هل الدول المتقاسمة لأجزاء كردستان دول إستعمارية ..؟

مير عقراوي / كاتب بالشؤون الإسلامية والكردستانية
[ ملاحظة : هذا البحث تم نشره لأول مرة في صحيفة ( الوطن ) ، العدد الخامس ، السنة الأولى / 1 – 15 نيسان لعام 1997 ، إسلام آباد / باكستان ، حيث كنت أتشرف برئاسة تحريرها يومذاك خلال إقامتي في الباكستان ، في التسعينيات الماضية من القرن العشرين المنصرم ، وقد إرتأيت نشرها مرة أخرى نظراً للتطورات الهامة والحساسة التي تمر بها القضية الكردية في هذه الأيام العصيبة على الصعيدين الاقليمي والعالمي ]
لقد تعرضت القضية الكردية في طول تاريخها الى شتى أنواه التشويه والتدجيل السياسي والتاريخي والقومي والوطني والجغرافي ، ولاتزال حملات التشويه مستمرة من لدن الحكومات التي تحتل أجزاء كردستان ، وهكذا من لدن أكثرية الأحزاب والإتجاهات والشخصيات السياسية والعلمية والثقافية بمختلف مناهلها ومدارسها الفكرية في تلكم البلدان .
وتبعاَ لذلك فإن الشعوب العربية والتركية والايرانية وغيرها أيضا قد تأثَّرت بحملات التشويه والتضليل والصورة السلبية التي نشرتها وعرضتها تلكم الدول والأحزاب والحركات والشخصيات السياسية والثقافية عن الكرد وكردستان في العالمين الاسلامي والعربي . عليه قلَّما تجد عدداَ من الناس دافع من خلال العدل ، أو عبر منطلقات إنصافية وإنسانية عن حقيقة القضية الكردية ومشروعيتها وعدالتها ومغدوريتها بالتالي ، أو على الأقل كتب عنها بموضوعية وحياد وتجرُّد .
إنه لمن دواعي الأسف العميق عدم قيام الطبقة المثقفة العربية والتركية والايرانية بمهامها الملقى على عاتقها في تنوير الرأي العام في بلدانهم ، في توضيح حقيقة قضية الأمة الكردستانية ووطنها كردستان ومحروميتها التاريخية لشعوبهم ودفه الإلتباس والتشويه والشبهات المفتعلة ضد هذه الأمة التي تم حرمانها من جميع حقوقها السياسية والانسانية ، هذه الحقوق التي تتمتَّع بها بقية الأمم والشعوب في العالم ، بخاصة إن هناك الكثير من الروابط والوشائج التي تربط بين الأمم العربية والتركية والايرانية والكردية على صعد التاريخ والجيرة والدين وغيره .
تتركَّز محاولاتنا في هذا المبحث ، في إثبات إستعمارية الدول ، أو الحكومات الغاصبة لأجزاء كردستان ، وتبيين اساليبها وممارساتها وسياساتها الاستعمارية الجائرة تجاه الشعب الكردي ووطنه المستعمر المحتل كردستان . قبل الشروع في أودُّ التطرق الى التعريفين اللغوي والاصطلاحي لمفهوم مصطلح ( الإستعمار ) من خلال المعاجم والقواميس والموسوعات اللغوية والسياسية ، ومن بعد التطرق الى أشكال السياسات وصنوف الممارسات التي أدارتها ومازالت تدير بها الدول المحتلة والمتقاسمة لأجزاء كردستان ، وذلك للوصول الى هذه النتيجة ، وهي : هل إن الحكومات التي تغتصب وتتقاسم أجزاء كردستان هي دول إستعمارية ، وهل إن مصطلح الإستعمار وتعريفه ومفهومه الإصطلاحي على المستوى السياسي العصري اليوم ينطبق على تلكم الدول ، أي : تركيا ، ايران ، العراق وسوريا ..؟
أولاً / مصطلح الإستعمار ومفهومه اللغوي : ( يقول الراغب الأصفهاني : عمر ، العمارة نقيض الخراب . يقال : عمر أرضه يعمرها عمارة )(1) . يقول المعجم الوسيط : ( إستعمره / في المكان : جعله يعمره ، وفي التنزيل العزيز { هو أنشأكم من الأرض وآستعمركم فيها } ، و- الأرض : أمدها بما يعوزها من الأيدي العاملة )(2)
إذن ، فمصطلح ( الإستعمار ) يعني بالأساس الإعمار والعمران والتنمية ، وربما أطلق خطأً على الدول والشعوب ذات النزعة التوسعية التي تستهدف إحتلال بلدان وشعوب أخرى وجعلهم تحت سلطانها وقيموميتها ، لأجل نهب خيراتههم وثرواتهم الوطنية ، أو إن الدول التوسعية تزعم إنها تسعى إستعمار الشعوب والبلدان بهدف تعميرها وتطوريها وتنميتها ومساعدتها على المستويات الحضارية والعمرانية والاقتصادية والتعليمية والصحية والثقافية .
