أضواء على الدولة الفاطمية، ح 2 (*)

د. رضا العطار

كان العالم الأسلامي ابان القرن التاسع الميلادي يمر بمرحلة سياسية عصيبة. فقد تفرقت كلمة المسلمين وتمزقت بلدانهم وكادت ان تتلاشى, فغدوا يتطلعون الى من ينقذهم من يراثن البيزنطيين بعد ان تعاظمت قوتهم واحتلوا مناطق شاسعة من البلاد الاسلامية حتى ان امبراطورهم نقفور موقاس اظهر مطامعه وهدد بالزحف الى الحجاز والوصول الى الديار المقدسة واحتلال مكة المكرمة, وكان الموقف العسكري العام انذاك يتطلب وجود دولة اسلامية قوية ذات قدرات عسكرية عالية للوقوف في وجه تلك الأخطار فكانت الدولة الفاطمية الفتية التي وقفت لها بالمرصاد, و تمكنت من ضم دول شمال افريقيا في كيان واحد وقيادة واحدة وقضت على التجزئة وجعلت منها وحدة متماسكة بعدما كانت عبارة عن دول متطاحنة متقاتلة.

هكذا نهضت الدولة الفاطمية الفتية من بين الزعازع وقامت شديدة لتواجه الخطر البيزنطي الداهم , بعد ان اخذت اطراف الوطن العربي تنتقص الواحدة تلو الاخرى مثلما وصفها شاعر العصر هاني الاندلسي في هذه القصيدة :

فمدينة من بعد اخرى تستبى * * وظريقة من بعد اخرى تقتفى
حتى لقد رجفت ديار ربيعة * * وزلزلت ارض العراق تخوفا
والشام قد اودى واودى اهله * * الا قليلا والحجاز على شفا
وكان تعبير الشاعر تعبيرا واضحا يعطي الصورة الواقعية ويبين بجلاء حالة الدنيا في ذلك الزمان . ويضيف الشاعر متفائلا :

لا تيأسو فالله منجز وعده * * قد أن للظلماء ان تتكشفا

ولهذا اتجهت سياسة الدولة الفاطمية في عهد الخليفة المعز لدين الله الى تحرير المدن السورية التي احتلها البيزنطيون والذين وصلوا في هجماتهم الى حمص وبعلبك ودمشق وصيدا وبيروت . لكن الفاطميون لم يكونوا في غفلة من امرهم انما كانوا يعززون مواقعهم على التخوم الشامية باستمرار وادركوا ان جيوشهم البرية وحدها لا تكفي لحماية العالم الاسلامي وانقاذه من خطر الروم , لذا انشأوا اسطولا ضخما يضم اكثر من مائتين سفينة حربية, وعندما تهيئوا واستعدوا اصطدموا بالبيزنطيين في بلاد الشام والحقوا بهم هزائم متكررة اجبرت العدو على الانسحاب شمالا منحصرا في مدينة انطاكية . وبذلك حقق الفاطميون نصرا مبيا في البر والبحر حتى شملت سيادتهم على البحر الابيض المتوسط من بيروت شرقا حتى مضيق جبل طارق غربا . هذا ما جاء به محمد سرور استاذ التاريخ الاسلامي بجامعة القاهرة.

لم يرتاح الغرب المسيحي لظهور الامبراطورية الفاطمية وهي مسيطرة على الطرق المائية التجارية في البحر المتوسط , فهاجمها من عدة مواقع . وهنا يصور لنا المؤرخ ابن الاثير احدى هذه المعارك : في عام 354 للهجرة نزل على سهل جزيرة صقلية جيش البيزنطيين بقيادة منوئيل , فتصدى لهم الفاطميون ودخلوا معهم في معركة ضارية دامت طيلة النهار وانتهت بفوز المسلمين بعدما استطاع احدهم من نحر فرس قائدهم, الذي سقط قتيلا مع جمع من مرافقيه مما تسبب في انهزام افراد جيشه ناجين بانفسهم, فلحقهم المسلمون واوقعوا في مراكبهم حرقا وغرقا, كان لا يلوي احد من احد.
في هذه الاثناء توفي امبراطورهم لكن النزاع المسلح ظل قائما بين الدولة الفاطمية والدولة البيزنطية حتى قدم الى القاهرة وفد يضم مبعوثين من قبل الامبراطور الجديد
باسيل الثاني حاملا للخليفة هدية اشتملت على ثمان وعشرين صينية من الذهب الخالص , عارضا طلب الصلح , فاستجاب الخليفة لطلبهم وعقد مع الدولة البيزنطية صلحا لمدة عشرة اعوام لكن بشروط .
الى الحلقة التاية في الاسبوع القادم !

* مقتبس من كتاب دائرة المعارف الاسلامية الشيعية للباحث حسن الامين، المجلد الرابع الطبعة الاولى بيروت 1990 .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here