حق الشعوب في تقرير مصيرها لا يتجزأ ولا يُهادِن

جرى ولم يزل يجري كثير من الحديث حول الإستفتاء الذي ستقوم به حكومة اقليم جنوب كوردستان ، او بالأحرى بعض ممثلي هذه الحكومة ، في الأيام القادمة من هذا الشهر ايلول لعام 2017. وقد تناول المتحدثون عن هذا الأمر مسألة إجراء الإستفتاء وكأنها كارثة تحل على وطننا العراق حيث سيعرضه هذا الإجراء الى التقسيم الذي لا مناص منه . وقد مثل هذا الرأي بعض المخلصين حقاً لوحدة التراب العراقي الذي تعيش على ارضه مختلف الأديان والقوميات منذ آلاف السنين ولفترات عمرية متفاوتة لهذا الجانب او ذاك. كما مثل هذا الرأي ايضاً بعض الفئات التي لم تشعر بنوع من الخجل ، الذي فقدته منذ امد بعيد ، وهي تتباكى على وحدة العراق وتذرف دموع التماسيح في الوقت الذي تعمل احزابها ومؤسساتها السياسية والعسكرية وكل مخالبها الوحشية في كل اجهزة الدولة العراقية ، تعمل على تفتيت وحدة العراق من خلال تفتيت وحدة شعبه الذي قسمته احزاب الإسلام السياسي وكل القوى الشوفينية العنصرية المساندة لها في العملية السياسية منذ نيسان عام 2003 وحتى يومنا هذا ، إلى مذاهب وطوائف وعشائر ومناطق ، ولا تشمل هذه الواجهة قومية بذاتها او طائفة بذاتها ، بل انها تضم كل تلك الفئات التي ساهمت في سياسة المحاصصات الطائفية والإنتماءات الشوفينة والإصطفافات المناطقية على حساب الهوية الوطنية المشتركة التي لم تحترمها هذه الفئات في يوم من الأيام ، والتي تتباكى عليها اليوم. ومن الجانب الآخر الذي ينطق بعضه باسم الكورد ، ولا ندري كيف تم هذا التخويل ، يتحول الإستفتاء إلى فرصة موآتية للنيل من شعب آخر عاش مع الشعب الكوردي وتقاسم معه في كثير من الحالات مآسي الظلم والإضطهاد والقمع ، وناضل في احيان اخرى مع الشعب الكوردي في سبيل حقوقه القومية التي سلبتها القوى الشوفينة العربية والتركية والفارسية على كل اوصال كوردستان المُقطعة بسيوف السياسة الإمبريالية التي تتهادن معها قوى العداء والضغينة هذه ، وكأن الشعب العراقي اصبح بين يوم وليلة العدو اللدود وليس ذلك الشعب الذي علت هتافاته على كل اجزاء وطنه تطالب بالسلم في كوردستان والديمقراطية للعراق وقدم الكثير من الضحايا والشهداء في سبيل ذلك . اما الجانب الآخر من إعلان عداء بعض القوى الكردية ، التي لا تخلو تصرفاتها العاطفية من الجهل بالتاريخ، للعراق وشعبه من خلال إبراز العلاقات الحميمة مع الصهيونية العالمية وحكومتها في اسرائيل ، في الوقت الذي بلغت فيه جرائم الحركة الصهيونية العالمية ضد شعب آخر شأناً لم يستطع انكاره حتى الصهاينة انفسهم حينما يتحدثون عن مجازرهم المتكررة بحق هذا الشعب .
وللحديث عن هذين الموضوعين لابد لنا اولاً من طرح موضوع الحق الأممي في تقرير المصير لأي شعب من الشعوب موضع النقاش الجدي الذي لا يقبل المساومة بأي شكل من الأشكال . كما لا يقبل التهادن مع مضطهدي الشعوب الأخرى.