أما الشائع عالمياً ووفق التعريف والمفهوم الاصطلاحي السياسي اليوم فإن لفظ الإستعمار يُطلق على كل دولة وقومية أو أمة تسعى للتوسُّع وآحتلال البلدان والشعوب وغصب خيراتهم وثرواتهم الوطنية ومصادرة حقهم في تقرير مصائرهم بأنفسهم كما سنوضحه أكثر بعد قليل ، ويقابل مصطلح الاستعمار العربي مصطلح ( الامبريالية ) باللغة الانجليزية ، ومصطلح ( الكولونيالية ) باللغة الفرنسية .
ثانياً / المفهوم الإصطلاحي للاستعمار : تقول الموسوعة العربية الميسرة : ( الاستعمار : في معناه العام سيطرة شعب ، أو نفوذه على شعب آخر .)(3) ، ويقول القاموس السياسي : ( إستعمار : قيام دولة بفرض حكمها ، أو سيطرتها السياسية ، أو الاقتصادية خارج حدودها على شعب دولة أجنبية ، وعلى غير رضا أهلها ، وتستهدف السيطرة الاقتصادية للإقليم وسكانه . )(4) . يقول الأستاذ الايراني حسن عميد في قاموسه باللغة الفارسية بعد أن ترجمتها للعربية : ( الاستعمار : السلطة وبسط النفوذ وتدخل دولة قوية في شؤون دولة ضعيفة بذريعة الإعمار ، لكن الهدف هو إستغلال ونهب ثرواتها )(5) .
أما الدكتور فايز صالح أبو جابر فيقول في تعريف الاستعمار على الصعيد الاصطلاحي السياسي أيضا : ( لكن تعريف الاستعمار بسيط ، والتعريف البسيط والصادق له ، هو : فرض إرادة ، أو سلطان دولة ما على دولة ، أو أمة أخرى ، إما بالقوة العسكرية ، أو إحتمال إستعمال القوة العسكرية ، أو بطريق أخرى ، وللاستعمار أصناف ، هي كما يلي :
1-/ الاحتلال العسكري والحكم المباشر .
2-/ الحكم غير المباشر ، أي بواسطة حكام صوريين ، أو عملاء ، أو ماشابه .
3-/ الاستعمار الاستيطاني .
4-/ الاستعمار الاقتصادي .
5-/ الاستعمار الحضاري الثقافي .
6-/ الاستعمار بواسطة معاهدات ، أو إتفاقيات غير متساوية .
7-/ الاستعمار بواسطة أحلاف تفرضها الدول العظمى على غيرها ولصالحها (6)
على أساس التعاريف المختلفة التي أوردناها حول مصطلح الاستعمار بتعريفه ومفهومه الاصطلاحي – السياسي يتبين بكل وضوح إن الاستعمار ، هو سيطرة دولة ، أو شعب على دولة أخرى ، أو شعب آخر بدون رضاه وإرادته وآختياره .
