السرطان يتقهقر أمام قوى المناعة

 

تقف البشرية بخوف أمام هيبة «إمبراطور الأمراض». هذا «الطاغية» الذي يهدد كل واحد منا، ولا يميز بين غني وفقير، أميركي وعربي. لكن الظلمة تتبدد ودائرة الضوء في آخر هذا النفق تكبر وتتسع.

 هل كنت جالساً إلى التلفزيون في 20كانون الثاني (يناير) تشاهد حفل تنصيب الرئيس الجديد للولايات المتحدة؟ وهل تعرفت إلى الرئيس السابق جيمي كارتر الذي كان يجلس إلى المنصة؟ هذا الرجل أصيب منذ أربع سنوات بسرطان الجلد Melanoma، وكان المرض قد انتشر إلى الدماغ. يومها لم يتوقع أحد أن يبقى كارتر على قيد الحياة. وها هو اليوم يتمتع بصحة جيدة وليس هناك ما يشير إلى بقايا المرض عنده. لم يكن ذلك أعجوبة. كان ذلك ثمرة البحث العلمي ونتيجة لإخضاع كارتر لعلاج جديد اسمه keytruda، وهو أحد العلاجات الحديثة التي تقوي وتدعّم جهاز المناعة في الجسم بحيث يصبح قادراً على التعرف إلى الخلية السرطانية وبالتالي قادراً على تدميرها. لقد وضع الخالق في جسد الإنسان وفي كل مخلوق حي، جهازاً يدعم الحياة ويحميها من أي اعتداء عليها. عندما يصاب المرء بالزكام نتيجة التهاب يسببه الفيروس، ترصد خلية المناعة الفيروس وتحدد هويته الغريبة، كما تحدد أيضاً أنه العدو المعتدي فتنقض عليه وتقتله، وبهذا يتم الشفاء. هذه المعركة تحدث مع معظم الأمراض، إلا أنها لا تحدث في الأمراض السرطانية، فالخلية السرطانية خلية ذكية وأول ما تقوم به هو شل جهاز المناعة وبناء حائط بينها وبينه كي لا يتمكن من التعرف إليها. وبهذا تنمو الخلية السرطانية وتتكاثر، ومن ثم تنتشر. وانطلاقاً من معرفتنا هذه، تركزت الأبحاث العلمية الحديثة على تطوير علاجات جديدة تدعم جهاز المناعة وتهدم الحائط بين الخلية المناعية والخلية السرطانية، وبذلك توفر الفرصة للخلية المناعية للتعرف إلى الخلية السرطانية بصفتها جسماً غريباً وخطراً، كما تعطيها القدرة على تدميرها. هذا المنحى الجديد هو أهم تطور في معالجة الأمراض السرطانية في السنوات الخمس الأخيرة. وها نحن اليوم نملك أدوية جديدة بالإضافة إلى دواء keytruda، مثل Ipilimumab, Nivolumab, Tecentriq. إن Tecentriqهو اليوم من أفضل الأدوية لعلاج سرطان المثانة. أما الأدوية الثلاثة الأخرى فهي ذات فاعلية عالية في معالجة سرطانات الجلد والرئة والكلى.

 في رحلتي الطويلة مع السرطان والتي ابتدأت في حزيران (يونيو) 1968في مدينة نيويورك، كنت شاهداً على تطور العلاج الكيماوي ثم شهدت تطور العلاج البيولوجي ومن ثم العلاج المستهدِف… وها نحن اليوم نشهد العلاج المناعي. هذه العلاجات المختلفة يكمل بعضها بعضاً ولا يلغي الواحد منها العلاجات الأخرى. ومن الخطأ الاعتقاد بأن العلاج الكيماوي أصبح من الماضي.

ويسألونك: بعد كل هذا التقدم، لماذا لا يزال الناس يموتون بهذه الأمراض الواحد تلو الآخر؟ هذا لأننا لم نتمكن بعد من وضع المعرفة العلمية التي نملكها في خدمة الناس والمرضى. كما أن الدراسات تشير إلى أن أقل من 7في المئة من المرضى المصابين يتلقون علاجات حديثة وفعالة، فالسواد الأعظم من المرضى لا يزال يتلقى علاجات خارج حدود العلم.

 في هذا اليوم بالذات، وفي خضم هذا العنف الذي يقبض على العالم، وهذا الجهل الذي يحدد الإنسان بانتمائه إلى بلد أو دين ما، أود أن أقول إن أهم ما تعلمته في الطب هو أن الإنسان واحد. لقد أثبتت الدراسات العلمية في مشروع رسم خريطة الجينات عند الإنسان، أن البشر متشابهون على مستوى الـDNA، المكون الاساسي للحياة، بنسبة 99.9في المئة، وأن أكبر اختلاف بين إنسان وآخر هو بنسبة تقل عن 0.1في المئة (كتاب «لغة الله» لمؤلفه فرانسيس كولينز).

إذاً، ليس هناك شك في أننا كلنا إخوة، وأن البشرية جمعاء هي عائلة واحدة. فتعالوا نخلع عنا هذه القشور التي تفرقنا ونرتفع إلى ما يجمعنا، نرتفع إلى إنسانيتنا. إن العدو للإنسان ليس هو الإنسان الآخر، فالعدو الحقيقي هو المرض. لذلك تعالوا في هذا اليوم نجدد دعمنا العلمَ للتغلب عليه. دعمنا العلمَ للتغلب على أنفسنا.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here