إن اولى القناعات التي ينبغي الإعتراف بها وممارستها فعلاً من خلال التوجه لتفعيل هذا الحق هي ان هذا القرار الأممي لا ينظر إلى تقرير المصير من خلال ارتباطه بشعب معين او بعدد سكاني معين او بدين او قومية او منطقة ما . انه من حق اي شعب صغيراً او كبيراً ، غنياً او فقيراً . وهذا بالضبط ما ينطبق على الشعب الكوردي الذي جزأَ منتصرو الحرب العاليمة الأولى اوصاله بين ثلاث قوميات ظلت تتعامل مع هذا الشعب ، في معظم الوقت ، من منطلق القومية الكبرى التي مارس الكثير من حكامها سياسات القمع والإضطهاد والتشريد والتنكر للحقوق القومية للشعب الكوردي القابع تحت جبروت انظمتها الرجعية الشوفينية المتخلفة . لذلك فإن مسألة تحقيق المصير للشعب الكوردي لا ينبغي النظر اليها من خلال تحقيق جزء منها وترك الجزء الآخر في مهب الريح تتنازعه رغبات الحكام العنصريين من العرب والفرس والترك. أي ان ما يمكن تحقيقه في كوردستان الجنوبية في الوقت الحاضر يجب ان يكون منطلقاً ومثالاً نموذجياً حياً لباقي اجزاء كوردستان التي يجب مساعدتها لتحقيق هذا التوجه ايضاً . إلا ان ما نراه اليوم من بعض ساسة اقليم جنوب كوردستان الذين جعلوا من عملية الإستفتاء على تقرير المصير التي لا يعارضه اي كوردي ، بل لا يعارضه كل من يؤمن بالعدالة الإنسانية والتآخي بين الشعوب ، جعلوا من هذه العملية انطلاقاً لبث العداء بين الشعوب ، وخاصة فيما يتعلق بالشعب العراقي ، ولمغازلة السياسة التركية الشوفينية ودكتاتورية ولاية الفقيه العنصرية ، بغض النظر عما يعانيه الشعب الكوردي من ويلات ومآسي تحت انظمة هاتين الدولتين المستبدتين . كما لم يأخذ نضال الشعب الكوردي ضد النظام البعثي العنصري في سوريا ومواجهة المنظمات الإرهابية التي عملت على تدمير المناطق الكوردية واحتلالها والتي قاومها ابطال المقاومة الكوردية بكل بسالة وايمان بقضيتهم العادلة ، لم يأخذ هذا النضال الدامي ما يستحقه من الدعم والإسناد المادي والعسكري والسياسي من قبل مَن جعلوا من حق الشعب الكوردي شعاراً يتجاهل القسم الأعظم من هذا الشعب . إن تجزأة هذا الحق امر لا يمكن القبول به حتى وإن اتبع بعض العنصريين الكورد كل ما بجعبتهم من الوسائل لإستغلال هذا الحق الإنساني الأممي بغية الوصول إلى مآرب اخرى لا تصب في مصلحة عموم الشعب الكوردي ولا تحترم نضاله البطولي في سبيل حقوقه القومية على كل ارض كوردستان وليس على جزء منها .