فالباحث والمتابع في الملف التاريخي الماضي والحالي للدول المحتلة لأجزاء كردستان يتضح ويتجلَّى له بالأدلة الدامغة والشواهد الساطعة ، وبالحقائق والوثائق والوقائع قوة نزعاتهم الاستعمارية وشراسة سياساتهم الامبريالية – الكولونيالية تجاه الشعب الكردي من جميع الوجوه ، وإن أوجه التشابه بينهم ، وبين بعض الدول الغربية التي توصف بالاستعمارية والامبريالية ، هي واحدة ولافرق بينهم وبينها ، وذلك نظراً للتوسع العدواني والاحتلال القهري لأجزاء كردستان والشعب الكردي ونهب خيراته وثرواته الوطنية ، مع محاربة قوميته ولغته وآدابه وثقافته وعاداته وآثاره التاريخية وكل شيء يخصه قومياً ووطنياً ، بل يحاولون إبادته وتصفيته من الوجود .
من الواضح والمعلوم إن تركيا وايران دولتين تحتلان كردستان منذ عدة قرون ، ففي العهد العثماني – الصفوي تجزأت كردستان ولأول مرة بينهم عام ( 1514 ) ، ثم تلاه التقسيم الثاني عام ( 1639 ) ، حيث كانت كردستان في الواقع ، ولمزيد من الأسى ميداناً لحروبهما الدموية اللامشروعة ، وغالباً على حساب الشعب الكردي ووطنه كردستان ، وكان الخاسر الوحيد في الحروب العثمانية – الصفوية ، أو في في سلامهم وآتفاقياتهم ، هو الشعب الكردي .
بإنهيار الدولة العثمانية – التركية عام ( 1908 ) ، ثم قيام الدولة التركية الحديثة بقيادة كمال أتاتورك وإلغاءه لنظام الخلافة العثمانية عام ( 1923 ) . كذلك بإنهيار الدولة الصفوية – الايرانية عام ( 1736 ) والقاجارية – الايرانية عام ( 1925 ) وقيام الدولة والمملكة البهلوية الايرانية الحديثة على أنقاضها بقيادة رضا شاه بهلوي بدأت السلطات الجديدة في تركيا وايران بآضطهاد الشعب الكردي ، وبشكل أكثر شراسة والاستمرار في الاحتلال لكردستان وشن الحرب العدوانية على الشعب الكردي ، بخاصة تركيا الأتاتوركية عشرات الآلاف ، بل أكثر من الكرد ، بخاصة المدنيين منهم أطفالاً ونساءً ورجالاً .
يقول عالم الاجتماع التركي الدكتور إسماعيل بيشكجي حول وحشية الدولة التركية الحديثة تجاه الشعب الكردي : ( ليس من الممكن على الإطلاق أن يجد المرء مثالاً لهذه الوحشية والرجعية في مكان آخر ، لأنهم إغتصبوا كردستان والشعب الكردي بكل قيمه المادية والمعنوية ، تم إغتصابها – أي كردستان – لدرجة إزالة إسمها من على وجه خريطة العالم .
لقد سار الاحتلال والتبعية والاستعمار جنباً الى جنب في كردستان ، ومن ثم آستعمارها من الناحية العسكرية ، ليليها الاستعمار الاقتصادي ، ويمكننا القول بأن لو كانت كردستان تحت نير مستعمر آخر ، مثل الاستعمار الانجليزي لكانت قد تحررت منذ وقت طويل ، لم تكن أيَّة قوة إمبريالية أخرى ستقوم بالدمار الذي قامت به الإدارة الإستعمارية التركية ، لأن الاستعمار التركي هاجم كل قيم الانسان الكردي ، وقد آستغروا وأهانوا الكرد ، وبالتالي حطموا الانسان الكردي الى أقصى الدرجات .
