القاعدة الاقتصادية المؤثرة على بغداد , ولا بغداد لها القاعدة الاقتصادية العظيمة التي ستخسر سوق كردستان , بغداد واربيل يعيشون على انتاج دول أخرى ! سفرة الى بغداد واربيل تكشف لك حجم التخلف التي تعيشانه العاصمتين , حيث اصبح سوق كلا منهما ملتقي البضائع الأجنبية .
إقليم كردستان فشل في بناء اقتصاد متنوع يحميه من التراجع الاقتصادي , وانما اتخذ الإقليم سياسة الدول المصدرة للنفط الاقتصادية , الاعتماد الكلي على صادرات النفط وترك بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى بدون رعاية . اكثر من ذلك , ان الإقليم اتبع سياسة نظام صدام حسين في استعمال أموال النفط في شراء ذمم مناصريه و ذلك عن طريق التعيين الوظيفي . في إقليم كردستان هناك 1.6 مليون (70% من مجموع الطبقة العاملة في الإقليم) مواطن يستلم راتبه الشهري من حكومة الإقليم , وهو رقم كبير اذا ما قورن مع حجم سكان إقليم كردستان البالغ 5.5 مليون نسمة . لقد وصل الحال في إقليم كردستان تعيين أربعين حارسا ورجل امن لحماية مستشفى صغيرة في أحد الاقضية.
توزيع الوظائف على المجتمع الكردي من قبل احزابه الكبرى من اجل شراء الولاء , لم يشكل مشكلة كبيرة في أعوام 2011 , 2012 , 2013 , و 2014 , ولكن المشكلة الكبيرة التي وقعت على راس قادة الأحزاب المتنفذة في الإقليم هو بعد انخفاض سعر النفط في الأسواق العالمية , لقد وصل ايراد كردستان من بيع نفطها ما يعادل 400 مليون شهريا , بينما أصبحت حاجة الإقليم لدفع رواتب موظفيه ما يعادل 700 مليون دولار , وهكذا اصبح الإقليم يعاني من عجز مالي شهري قاتل , اضطرته الى توقيف معظم المشاريع الاقتصادية ( 3,700 مشروع) , تخلف في دفع رواتب موظفيه , وافلاس العشرات من المقاولين والمتعهدين الاكراد ( 1500 شركة) , وتراكم الديون الداخلية والخارجية على الإقليم (15 مليار دولار).
حصة النفط في ميزانية الإقليم أصبحت تشكل على الأقل 80% من مجموع إيرادات الإقليم وحوالي 85% من مجموع صادراته وحوالي 50% من انتاجه المحلي. هذا الاعتماد الكبير على الإيرادات النفطية جعل اقتصاد إقليم كردستان عرضة لتقلبات السوق العالمية للنفط. الانهيار في سوق النفط العالمي كان هو السبب في عدم استطاعة حكومة الإقليم دفع رواتب الموظفين , انهيار الطلب العام على السلع والخدمات داخل الإقليم , عدم استطاعة حكومة الإقليم تمويل مشاريعها , عدم استطاعة حكومة الإقليم دفع مستحقات شركان النفط العاملة في الإقليم , افلاس العشرات من المقاولين , افلاس البنوك العائدة الى حكومة الإقليم . التدهور الاقتصادي هو الذي أدى الى هجرة الكثير من الكرد الى أوربا بحثا عن فرص عمل , خروج تظاهرات تندد بسياسة الإقليم الاقتصادية , وظهور رفض شعبي تجاه قادته .
الإقليم فشل في بناء اقتصاد متعدد الجوانب لا يعتمد على النفط فقط , وانما على قطاع زراعي متطور وقطاع صناعي قادر على الأقل اشباع حاجة مواطنيه . الإقليم لم يستطع في كلا الحالتين وذلك بسبب تفشي الفساد الإداري والمالي في الإقليم والذي تقودهما الأحزاب المتنفذة في الإقليم. في الإقليم لا يمكن لرجل اعمال البدء في عمله بدون دفع رشاوي للأحزاب المتنفذة او تعيين اشخاص من انصارهم. وهكذا فان حتى نسبة النمو الاقتصادي في الإقليم في سنوات الوفرة المالية (2003 الى 2014) كان مصدرها التجارة والعقارات , وهي حالة لا يمكن الاستمرار عليها في زمن الشحة ( 2014 لحد الان) .
المرض الهولندي الذي أصاب الدول المصدرة للنفط , (الاعتماد المتزايد على عوائد النفط ) أصاب إقليم كردستان أيضا . الفساد الإداري وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وعدم رعاية القطاع الخاص في الإقليم هو السبب في زيادة اعداد العاطلين عن العمل (20% من العاطلين) وهروب الكثير من الشباب خارج الإقليم للبحث عن العمل. وبكل اسف ان اغلب الهاربين من الشباب اختاروا أوروبا وليس الدول العربية والسبب هو سياسة الإقليم في نشر اللغة الكردية على حساب اللغة العربية. لا اعتقد ان هذه السياسة تشكل مشكلة , لان من حق الكرد في نشر لغتهم على ارضهم ولكن المشكلة هو عدم نشر اللغة العربية بين الاكراد سوف يخلق لهم مشكلة في التعامل مع العرب سواء انفصل الإقليم او لم ينفصل . في حالة الانفصال , فان الكردي سيجابه مشكلة التفاهم مع جيرانه وحتى أداء عباداته , واذا لم ينفصل الإقليم فان الاكراد سيواجهون مشكلة التقديم الى الوظائف الفدرالية , حيث ان سياسة الحكومة هو التحدث باللغة العربية . في الولايات المتحدة الامريكية من حق كل قومية التحدث والتثقف بلغتها ولكن سيكون على المواطن الأمريكي الذي لا يتحدث اللغة الإنكليزية الجلوس في بيته , لأنه لا يستطع العثور على عمل في مجتمع يتحدث اللغة الإنكليزية.
وعليه , فان معانات إقليم كردستان لا تختلف كثيرا عن معانات المركز , بغداد . كلا العاصمتين فشلا في تطوير اقتصادهما , وكلا العاصمتين أصبحت تعاني من الركود الاقتصادي والذي اصبح العربي والكردي هو الضحية الأول والأخر . في محاضرة في واشنطن قال نائب رئيس وزراء إقليم كردستان قوباد طالباني ” التحدي الذي يجابهه الإقليم هو ليس الحرب مع داعش , ولا استضافة 1.8 مليون لاجئ عراقي وسوري , ولا حتى المشاكل السياسية التي يعاني منها الإقليم , التحدي الكبير الذي يواجه إقليم كردستان هو الحالة الاقتصادية”. اعتقد الشعب الكردي يجب ان يفكر بخبزه لا باستقلاله من بلد اعطى له كل شيء .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here