أوقفوا النزاعات العشائرية قبل ان تصل بيوتكم , في الخضراء

أوقفوا النزاعات العشائرية قبل ان تصل بيوتكم , في الخضراء
محمد رضا عباس

قلناها ونقولها مرة ثانية وثالثة , ان وجود عشائر مسلحة منفلتة تشكل تحدي كبير على التقدم الحضاري , العشائرية في الضد من التقدم الاقتصادي والثقافي والاجتماعي . وما يخص بالجانب الاقتصادي , فان النزاعات العشائرية المتكررة سوف لا ينتج عنها الا الفقر والتخلف . التنمية الاقتصادية تحتاج الى استقرار امني وسياسي واحترام القانون , وان وجود نزاعات عشائرية متكررة إشارة الى عدم احترام العشائر المتنازعة للقانون . الاضطراب الأمني المتكرر يؤدي الى هجرة مواطني المدن المضطربة ولاسيما الطبقة المثقفة منها , هروب أصحاب المال منها , وحتى رفض الدولة من تأسيس برامج تنموية فيها .المدن الملتهبة تصبح أماكن يقضي الموظف الفاشل والغير مرغوب به , كما كان يجري في العهود السابقة , حيث كانت الوزارة تقوم بنقل الموظفين الغير مرغوب بهم الى المناطق النائية للبلاد كعقوبة رادعة لهم , وبذلك فانه لا يرجى لهذه المدن التقدم والازدهار وبعض موظفيها من المطرودين من دوائرهم الرئيسية.

لماذا لا يتلاقى خط الاضطراب الأمني مع خط التنمية الاقتصادية؟ لان الاضطرابات الأمنية تطرد الاستثمارات والمواهب الإدارية. هذه العلاقة اثبتتها المئات من الدراسات العالمية , وأثبتت صحتها . نيجيريا وهي من الدول النفطية ولكن كثرة النزاعات العشائرية جعلت نصف اراضيها متروكة , لا يمكن استغلالها , وهي مناطق زراعية بإمكانها ان تغذي جميع سكان افريقيا . الاضطرابات الأمنية في أمريكا اللاتينية بقيت متخلفة اقتصاديا بسبب كثرة الاضطرابات الأمنية , بالوقت الذي ظلت الولايات المتحدة الامريكية وكندا تنعمان بالاستقرار الأمني و الازدهار الاقتصادي المضطرد . ان من له خمسة مليون دولار لا يستثمرها في بلد لا يستطيع مواطنيه السير في شوارعه بعد السادسة مساءا خوفا من الاختطاف او القتل , ولا يستثمر أمواله في بلد تتحكم به الأحزاب لا القانون , لان من الصعوبة إرضاء جميع الأحزاب المتصارعة , ولا يمكنه استثمار أمواله في مدينة تتحكم بها قبيلة معينة على حساب قبائل أخرى و قوانين الدولة.

العراق لم يعاني من ازمة مالية طيلة حياته (فقط فترة الحصار العالمي ضد بغداد بسبب احتلال العراق لدولة الكويت) , الا انه فشل في بناء دولة متقدمة اقتصاديا ينعم مواطنيها بخيراتها , لان جميع الحكومات المتعاقبة لم تستطع من زرع روح المواطنة في قلوب العراقيين . العراق حكم من قبل حكومات مستبدة , لا تحترم الحريات الشخصية , ولا حرية الراي , او الاختيار . هذا التوجه الحكومي خلق مواطن لا يكترث كثيرا بقوانين الدولة , وان احترمها فهو مرغم عليها . بل ان الحكومات المتعاقبة لم تشارك المواطن في اصدار ميزانية الدولة , وأصبحت هي الوحيدة في تقرير اين ومتى تستثمر أموالها , غير مكترثة براي المواطن . هذا التوجه جعل من المواطن ان يكون في حاجة مستمرة للخدمات الحكومية , و توفير فرص العمل .