لم تقدم أية قوة إمبريالية أخرى بمثل هذا العمل الشنيع في أيِّ مكان آخر ، إذافة الى ذلك فإن الدولة تخفي سياساتها الاستعمارية بالاحتفال بمناسبات وأعياد الاستقلال . ستظهر قذارة الاستعمار التركي ، بكل جوانبها كلما تفتحت العقول الكردية ، وكلما أدركت وعرفت تفاصيل هذه المسائل .)(7)
يقول الدكتور اسماعيل بيشكجي عن القضية الكردية وحقيقة أهداف الشعب الكردي وطموحه : ( إن الأساس الجوهري للقضية الكردية يمثل فيما يلي : القضية الكردية ليست قضية إثنية وإنما قضية وطن وشعب مقسم ومجزء من قبل الامبريالية الانجليزية والفرنسية وعملائهم المحليون من الكماليين والمونارشيين العرب والفرس ، ومصادرة حقه في بناء الدولة الكردية المستقلة . هذا هو جوهر القضية الكردية )(8) ، ويقول الدكتور بيشكجي حول العنصرية التركية وولوغها أقصى درجات الطغيان والوحشية والعدوانية : ( تركيا هي الرائدة في العنصرية ، هل في العالم مثيل للعنصرية التركية ، إنها أكثر رجعية ووحشية وتدميراً من العنصرية الجنوب أفريقية )(9)
إن الدولة التركية الاستعمارية على رغم آحتلالها لأكبر أجزاء كردستان من حيث المساحة والسكان ، وهو شمالها ، إلاّ انها أنكرت بالمرة هذا الجزء الأكبر من كردستان ، وأنكرت وجود الشعب الكردي وأطلقت عليه تسمية ( أتراك الجبال ) .
لقد حاربت الدولة التركية , وبجميع حكوماتها المتعاقبة الشعب الكردي : في لغته ، حيث حيث منعته منعاً باتاً من التخاطب والكتابة والنشر بها ، وصادرت أبسط حقوقه الانسانية ، وآنتهجت سياسة التتريك الشوفينية اللاإنسانية ضد الشعب الكردي من جميع النواحي ، وعلى كل الأصعدة ، منها إن الدولة التركية كانت تلقن وتلزم أطفال الكرد في المرحلة الابتدائية أن يحفظوا ما يلي من العبارات التركية العنصرية ، وذلك بهدف صهر الشعب الكردي وتذويبه بالكامل :
( أنا تركي ، والدتي تركية ، والدي تركي ، جدتي تركية ، جدي تركي ، أصلي وعرقي تركي .) !! . علاوة لما ورد فإن الأتراك – الترك يحملون شعارات وأفكار في منتهى العنصرية والتخلف والانحطاط ، مثل : ( كن تركياً تكن سعيداً ) و ( تركي واحد يساوي كل الدنيا ) و ( إن أسوء الأتراك أفضل من أحسن أفاضل غير الأتراك ) .
أيضاً يقول أحد أبرز المنظِّرين الترك في إبادة الشعب الكردي لو حاولوا تأسيس الدولة الكردية ، مع آستخدامه السافل للفظ ( يلهثون ) عن الكرد ، كذلك آعترافه في إبادة الأرمن واليونانيين بكل تبجح وصفاقة ورعونة : ( اذا كان الكرد يلهثون وراء وهم إنشاء دولة كردية ، فإن القدر سيتكفل بمحوهم من الوجود . لقد أظهر العرق التركي طريقته في معاملة من يطمعون في النيل من الوطن الذي أنشأه بعرق جبيبنه وضحى في سبيله بدماءه الطاهرة ، فقد محى الأرمن من على وجه الأرض سنة 1915 واليونانيين سنة 1929 )(10) .