أما بالنسبة للعراق فقد اخذت القضية الكوردية فيه ابعاداً اخرى تراوحت بين القمع والمهادنة وحتى التفاهم احيانأ. إذ ان المطلعين على الوضع السياسي العراقي عن كثب وفي عهوده المختلفة، يعلمون جيداً ان نضال الشعب الكوردي في العراق حظى ويحظى بالتأييد الكامل من قبل القوى الوطنية العراقية التقدمية. ويمكن القول، مع الأسف الشديد، بأن ظاهرة التأييد هذه لم تبرز بهذا الشكل الواضح من الشعوب الأخرى التي يتواجد بينها الشعب الكوردي على مختلف بقاع كوردستان الشمالية والشرقية والغربية . وكان هذا التاييد الواضح لنضال الشعب الكوردي يشكل واحداً من العوامل الأساسية التي كانت تؤثر سلباً على العلاقات بين القوى السياسية المؤيدة والمعارضة، خاصة مع تلك القوى القومية العربية الشوفينية التي تتبنى الصهر القومي لكل القوميات القاطنة بين العرب. واستناداً إلى هذا الفهم العربي الشوفيني للعلاقة بين القوميات المختلفة سعت بعض الحكومات العراقية إلى وسائل القمع والإرهاب والملاحقات والتهجير للشعب الكوردي وحركته التحررية. وحتى اشتعال الحرب على الشعب الكوردي في كوردستان الجنوبية من قبل الحكومات العراقية، فإن ذلك لم يؤثر على المواقف المبدئية للقوى الوطنية العراقية التي ظلت تعلن وقوفها الدائم والصريح إلى جانب الشعب الكوردي وحقه بتحقيق مصيره بنفسه دون اية وصاية، وتدعوا للديمقراطية في العراق والسلم في كوردستان، بالرغم من حدوث بعض الإنتكاسات حينما قاسى الشعب الكوردي من ويلات الحرب عليه في زمن الزعيم الوطني الشهيد عبد الكريم قاسم. وبعد سقوط البعثفاشية وحكمها الدكتاتوري واعقبها في التحكم بالعملية السياسية العراقية فئة من الطائفيين والقوميين الشوفيننين وحتى بعض بقايا البعث الساقط، سلكت بعض القوى الكوردية، خاصة التقليدية منها سلوكاً كان يُفهم منه وكأنه ردة فعل على سياسة المحاصصات المقيتة التي يمارسها حكام العراق الجدد. لقد كان الشعب العراقي ينتظر من القوى السياسية الكوردية بان تكون المدافعة العنيدة عن الديمقراطية انطلاقاً من معاناة الظلم والقهر والقمع التي تعرض لها الشعب الكوردي طيلة نضاله في سبيل حقوقه القومية والديمقراطية. إلا ان ما حدث هو العكس، مع الأسف الشديد، حيث انغمست القوى الكوردية السياسية الأساسية في لعبة المحاصصة التي انعكست بدورها على السياسة في اقليم كوردستان الذي حقق مسيرة رائدة في بداية الأمر سرعان ما نالها التراجع من خلال سياسة المحاصصة هذه ومن خلال ارتباط الأحزاب الكوردية القائدة للعملية السياسية في كوردستان الجنوبية بالإسلام السياسي اكثر من ارتباطها بالقوى الديمقراطية العراقية، مما ادى إلى انتشار الفساد الإداري والمالي في كوردستان ايضاً والذي بدأ يعرِض هذه التجربة الرائدة إلى التراجع عن ذلك النهج الذي ناضل من اجله الشعب الكوردي والذي قدم التضحيات الجسيمة في سبيله والذي حظى بتأييد كل القوى الديمقراطية ليس في العراق فقط، بل وفي العالم ايضاً. لقد ادى كل ذلك وما رافقه من التنكر للنضال المشترك للقوى الديمقراطية في كل العراق إلى تبلور المصالح الحزبية والقومية الشوفينية لدى العرب والكورد في العراق ، وسبب كل ما افرزته سياسة المحاصصات التي ادت بدورها إلى تدهور الوضع في كوردستان الجنوبية بالشكل الذي نراه اليوم والذي لا يمكن ان يؤسس لدولة كوردية قوية تشكل مثالاً يقتدى به كل الكورد على كل ارض كوردستان، وتستطيع ان تتجاوز الصعاب المحيطة بها بقوة شعبها وتماسك قواه السياسية وتفضيل المصلحة العامة على المصالح الشخصية والحزبية.