لقد اثبتت التجارب , ان الحكومة وحدها لا تستطيع توفير فرص العمل لجميع مواطنيها, وان الجهة الوحيدة التي باستطاعتها توفير فرص العمل لجميع سكان البلد القادرين على العمل هو القطاع الخاص . ولكن القطاع الخاص قبل ان يبدئ باستثمار أمواله في مشروع معين يحتاج الى توفير الامن , وان عدم توفير الامن سوف يحرم مدن مهمة من فرص العمل , كما يحدث الان في مناطق الجنوب العراقي . تكرار النزاعات العشائرية في الاهوار سوف لن يشجع ابنا المدن الأخرى زيارة هذه المناطق الجميلة , وسوف لن يشجع أصحاب المال بفتح مطاعم تستقبل الزائرين ولن يشجع أصحاب المال في بناء فنادق راقية كبيرة تستوعب الزائرين , وبذلك سوف يحرم سكان هذه المناطق من نعمة الاهوار , وعدم التحسن في مستوى معيشتهم.

بكل اسف , أصبحت النزاعات العشائرية بدون انقطاع في الجنوب العراقي , وان استطاعت القوات الأمنية فض نزاع معين في البصرة , يظهر اخر في العمارة , واخر في اطراف بغداد , والأخر في ذي قار. بعض هذه النزاعات يستعمل فيها الأسلحة المتوسطة والثقيلة. قبل أيام قليلة نشرت سكاي برس حديث لمدير شؤون العشائر في وزارة الداخلية يقول فيه ” لدينا الان مشاكل و نزاعات عشائرية في محافظتي البصرة والعمارة وفي بغداد العاصمة ,…وان اكبر مشكلة حاليا هي موجودة في بغداد وتبدا من غروب الشمس الى الفجر , وتشهد اطلاقات نارية ونزاعات بين العشائر , وخاصة في شرق القناة وتستخدم بها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة وفي هذه الحالة يراد قضاء و قانون قوي”.

ان استمرا النزاعات العشائرية في الجنوب العراقي هي التي دعت وكالة رويترز بكتابة تقرير كبير يحذر الحكومة من تفاقهما في ظل فراغ امني وسياسي كبير، خاصة في محافظة البصرة , والتي تعد العاصمة الاقتصادية للبلاد. ان استمرار النزاعات العشائرية , أسبابها في بعض الأحيان بسبب مشاجرة أطفال , سوف يعطل التنمية الاقتصادية في المحافظة , خاصة وانها متخلفة أصلا قياسا مع الدول العربية من الجنوب منها وهي اقل ثروة , ويعطل التنمية الاقتصادية في البلد , لان فقد نفط البصرة يعني فقد 80% من تخصيصات الميزانية العراقية. لقد كان السيد عمار الحكيم على حق , عندما دعا عشائر الجنوب على العمل لاستتباب الامن في مناطقهم خدمة للاستثمار , لان الاستمرار على هذا النزاعات سوف تجعل المدن خطرة على أرواح البشر , وتؤدي الى طرد الاستثمار العراقي والاجنبي منها و يؤدي الى تخلف المحافظة ويسبب مشاكل اجتماعية كثيرة منها انتشار بيع وشراء المخدرات .

على الحكومة العراقية التعامل مع النزاعات العشائرية بكل قوة واقتدار، وان تطلب سحب بعض القوات المقاتلة على جبهات القتال مع داعش , لان من يتنازع من اجل مشاجرة أطفال مستعملا الأسلحة الخفيفة والثقيلة , سوف لن يتردد باستخدام هذه الأسلحة ضد النظام مع أي خلاف . انها حالة خطيرة , كما وصفها مدير شؤون العشائر , خاصة وان النزاعات تتركز في بغداد والبصرة , الأولى عاصمة العراق السياسية والأخرى عاصمة العراق الاقتصادية , وان ترك الموضوع مؤجل وبدون معالجات حاسمة سيكون من السهل على من يحمل السلاح المتوسط والثقيل احتلال ” قلعة المنطقة الخضراء”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here