إن تركيا دمرت حتى الآن ، وبموجب الإحصاءات الرسمية لمنظمات حقوق الانسان أكثر من ( 2000 ) قرية كردية ، وهي غيرت أسماء أكثر من ( 14000 ) من المدن والقرى والمناطق والجبال والأنهار والمعالم القومية والوطنية للشعب الكردي في شمال وطنه المحتل تركياً منذ عقود طويلة ، بل منذ قرون إذن ، أليس ماورد وغيره الكثير من الجرائم الكبرى الذي ، أو التي تقشعرُّ بذكرها القلوب والأبدان إستعماراً وسياسة إستعمارية وأساليب إستعمارية ، بل هو الاستعمار الغاشم بعينه ، وإن لم يكن كذلك : فما هو الاستعمار ، وهكذا بالنسبة لسائر الدول التي تتقاسم وتحتل أجزاء كردستان الأخرى …؟
أما في شرق كردستان المحتل إيرانياً ، وهو ثاني أكبر أجزاء كردستان من حيث المساحة والسكان فإن الشعب الكردي عانى الفظائع والبشائع والكوارث والمجازر الدموية ومصادرة الحريات والنفي والتهجير القسري بمئات الالاف الى داخل العمق الايراني في العهدين الصفوي والقاجاري ، وفي عهد رضا شاه بهلوي ونجله محمد رضا بهلوي المخلوع عام ( 1979 ) ، والجمهورية الاسلامية الايرانية فحدث ولاحرج من المظالم والقتل الجماعي وسياسة التفريس العنصرية اللاإنسانية ، وسياسة التشييع المذهبية والإعدامات بالجملة في المعتقلات وآغتيال القادة والشخصيات الكردية .. هكذا تتضح إستعمارية ايران وسياساتها وممارساتها الاستعمارية تجاه الشعب الكردي في شرق كردستان .
بالنسبة للعراق فإنه منذ تأسيسه عام ( 1921 ) من قبل الانجليز إنتهج السياسات العدوانية والاستعمارية في جنوب كردستان ، حيث هو ثالث أجزاء كردستان من حيث المساحة والسكان ضد الشعب الكردي ، وقد بلغت الذروة في عهد حزب البعث العربي الاشتراكي عام ( 1968 ) ، بخاصة في حقبة الرئيس العراقي السابق صدام حسين ، بحيث إنه حاول إبادة الشعب الكردي ، وذلك عبر حملات القتل الجماعية الواسعة النطاق ، أو من خلال الأسلحة والغازات الكيماوية السامة خلال أعوام ( 1987 و 1988 و1989 ) ، حيث كانت الحصيلة الإجرامية كالتالي :
1-/ إبادة ( 182000 ) ألف مدني كردي من الأطفال والنساء والرجال ، وذلك بعد شن الجيش العراقي ، وبمختلف الأسلحة الحديثة الفتاكة على جنوب كردستان فأختطف هؤلاء الكرد من المدن والقرى والأرياف الكردية وقام بترحيلهم الى صحاري جنوب العراق ، ثم أقدم على قلتهم ، أو دفن الغالبية منهم في أخاديد كانت قد أعدت لهم مسبقاً ، وهم أحياء ! .
2-/ قصف مدينة حلبجة الكردية بالأسلحة الكيماوية ، فذهب ضحيته ( 5000 ) آلاف كردي مدني من الأطفال والنساء والرجال ، مع ( 10000 ) آلاف من الجرحى ، حيث توفي الكثير منهم فيما بعد في المستشفيات الايرانية والأوربية .
3-/ القتل الجماعي ل( 8000 ) آلاف كردي مدني بارزاني من الشباب والرجال والشيوخ في صحاري جنوب العراق ، وذلك بعد إختطافهم ونقلهم اليها .
4-/ القتل الجماعي ل( 5000 ) آلاف كردي مدني فيلي من الأطفال والنساء والرجال . مضافاً تشريد الكرد الفيلية الى ايران بذريعة أصولهم الايرانية ، وذلك بعد مصادرة جميع أموالهم وممتلكاتهم وثرواتهم .
أما الممارسات والسياسات العنصرية للحكومة البعثية العراقية السابقة ضد الشعب الكردي في جنوب كردستان في التعريب للمدن والقرى والمناطق الكردستانية ، أو تهجير الكرد منها وإسكان العشائر العربية محلهم ، مثل كركوك والموصل وديالى ، أو تغيير المعالم الجغرافية لكردستان ، أو تغيير الأسماء للمدن والقرى والمناطق والمعالم الجغرافية التاريخية الكردية ، فهذه المواضيع بحد ذاتها هي جرائم كبرى أيضاً للحكومة العراقية البعثية المنحلة ضد الشعب الكردستاني .
