عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الرَّابِعَةُ (٤)

نـــــــــزار حيدر
لقد سلَّط الحُسين السِّبط (ع) الضَّوء على إِنحرافِ المنْهَجِ وإِنحرافِ المسؤُول في آنٍ واحِدٍ، ليُثبتَ؛
١/ تلازُم الانحرافَين!.
٢/ يتحقَّق التَّغيير بالرَّفض القاطع للبداياتِ من أَجْلِ أَن لا تتعقَّد الحُلول!.
ولذلك كانَ موقفهُ من بيعةِ الطَّاغية يزيد قطعيّاً وحاسماً لا هوادةَ فيهِ ولا تفاوُض بأَيٍّ شَكلٍ من الأَشكالِ!.
يعتقدُ البعضُ أَنَّ الانحناءَ أَمام العاصِفة في بدايةِ هبوبِها قد تَكُونُ سياسةً من بابِ أَنَّ اليدَ التي لا تقدر على قطعِها قبِّلها! أَو كما قال الشَّاعرُ المُعتمَد بن عبَّاد؛
قالوا: الخضوعُ سياسةٌ ** فَلْيَبْدُ مِنكَ لَهُم خُضوعُ
إِلّا أَنَّ كلَّ تجارب البشريَّة تُشيرُ إِلى عكسِ ذلك تماماً! كانَ آخرها مُراهنة بعض [السَّاسة] على الارهاب كأَداةٍ لفرضِ أَجنداتهِم على الشُّركاء الآخرين في السُّلطة لتأتي النَّتائج عكسيَّةً تماماً إِذا بهِم قبَّلوا اليد أَوَّلاً وفِي نِهايةِ المَطاف دفعُوا الثَّمن دماء وأَعراض وتَهجير وتَدمير!.
أَمّا الحُسين السِّبط (ع) فقال {مِثْلِي لا يُبايِعُ مِثْلَهُ}!.
فالعاقلُ هو الذي يقدِّرُ الأُمور بشَكلٍ سليمٍ فيدفع أَقلِّ الثَّمن إِبتداءً خَيْرٌ لَهُ من أَن يدفع أَبهض الثَّمن إِنتهاءً!.
ولنا نحنُ العراقيُّونَ في تجربتِنا مع الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين خيرُ دليلٍ على ذلك! فعندما نزا البعثيُّون على السُّلطة في بغداد عام ١٩٦٨ قال النَّاسُ؛ دعونا نُجرِّبهُم! لنمنحهُم فرصةً قبل أَن نحكُمَ عليهِم! دعوهُم يتورَّطوا بالسُّلطة فسيسقطونَ لوحدِهِم! فيما سعى آخرونَ إِلى إِستغلال الفُرصة لتحقيقِ بعضِ المكاسبِ الحزبيَّةِ الضَّيِّقة على حسابِ المصلحةِ الوطنيَّةِ العُليا! وآخرونَ رقصُوا طرباً لأَنَّ العهدَ الجديد دشَّنَ سلطتهُ بالهجومِ الارهابي الطَّائفي على [الرَّوافِض] وحوزتهِم ومراجعهِم! فماذا كانت النَّتيجة؟!.
٣٥ عاماً من أَسوء أَنواع السُّلطة الشُّموليَّة البوليسيَّة القمعيَّة التي إِنتهت بالعراقِ إِلى أَن فقد سيادتهُ وقرارهُ و [١٠٪‏] من أَراضيه وزَّعها على جيرانهِ في الاتِّجاهات الأَربعة!.
كلُّ الذين سكتُوا بذريعةِ الانحناءِ أَمامَ العاصفةِ قبلَ الانقضاضِ عليها دفعُوا الثَّمنَ غالياً! بِمَن فيهم أُولئك الذين تعامَلوا مع العهدِ الجديد بنفَسٍ طائِفيٍّ بغيضٍ أَو بنفَسٍ عُنصريٍّ لئيمٍ!.
لقد أَرادَ الحُسينُ السِّبط (ع) أَن ينقُشَ الحقيقة على الصَّخر، قائِلاً يخاطبُ والي الأَمويِّين على المدينةِ المنوَّرة، الوليد بن عُتبة بن أَبي سُفيان؛
أَيُّها الأَمير، إنَّا أَهلُ بَيتِ النُّبوَّةِ ومَعدِنُ الرِّسالَةِ ومُختَلفُ الملائكةِ، بِنا فتحَ الله وبِنا ختَمَ، ويزيدٌ فاسِقٌ فاجِرٌ شارِبُ الخَمرِ، قاتِلُ النَّفسِ المُحترَمَةِ مُعلِنٌ بالفِسقِ والفُجورِ ومِثلي لا يُبايِعُ مِثْلَهُ!.
إِنَّ الموقف الصَّلب من البِدايةِ إِذا شعرتَ أَنَّها تضرُّ المجتمع على المُستوى البَعيد [الاستراتيجي] هو الشَّيء الصَّحيح الذي عليكَ اتِّخاذهُ!.
إِنَّ جُلَّ مشاكلِنا العويصةِ بداياتُها سخيفةٌ أَو تافهةٌ إِلّا أَنَّ السُّكوتَ عنها والاسترسال معَها ومُداراتها بأَيِّ ثمنٍ هو الذي يُحوِّلها إِلى أَعقد المشاكِل وأَشدَّها خُطورةً!.
أَرأَيت إِذا انحرفَ الخطُّ المستقيم عن مسارهِ في بداياتهِ واحِدٌ من مليار من الملِّليميتر؟! إِلّا أَنَّهُ سينحرفُ بعد ميلٍ أَو ميلَينِ من مسارهِ المُمتدَّ مِتراً أَو أَكثر رُبما! الأَمرُ الذي يُغيِّر كلَّ المعادلاتِ الفيزيائيَّةِ ويُبدِّل النَّتائج رأساً على عَقِبٍ!.
إِذا أَردتَ أَن لا تحصلَ لك مِثل هذهِ النَّتيجة فلا ينبغي لَكَ الانشغالُ بتعديلِ الانحرافِ من النِّهاياتِ وإِنَّما بِداياتهُ!.
وهذا هوَ الفرقُ بينَنا وبينهُم! إِنَّهم يحسبونَ لكلِّ شيءٍ حسابهُ من البدايةِ لضَمان الأَمد البَعيد! أَمَّا نحنُ فلا ننظرَ إِلى أَبعد من أَرنبةِ أُنوفِنا، ولذلك في الولايات المتَّحدة مثلاً يكتبونَ دستوراً يستمرُّ العملَ بهِ لحدِّ الآن [٢٣٠ عاماً وهوَ عُمرُ الاتِّحاد]! أَمّا نحنُ فخلال قرنٍ من الزَّمن [وهو تاريخ تأسيس الدَّولة العِراقيَّة الحديثة] فقد كتبنا لحدِّ الآن أَكثر من [٣٠] دستوراً يختلف الواحد عن الآخر! وها نحن نُحاول إِنتهاك آخر هذه الدَّساتير بَعْدَ [١٢] عامٍ فقط من التَّصويت عليهِ من قِبل الشَّعب! فضلاً عن أَنَّنا رفعْنا لحدِّ الآن عشَرات الأَعلام [الوطنيَّة] التي لا يتشابهُ إِثنان مِنها!.
٢٣ أَيلول ٢٠١٧
لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1
(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here