وإذا ما نظرنا إلى المحيط العربي خارج العراق، فسوف لن نجد ، على الصعيدين الرسمي والشعبي العام، سوى تلك القوى التي تتشعب في مجموعتين اساسيتين. فالمجموعة الأولى الجاهلة اساساً بالشعب الكوردي وبالحقوق المشروعة لهذا الشعب، وهذا ما يتجلى على الشارع العربي بشكل عام. والمجموعة الثانية التي تعكس ما يفكر به كثير من الساسة العرب وبعض المنظمات السياسية والإجتماعية التي تنطلق من الفكر العربي الشوفيني والتي تضمر العداء لأي تحرك يسعى إلى وضع بعض المناطق، التي يعتبرها هؤلاء عربية، تحت تصرف قوى قومية اخرى سبق وإن تواجدت على هذه الأرض قبل ان تطأها قدما اي عربي من قبل. لذلك فإن مواقف هذه القوى العنصرية العربية سوف لن يكون اقل خطورة على الدولة الكوردية الوليدة من القوى الشوفينية التركية او الفارسية.

ما ذكرناه اعلاه قد ينحصر في العوامل الموضوعية الدولية والإقليمية التي قد تنعكس سلباً على حق تقرير المصير للشعب الكوردي وعلى ما يُخطط له بعض السياسيين الكورد في كوردستان الجنوبية من الإعلان عن الدولة الكوردية. إلا ان هناك بعض العوامل الذاتية التي لا ينبغي تجاهلها حين التفكير بالدولة الكوردية التي يجب ان تكون دولة قوية قادرة على مجابهة ما يدور حولها من تعقيدات عالمية واقليمية ، عصيَّة على اعداءها الذين سوف لن يقفوا متفرجين على هذه المسيرة التي ستكون رائدة حتماً. فلابد إذن من تسوية البيت الكوردي اولاً ، والذي يتعرض إلى هزات عنيفة في جنوب كوردستان في الوقت الحاضر، قبل التفكير بخلق نمودج للدولة الكوردية الوليدة والذي يجب ان يكون نموذجاً مثالياً حقاً يشكل نقطة جذب قوية لكل الشعب الكوردي.
هدف جميل جداً ان تتحقق لشعب كالشعب الكوردي دولته المستقلة التي ناضل ولم يزل يناضل من اجلها، مقدماً الضحايا البشرية الهائلة من بناته وابناءه في سبيل ذلك، وكأكبر شعب على وجه الأرض يعيش على ارضه المقسمة بين ثلاث قوميات سعت ولم تزل تسعى إلى قمعه وتقف بعنف امام تطلعاته في دولة مستقلة على ارضه هذه. وإن كل من يقف امام تحقيق هذا الهدف معرقلاً له، لا يعبر إلا عن موقف معادٍ لتحرر الشعوب وحقها في تقرير مصيرها الذي نصت عليه كافة الوثائق الدولية لحقوق الإنسان.
ونضال الشعب الكوردي من اجل تحقيق اهدافه التحررية لم يجعله بعيداً عن التطور الحضاري الذي جرى على حركات التحرر الوطني لتخرج باطروحات تعمل باتجاه تحقيق المصير من خلال الإدارات الذاتية لمجموع اراضي كوردستان شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً. ولم يسعَ هذا الطرح الذي تتبنته بعض القوى الثورية الكوردية إلا لتبديد مخاوف بعض القوى القومية الشوفينية التي تتحكم باراضي كوردستان والتي توظف فيها نظريات واطروحات الخوف من الدولة الكوردستانية الجديدة، بالإضافة إلى ما تتبناه نظرية الإدارة الذاتية من تحقيق السلام بين الشعوب والعمل على ايجاد الأسس الإقتصادية والسياسية والإجتماعية للحياة الإنسانية المشتركة. ويمكن لهذا التطور ان يؤدي إلى شكل تنظيمي اوسع واشمل لإحتواء طموحات الشعب الكوردي وتحقيق آماله.
وكيفما يقرر الشعب الكوردي وأي مشروع يتبناه لتحقيق استقلاله السياسي والإقتصادي والإرتفاع بالمستوى الإجتماعي والثقافي للشعب الكوردي على كل ارض كوردستان، فإن كل ذلك يظل رهيناً بما يقرره هذا الشعب بنفسه، لا كما يريد البعض ان يقرر بالنيابة عنه.