أما في سوريا فقد آتبع نظام حزب البعثي العربي الاشتراكي ، هو الآخر كالعراقي السابق من نسخته القومية العروبية المتخلفة سياسات عدوانية وعنصرية همجية ووحشية تجاه الشعب الكردي في غرب كردستان الذي تحتله ، وهو رابع جزء من كردستان .
لقد مارس النظام البعثي الحاكم في دمشق كل أشكال سياسات التمييز العنصرية البغضية والنفي والتشريد والتعريب حيال المناطق والمدن والقرى الكردية ، بخاص تفعيله لمشروعه التعريبي العنصري اللاإنساني المعروف ب( الحزام العربي ) ، يقول الدكتور بيري شاليار عن أوضاع الشعب الكردي في كردستان الملحقة بسوريا : ( يبلغ تعداد الشعب الكردي في كردستان سوريا مليوني نسمة محرومين ليس من حق تقرير المصير أسوة بباقي شعوب العالم فحسب ، بل ترفض السلطة السورية حتى مجرد الاعتراف بوجود الشعب الكردي )(11) . إن الاحصائية عن الكرد في كردستان سوريا التي ذكرها الدكتور بيري شاليار هي قديمة ، فاليوم يبلغ تعداد الشعب الكردي في كردستان سوريا أكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون كردي .
وأضاف الدكتور بيري شاليار : ( لايخفى على أحد إن الحكومة السورية قد فرضت حظرا شاملا على كافة أوجه النشاط السياسي في كردستان السورية ، فالأحزاب والجمعيات والنوادي الكردية ممنوعة بحكم القانون السوري )(12) ، بعدها يقول الدكتور شاليار بأن ( إقدام الحكومة السورية على حرمان أكثر من 250000 ألف كردي من الجنسية ، بموجب قرارها العنصري رقم 92 لعام 1962 ماهو إلاّ دليل واضح على خرق الحكومة السورية للاتفاقيات الدولية . إن حرمان الكرد من الجنسية السورية أدى الى مصادرة أراضيهم وممتلكاتهم تنفيذاً للمخطط العنصري في إقامة مستوطنات عربية في إطار مشروعها الذي يسمى ب< الحزام العربي > الذي يهدف – كما أسلفنا سابقاً – الى عزل كردستان سوريا عن كل من كردستان تركيا وكردستان العراق بحزام بشري عربي ، بمحاذاة الحدود الدولية بكول 375 كم ، وعرض 15 كم من بلدة رأس العين وحتى بلدة تل كوجك . فهذا المخطط العنصري جاء خرقاً آخر للقانون الدولي ، فجاء في البند الثاني من المادة الأولى للعهد الدولي حول الحقوق المدنية والسياسية للانسان لعام 1966 على ما يلي : ( لايجوز حرمان أيَّ شعب ، ولابأيِّ شكل من الأشكال من وسائل معيشته )(13)
في عام ( 1963 ) من القرن الماضي كتب المسؤول الأمني العربي الشوفيني السوري لمحافظة الحسكة الكردية في كردستان سوريا ، وهو محمد طلب هلال دراسة بعنوان : ( دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية والاجتماعية والسياسية ) ، فهذه الدراسة الأمنية هي دراسة في غاية العنصرية والاستعمارية والوحشية والتطرف والغلو العروبي الأعرابي والتخلف من جميع النواحي ، فكاتبها يقول فيها بأنه ينبغي محو الوجود الكردي وآستئصاله من جذوره ، حيث يسميهم ب( العناصر الغريبة ) ، أو ( الأغيار ) من كردستان سوريا ، فيقول في هذا الصدد : ( آن الأوان لوضع خطة راسخة لهذه المحافظة وتنقيتها من العناصر الغريبة ، كي لايبقى الأغيار ومن ورائهم الاستعمار يعيثون فساداً في هذه الرقعة الغالية ذات الثروة الكبيرة من الدخل القومي وخاصة إن روائح البترول قد أخذت تفوح فيها ، وفي حقولها < رميلان – وقره شوك > مما يزيد في تعقيد المشكلة )(14)
النتيجة والاستنتاج : إن الأمثلة التي تحدثنا عنها في سياقات هذا البحث ليست إلاّ أمثلة وعينات فقط حول السياسات والممارسات الجائرة اللاحضارية واللاإنسانية لتركيا وايران والعراق وسوريا ضد الأمة الكردية وكردستان ، وكيفية إدارتهم للأجزاء الكردستانية التي تحتلها ، بل تستعمرها بالأحرى منذ عقود زمنية طويلة ، فالدول المذكورة المتقاسمة والمحتلة لأجزاء كردستان كانت ومازالت تتصرَّف إزاء الكرد وكردستان من منطلقات إستعمارية بحتة . فيما يلي نوجز أهم وأبرز الأساليب والممارسات والسياسات الاستعمارية للدول المحتلة لمختلف أجزاء كردستان ، التي هي نسخة طبق الأصل للتعاريف والمفاهيم الأساسية التي وردت عن مفهوم الاستعمار من حيث الاصطلاح السياسي كنتيجة وآستنتاج لهذا البحث ، وهي :
1-/ الاحتلال القسري وبالإكراه وعنوة لشمال وشرق كردستان من قبل تركيا وايران منذ عدة قرون خلت ، والى يومنا هذا .
