هربجي، بين الوحدة والإنفصال

* علي عبد الحسن ناصر

إحساس كبير بالفجيعة والألم يعتصران القلب، وهو يرتجف خافقا بأسى كبير، كلما لوّح القادة الكورد المتزمتون بورقة الإنفصال عن جسد العراق العظيم، وتخريب خارطته الجميلة التي ألفتها عيوننا، وأقلامنا، والفرشاة التي ترسمها عن ظهر قلب، وبإستمتاع وتلذذ.

هذا القرار لم يقترب من التفكير به قادة السياسة الكردية في أصعب المراحل التي مرت بها العلاقات الكردية – العربية في العراق، وفي أضنك المراحل أبان الحروب التي اندلعت في سبعينات القرن الماضي، وما سبقها، وما لحقها، فكردستان لم تكن طارئة على الجسد العراقي، والنسيج المتين بتاريخه وموروثه وانصهار مشتركاته، ناهيك عن ذوبان الكرد والعرب في بودقة العراق.

لم يكن الشعب الكردي ليسكت على مظلوميات كبيرة سببتها له الأنظمة الشمولية سواء أكانت المركزية منها أم سلطة الإقليم، فخاض نضالات مريرة وكبيرة لعقود من الزمن خلت، تحقق له من آماله الكثير، وما زال يواصل ما بدأه، إنها مسألة حقوق، لا تسقط بالتقادم، ولا نأتي بجديد عندما نقول ان أبناء كردستان العزيزة، هم أبناءُ العراق العظيم، نسمةُ شمال هذا الوطن، هم أصدقاءَ الجبالِ، ورفاقَ درب الثورةِ والنضال، وكردستانُ عزيزةٌ علينا، وحريتُها، وعزَّتُها، ورفاهها، هدفٌ سامٍ نؤمنُ به، ونتفهَّمُ تماما الحُلُمَ الذي قاتل من أجلِهِ الكرد عشرات السنين وقدموا عشراتِ الالافِ من الشهداء ، حلم كبُرت مَعَهُ الأجيالُ الكرديةُ.

نطمئن أخواننا بأن حقهم في هذا الوطنِ متساوٍ معَ حقوقِ إخوتهم في الوطنية العراقية، لأننا عندما نرفعُ شعارَ الوطنِ الواحدِ ودولةِ المواطنة، فان عراقيتنا هي عنوانُ عزتنا، وكرامتنا، وهيبتنا، في اطار مصالح ومستقبل شعبنا قبل مصالحنا ورغباتنا، من هنا ندعو الساسة ان لا يطيحوا بالانجازات التي تحققت، والتي تنتظر التحقيق، بقرارات آنية مستعجلة تمليها ردود الأفعال قبل مصالح الشعوب، فتصعيد المواقف، وتفخيخ الأزماتِ ستؤدي الى المزيدٍ من الدمارِ، وفقدانِ الثقةِ بين أبناءِ الوطنِ الواحدِ والجغرافيةِ الواحدة ، وسيكونُ الجميعُ خاسراً ، فليس هناك رابح في تنازع الاخوة في الوطن، فما زالت (هربجي كرد وعرب رمز النضال) ترن بلحنها الجميل في الآذان، ما الذي جرى لنقوض هذا الأمل، والحلم بأن نسير معا لبناء الوطن، والشعوبُ الحُرَّةُ لا تغفرُ لمن يُصرُّ على الخطأ بحقِّها ، وقد تُضَلَّلُ الشعوبُ ويُشَوَّشُ عليها ، ولكنها ستكتشفُ الطريقَ الصحيحَ، وتُصَوِّبُ مساراتها.

لا ننكر وجود مشاكل ومتعلقات لم تجد طريقها للحل، وذلك لن يكون الا بالإحتكام الى العقل، والمنطق، ومصلحة الوطن، على طاولة حسن النية في الانتماء الى العراق، قبل ان نكون عربا، او كردا، أو أي مكون آخر، فالعراق ملاذنا الآمن، يكفينا ويكفيكم شرورَ الأشرار ، وقلبه يحتضنكم ويحميكم، فتمسكوا بحلمكم، ونحن ذراعكم الى ذلك، وتمسكوا بعراقيتكم ، ولنمنح الأجيالَ القادمَةَ فرصةً للاختيارِ بعيداً عن الأزماتِ والضغوط والتحدّيات الآنيَّة، فلا تفرطوا بالعراقِ، ولا تستهينوا بِه ، فهو السدُّ المنيعُ ، وهو الحصنُ الحصينُ للجميع، واذا ما انهارَ العراقُ لا سمحَ الله، فسوف ينهارُ الجميع ومن دونِ استثناء.

ولمناسبة الأول من محرم طرح تيار الحكمة الوطني رؤيته وأفكاره التي استشرف بها المستقبل، فقال رئيس التيار عمار الحكيم : إنَّ ثوابتَنا ليست مجرَدَ شعاراتٍ أو لافتات .. فثوابتنا هي هويَّتُنا وشرفُنا وقيَمُنا التي نتشرَّفُ بها ونعملُ من أجلِها ونقيسُ استقامتَنا بدرجةِ تجسيدنا لها والتزامنا العمليِّ بها ، لا نستغلُّ ثوابتنا في مشاريعنا ، بل نوظِّفُ مشاريعَنا ووجودَنا لخدمة ثوابتِنا والوفاء لها، والكُردِ والتركمانِ و الشبك، للمسلمينَ والمسيحيينَ والصابئةِ والايزديين، الحسين للعراقِ و لإيرانَ و السعوديةِ ومصرَ وتركيا وكلِّ الدولِ العربيَّةِ والاسلاميَّةِ ، بل الحسينُ للإنسانيةِ جمعاءَ مهما اختلفت دياناتُهُم وتوجهاتُهُم الفكريَّة، نحنُ عراقيونَ وطنيونَ ونفخرُ بذلك، لكننا لم ندَّعي تمثيلَ العراقِ كلِّهِ ، فالعراقُ أكبرُ مناً جميعاً، وشرفُنا هو الوفاءُ لهُ وخدمةُ أهلِهِ الطيبين .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here