أما النقطة الأخرى التي نرغب مناقشتها هنا فتتعلق باهمية الدورالذي يعطيه بعض الكورد ، وحتى من الساسة ، إلى دولة العنصرية الصهيونية والتي ستكون الظهير لهذه الدولة حسب قناعة هذا البعض . وهنا لابد لنا من طرح الحقائق التالية لتبيان مدى الوهم الذي يغرق فيه كل من يعتقد بأن النظام العنصري الذي يقمع حرية شعب من الشعوب لا يمكنه بأي حال من الأحوال ان ينتصر لحرية شعب آخر ، وهذا ما اثبتته مسيرة حركات التحرر الوطني في كل من اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية .
الحكومة القائمة في اسرائيل الآن هي حكومة الحركة الصهيونية العالمية وهي حركة دينية عنصرية تبني وجودها على قناعتها الدينية التي تجعل من اليهود شعب الله المختار الذي لا يمكن ان يتفوق عليه شعب والذي لا يمكن ان يحكمه شعب آخر ، بل هو المؤهل لحكم الشعوب من خلال تفوقه الإلهي هذا. وحينما تأسست هذه الدولة على هذه الأسس واتخذت من بعض الصيغ الديمقراطية سبيلاً لها في مسار سياستها اليومية ، فأنها لم تأخذ بهذه الصيغ الديمقراطية إلا لتحقيق وتثبيت الحق اليهودي فقط ، دون حقوق الآخرين حيث اصبح الشعب الفلسطيني يشكل العنصر الرئيسي فيها . وعلى هذا الأساس جرت وتجري حتى اليوم كافة الإجراءات القمعية ضد الشعب الفلسطيني الذي يعيش في اجواء هذا الحكم ” الديمقراطي ” محروماً من كل ما يتمتع به جاره الشعب اليهودي من خدمات تؤهله لأن يمارس حياة انسانية طبيعية. ويستطيع اي انسان محايد ان يقارن بين قريتين متجاورتين احدهما يسكنها اليهود والثانية يسكنها غير اليهود من المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين وسيجد الفارق العظيم الذي تبنته السياسة الصهيونية العنصرية لان يكون العلامة الفارقة لسياسة التمييز التي تتبعها هذه الحركة الدينية الرجعية المتخلفة. حينما يجري الحديث حول هذا الموضوع فإن ذلك لا يعني باي حال من الأحوال رمي الشعب اليهودي ككل بانتماءه للحركة الصهيونية وهذا يعني ان ليس كل يهودي هو صهيوني ولكن كل صهيوني هو يهودي . وهناك الكثير من اليهود المعادين مبدئياً للحركة الصهيونية وكل نشاطاتها السياسية والدينية داخل وخارج اسرائيل. وانطلاقاً من هذا الواقع الذي تمثله الحركة الصهيونية العالمية كحركة عنصرية احادية التوجه والمتنكرة للآخر المختلف ، فقد إتخذت جميع حركات التحرر الوطني في العالم اجمع مواقف معادية لهذه الحركة وكل نشاطاتها التي تتحكم بها مخابرات الدول الإستعمارية التي سخرت هذه الحركة العنصرية للوقوف بوجه حركات التحرر الوطني في جميع انحاء العالم . وليس غريباً ان نرى كتحصيلة حاصل موقف المخابرات المركزية الأمريكية وحليفاتها في اوربا وعملاءها في مختلف انحاء العالم الداعم لهذه الحركة التي تعتبر الساعد الأيمن للسياسة الإستعمارية العالمية. وفيما يخص الشعب الكوردي بالذات فإن هذه الحركة العنصرية ساهمت وخططت ونفذت بشكل تام عملية إلقاء القبض على قائد الشعب الكوردي عبد الله اوجالان تنفيذاً للسياسة الإستعمارية التركية الأمريكية ومساهمة في قمع الثورة الكوردية في شمال كوردستان . ومن هذا المنطلق يجري تقيمنا لموقف بعض القوى الكوردية التي تحمل راية الدفاع عن القومية الكوردية وتوجهاتها التحررية والتي تسعى في الوقت ذاته لربط حركة التحرر هذه بأعدى اعداء حريات الشعوب المناضلة ضد الهيمنة الإمبريالية والتي تمثلها الحركة الصهيونية العالمية احسن تمثيل . وإلا فهل يعتقد المراهنون على صداقة الصهيونية العنصرية للشعب الكوردي بأن هذه الحركة تفرق بين تحقيق طموحات الشعب الكوردي في شمال كوردستان فتحاربها وفي جنوب كوردستان فتؤيدها ؟ قليلاً من التعقل والمنطق قد يقود إلى فهم الحقيقة التي طرحها القائد الكوردي عبد الله اوجالان بوضوح تام حينما قال في هذا المجال :

” فالمفهوم الذي اخرجني من سوريا يرتكز في مضمونه مجدداً إلى تصادم التناقض بين الخط الذي رسمتُه للصداقة، وبين سياسة إسرائيل تجاه الكرد . فإسرائيل المنهمكة بربوبيتها للقضية الكوردية ، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، أضحت بالغة الحساسية تجاهها، لدرجة انها لم تحتمل طراز الحل الكردي الثاني ، الذي تزايد تأثيره ووقعه متمثلاً في شخصي . ذلك ان طرازي في الحل لم يكن يتناسب وحساباتهم على الإطلاق . عليَّ ان لا انكر حق الإستخبارات الإسرائيلية ( الموساد ) التي دعتني بشكل غير مباشر إلى طريقها في الحل ، ولكني لم أكن مستعداً او منفتحاً لذلك، لا اخلاقياً ، ولا سياسياً ” ” وهنا يقصد اوجالان بالحل الثاني هو نظام الإدارة الذاتية الذي تبناه لكوردستان ضمن نظام الشرق اوسط الديمقراطي.
ويستمر أوجالان في فضح السياسة الإسرائيلية تجاه ثورة الشعب الكوردي قائلاً على الصفحة 7 من نفس الكتاب :
” ” هذا التذكير الموجز وحده كاف للإشارة إلى ان إسرائيل هي القوة الأساسية التي أخرجتني من سوريا . ولا ريب في ان التهديدات السياسية الأمريكية والضغوطات العسكرية التركية لعبت دوراً في ذلك ايضاً . علينا ان لا ننسى ان إسرائيل كانت ضمن معاهدات سرية مع تركيا منذ اعوام الخمسينات. وللمرة الثانية إكتمل التحالف المناهض لِ ب.ك.ك. بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وجمهورية تركيا ، لدى إضافة المعاهدة المسماة ـ مكافحة الإرهاب ـ عام 1996
” “( المصدر : عبد الله اوجالان ، مانيفستو المجتمع الديمقراطي ، المجلد الأول ، ترجمته من التركية زاخو شيار ، مطبعة ميزوبوتاميا 2009 ، الصفحات 7 و 22 ـ 23 )
لا يمكن ان نتوقع من المنادين بالصداقة الكوردية الصهيونية في كوردستان الجنوبية ان يدرسوا بامعان تجربة المناضل الأممي الكوردي عبد الله اوجالان فيما يتعلق بصداقة إسرائيل للكورد وعطفها على القضية الكوردية ، إذ ان ذلك لا يصب في مجال إستيعابهم الفكري الذي يختلفون به مع اوجالان إختلافاً كبيراً جداً . إلا اننا نقول لهم ، وبإخلاص لنضال الشعب الكوردي على كل ربوع كوردستان ، بأن السياسة التي تقوم على إضطهاد شعب ما لا يمكنها ان تسعى لحرية شعب آخر . وتجارب العالم الثرية بهذه الحكمة تثبت لنا صحتها ، وما على العقلاء سوى محاولة استيعابها إن ارادوا العمل من اجل العدالة الإنسانية حقاً ووضع مصالح شعوبهم ضمن محاور هذه العدالة الذي يشكل حق تقرير المصير لكل الشعوب جزءً اساسياً فيها.
الدكتور صادق إطيمش

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here