2-/ الاحتلال القسري وبالإكراه وعنوة لدولتين عربيتين لجنوب وغرب كردستان ، وهما العراق وسوريا خلال وبعد الحرب العالمية الأولى ( 1914 – 1918 ) ، وذلك حينما أنشأت بريطانيا الدولة العراقية الحديثة عام ( 1921 ) من ولايتي البصرة وبغداد ، ومن ثم إلحاق وضم جنوب كردستان ، أي ولاية الموصل بها ، يقول المؤرخ العراقي الدكتور وميض جمال عمر نظمي في هذا الصدد : ( إن العراق الحديث هو النتاج التاريخي لعملية التوحيد السياسي والاقتصادي للولايات العثمانية الثلاث : الموصل وبغداد والبصرة . هذه الصيرورة التاريخية تعززت بعاملين مهمين :
أولاً : سياسات الحكومة البريطانية بعد الحرب العالمية الأولى .
ثانياً : النمو المتزايد للحركة القومية والاستقلالية . إن تفاعل كل هذه العوامل أدى الى تشكيل الحكومة العراقية الحديثة المؤقتة 1920 ، ومن ثم ميلاد الدولة العراقية الحديثة )( 15 ) ، ثم أضاف الدكتور وميض جمال عمر نظمي : ( وطبقاً لإتفاقية سايكس – بيكو كانت الموصل تقع ضمن منطقة النفوذ الفرنسي ، وكان هذا يتعارض مع أتفاقية الحسين – مكماهون ، التي قضت بجعل الموصل جزءً من الدولة العربية المقترحة )( 16 )
3-/ الاحتلال والاستعمار الاقتصادي ، حيث يشمل إستغلال ونهب ثروات كردستان الوطنية ، في مقدمتها النفط والغاز والمعادن والمياه وغيرها .
4-/ الاستعمار القومي والثقافي ، وذلك عن طريق فرض قومياتهم وهوياتهم الوطنية التركية ، الايرانية ، العراقية والسورية على الشعب الكردي ، أو فرض ثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم ولغاتهم عليه .
5-/ إنتهاج سياسة التعريب والتتريك والتفريس العنصرية والتشييع المذهبية والتبعيث الحزبية العروبية ضد الشعب الكردي .
6-/ ممارسة سياسة النفي والتهجير والتشريد الجماعي للكرد من مناطق تواجدهم في كردستان الى الأماكن والمناطق النائية في بلدانهم .
7-/ بناء وإقامة المستوطنات العربية والتركية والايرانية في كردستان بعد تهجير وتشريد الكرد منها بالإكراه والقوة .
8-/ تغيير أسماء المدن والقرى والمناطق والجبال والأنهار والمعالم التاريخية والآثارية الكردستانية في كردستان وتبديلها بتسميات عربية ، أو تركية ، أو فارسية ايرانية .
