عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الرَّابِعَةُ (٢)

نـــــــــزار حيدر
مِن مُميِّزات الشَّخصيَّة الحُسينيَّة هي أَنَّها منسجمةٌ مع نفسِها فلا يُناقضُ قولَها فعلَها أَو كلامَها إِنجازَها أَو خطابَها عملَها!.
ولو تمعَّنا في المسيرةِ الحُسينيَّة منذُ لحظة رفضِ الامام (ع) إِعطاء البيعة للطَّاغية الأَموي الجديد يزيد وحتَّى إِستشهادهِ عصرَ عاشُوراء في كربلاء سنة ٦١ للهجرةِ فسنلمِس هذهِ الحقائِق بشَكلٍ واضحٍ جدّاً لا لبْسَ فيهِ!.
وهو المنْهَجُ العلوي المعروف الذي ثبَّتهُ أَميرُ المؤمنينَ (ع) بقولهِ {أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي، وَاللهِ، مَا أَحُثُّكُمْ عَلَى طَاعَةٍ إِلاَّ وَأَسْبِقُكُمْ إِلَيْهَا، وَلاَ أَنْهَاكُمْ عَنْ مَعْصِيَةٍ إِلاَّ وَأَتَنَاهَى قَبْلَكُمْ عَنْهَا} ومِن بعدِ ذَلِكَ قَالَ عليه السَّلام {لَعَنَ اللهُ الاْمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِكِينَ لَهُ، وَالنَّاهِينَ عَنِ المُنكَرِ الْعَامِلِينَ بِهِ!}.
وهي تكشفُ عن نفسِها عندَ الامتحانِ والاختِبار وفِي المواقفِ الصَّعبةِ تحديداً، وإِلا فانَّ النَّاسَ تتحدَّث دائماً عن دينِها وتقواها وإِلتزامَها وورعَها ونزاهتَها! وهو أَمرٌ سهلٌ يسيرٌ لا يصعبُ أَبداً على مَن أُوتي البيان والبلاغة وكانَ عليمُ اللِّسانِ!.
يقولُ أَميرُ المؤمنين (ع) {أَيُّهَا النَّاسُ، الُْمجْتَمِعَةُ أبْدَانُهُمْ، الُمخْتَلِفَةُ أهْوَاؤُهُمْ، كَلامُكُم يُوهِي الصُّمَّ الصِّلابَ، وَفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الاَْعْدَاءَ! تَقُولُونَ فِي الَمجَالِسِ: كَيْتَ وَكَيْتَ، فَإذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ: حِيدِي حَيَادِ!}.
هذهِ الحالة النفاقيَّة موجودةٌ في المجتمعِ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ! إِذا تكلَّم أَحدهُم صوَّر الأُمورُ وكأَنَّ كلَّ شيءٍ في مُتناولِ اليدِ وهو يعدُنا بأَن يكونَ أَوَّل المُضحِّين وآخرِ المستَفيدين! ولكنَّهُ عندَ الحسابِ وتحمُّل المسؤوليَّةِ هو أَوَّل المنهزمين إِذا جدَّ الجدِّ! وإِذا كُنَّا نسمعُ ونقرأُ عن مثلِ هذه النَّماذج [المُنافقة] فيما مضى من الأَيَّامِ، فلقد بتْنا نلمِسها لمسَ اليدِ منذُ التَّغيير الذي شهدهُ الْعِراق في التَّاسع من نيسان عام ٢٠٠٣ ولحدِّ الان! فكم من سياسيِّ [من قادةِ وزُعماءِ الأَحزابِ التي كانت إِسلاميَّة] و [ممَّن يتمتَّع الآن بالخدمةِ الجهاديَّة] سمعناهُ يخطُب بجلبابِ التديُّن والالتزام والتَّقوى ليتهاوى في نهايةِ المطاف إِلى أَسفل سافلينَ ناسياً أَو مُتناسياً كلَّ ما تعلَّمهُ من دينٍ وكلَّ ما كان يُصدِّع بهِ رؤُوس مُستمعيهِ!.