9-/ الاستعمار العسكري ، وذلك بإنشاء القواعد العسكرية الضخمة لجيوشهم في مختلف أجزاء كردستان وتزويدها بأحدث الأسلحة الفتاكة ، بالاضافة الى إنشاء الكثير من المراكز الأمنبية – المخابراتية في أجزاء كردستان .
10-/ تغيير التسمية التاريخية والحقيقية لكردستان ، وذلك إطلاق تسميات شرق تركيا على شمال كردستان ، وغرب ايران على شرق كردستان ، وشمال العراق على جنوب كردستان ، والجزيرة على غرب كردستان لأجل تمييع ومحو تسمية كردستان الى الأبد .
11-/ محاولة الابادة للجنس الكردي ، وذلك عبر مختلف حملات ومسلسلات القتل الجماعية ، وبأحدث صنوف الأسلحة الفتاكة والمدمرة .
12-/ محاربة الجغرافيا والتاريخ الكرديين وبإزاءه فرض جغرافيا وتواريخ بلدانهم وشعوبهم على الكرد ، وذلك بهدف طمس وتضييع الجغرافيا والتاريخ الكرديين ومحوه من الوجود ومسحه من ذاكرة الشعب الكردي .
في الأخير نسأل الشعوب العربية والتركية والفارسية ، بخاصة المتعلمين ، وبشكل أخص المثقفين منهم : هل إن الاستعمار يفعل ويرتكب أكثر من الجرائم الكبرى من الدول المتقاسمة والمحتلة لأجزاء كردستان ، حيث هم يبررون كل ذلك بالدين والمذهب والشرائع ، أو بالنعرات القومية ، أو بغيرها ..؟
تأسيساً لماورد ذكره حتى الآن فإن الحقيقة وفق الملف التاريخي والتعاريف الموجودة حول لفظ الاستعمار على الصعيد الاصطلاحي السياسي فإن تركيا وايران والعراق وسوريا ، هي دول إستعمارية ، وهي تدخل مباشرة في دائرة التعاريف للاستعمار ..
المصادر :
1-/ كتاب ( المفردات في غريب القرآن ) لمؤلفه الراغب الأصفهاني ، ص 347
2-/ كتاب ( المعجم الوسيط ) لمؤلفه : مجموعة من المؤلفين ، ج 2 ، ص 627
3-/ كتاب ( الموسوعة العربية الميسرة ) لمؤلفه : مجموعة من المؤلفين ، بإشراف محمد شفيق غربال ، ج 1 ، ص 143
4-/ كتاب ( القاموس السياسي ) لمؤلفه أحمد عطية الله ، ص 145
5-/ كتاب ( قاموس عميد ) لمؤلفه حسن عميد ( باللغة الفارسية ) ، ج 1 ، ص 145
6-/ كتاب ( التاريخ السياسي الحديث والعلاقات الدولية المعاصرة ) لمؤلفه الدكتور فايز صالح أبو جابر ، ص 68
7-/ مجلة ( صوت كردستان ) لحزب العمال الكردستاني ، آذار – 1991 ، ص 25
8-/ المصدر السابق ، ص 29
9-/ مجلة ( دراسات كردية ) تصدر عن المعهد الكردي ، فرنسا / باريس ، العدد : 7 – 3 ، السنة الثامنة لعام 1992 ، ص 41
10-/ كتاب ( كردستان الغربية ) لمؤلفه الدكتور بيري شاليار ، من مطبوعات لجنة حقوق الانسان الكردي ، ص 11
11-/ المصدر السابق والمؤلف والصفحة
12–/ المصدر السابق والمؤلف ، ص 12 – 13
14-/ كتاب ( السياسة الاستعمارية لحزب البعث السوري في غرب كردستان ) لمؤلفه : إعداد الدكتور جواد ملا ، هذا الكتاب يتضمن دراسات وملاحظات ومقالات لمجموعة من الكتاب الكرد ، من ضمنهم كاتب هذا البحث ، ص 54
15-/ كتاب ( ثورة 1920 ) لمؤلفه الدكتور وميض جمال عمر نظمي ، ص 31
16-/ نفس الكتاب والمؤلف ، ص 292

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here