كم منهُم كان يُذكِّرنا بآياتِ التَّواضع وأَحاديث التقشُّف وقَصص البساطةِ في العيشِ! بعد كلِّ صلاةِ جماعةٍ يؤمَّها بنفسهِ! إِذا بهِ يسرُق الجَمل بما حملَ فيُفسدُ في الدَّولةِ ويعتدي على المالِ العامِ! بعد أَن أَقنعَ نَفْسه بأَنَّهُ [مجهولَ المالك] وأَنَّ [شأنِيَّتهُ] تتطَّلب! وكأَنَّ أَميرَ المؤمنين (ع) لم تكُن لَهُ شأنيَّة وهوَ القائِلُ {أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ: أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ، وَلاَ أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ، أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ! فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ، كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلاَفِهَا، وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا، أَوْ أُتْرَكَ سُدىً، أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً، أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلاَلَةِ، أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ!}؟!.
حتَّى البِطاقة التموينيَّة سرقَها [الدِّينيُّون] كما أَنَّ شبكة الحِمايةِ الاجتماعيَّةِ لم تسلم مِنْهُم! فلقد سرقوها من الفقراءِ والمساكين والمُستضعَفين!.
وصدقَ الامامُ الحُسين السِّبط (ع) بقولهِ مُحذراً من ظاهرةِ النِّفاق والتديُّن المُخادِع والاتِّجار بالدِّين! {أَلنُّاسُ عَبِيدُ الدُّنيا والدِّينُ لَعِقٌ عَلى أَلْسِنَتِهِم يَحُوطُونَهُ ما دَرَّت مَعائِشَهُم! فَاذا مُحِّصُوا بِالبَلاءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ}!.
وهوَ (ع) بهذا القولِ العظيم يقصُد كلَّ النَّاسِ من دونِ استثناء! وإِنَّ الشَّيء الوحيد الذي يُميِّز الصَّادق من الكاذِب وصاحب الدِّين الحقيقي من الآخر التَّاجر والمُخادع هو البلاءُ والامتحانُ والاختبار! كما في قَولهِ تعالى {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} وهذا تحديداً هو الأَمرُ الذي فضحَ الكثير من الذين كان الدِّينُ لعِقٌ على أَلسنتهِم أَيّام النِّضال والجهاد ضدَّ نِظام الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين! عندما كانوا يتلفَّعونَ بالتديُّن ويحرِقونَ جباههُم من كَثرةِ السُّجود ويُهلكونَ أَنفسهُم من كَثرةِ أَسفارهِم للحجِّ وقيادتهِم لحَملاتِ الحجيج! كانَ ذَلِكَ يَوْمَ لم يمرُّوا بأَيِّ اختبارٍ وتمحيصٍ! ولذلكَ كانَ التَّظاهر سهلاً والتديُّن الاستعراضي يسيراً! أَمَّا عندما تسلَّموا السُّلطة وذاقوا طعمَ القوَّة والمال بدَت لهُم سوآتهم فلم ينفعهُم عندئذٍ الشِّعار والدِّثار!.
لقد حدَّثنا القرآن الكريم عن حالةِ النِّفاق الخطيرة التي تتجلّى بالتَّناقض والاختلاف بين قولِ المرءِ وفعلهِ بقولهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} وهي الآيةِ التي توبِّخ [المؤمِنين] تحديداً رُبما لأَنَّ النِّفاق من أَسوءِ صفاتهِم! ورُبما كذلك أَنَّهم من أَقربِ النَّاسِ للابتلاءِ بمرضِ إِزدواج الشَّخصيَّة! عندما يكونُ الدِّينُ [لُعقَةٌ].
٢١ أَيلول ٢٠١٧
لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1
(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here