الهروب من الحرية.. هكذا حال العبيد

محمد أبو الوفا
(كن معهم يا سيدي الشريف كما أنت، ولا تبال ما يقول الناس، فإنهم اعتادوا الظلم فإذا رفع عنهم تشوقوا إليه، وأسفوا على أيامه الماضية، إن الخفافيش لا تعيش إلا في الظلام، فإذا سطع عليها النور اضطربت ولاذت منه بالفرار، وهؤلاء العبيد الذين نسومهم الخسف لو أطلقنا سراحهم في الصباح لعادوا إلينا في المساء، ولحنوا إلى الذل الهنيء في ظلال ساداتهم )

( آه يا سيدي هؤلاء الفرنسيون لو أطعمناهم المن والسلوى ما كافأناهم، ولو شوينا لهم فلذات أكبادنا ما وفينا ديننا لهم !… ولو أن لقمة كانت في أذيال السحاب، وكان لي نهوض الطائر لحلقت حولها واختطفتها لأضعها في فم فرنسي، إن ما نحن فيه من نعمة واطمئنان وثروة لم يكن إلا منحة أيديهم وفضل سماحتهم، دع مسألة الدين بالله عليك يا سيدي )

هذا هو حال العبيد.. وهكذا صورهم الروائي المصري الراحل على الجارم في روايته السياسية الرائعة ” غادة رشيد”..

واتساقاً مع ما قاله الجارم فى روايته ” غادة رشيد”.. يرى عبد الرحمن الكواكبي في مقدمة كتاب (طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد ) أن: ( العوام هم قوّة المستبد وقوته . بهم عليهم يصول و يجول , فيتهللون لشوكته ,و يغصب أموالهم , فيحمدونه على إبقائه على حياتهم , و يهينهم فيثنون على رفعته , ويغري بعضهم على بعض فيفتخرون بسياسته ( حنكته ) و إذا أسرف في أموالهم , يقولون كريم , و إذا قتل منهم و لم يمثل يقولون رحيم … و الحاصل أن العوام يذبحون أنفسهم بأيديهم بسبب الخوف الناشئ عن الجهل .. )

أما الشهيد سيد قطب فيرى ان ﺍﻟﻌﺒﻴﺪ ﻫﻢ “ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻬﺮﺑﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻓﺈﺫﺍ ﻃﺮﺩﻫﻢ ﺳﻴﺪ ﺑﺤﺜﻮﺍ ﻋﻦ ﺳﻴﺪ ﺁﺧﺮ ﻷﻥ ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﺣﺎﺟﺔ ﻣﻠﺤﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ, ﻷﻥ ﻟﻬﻢ ﺣﺎﺳﺔ ﺳﺎﺩﺳﺔ ﺃﻭ ﺳﺎﺑﻌﺔ, ﺣﺎﺳﺔ ﺍﻟﺬﻝ, ﻻﺑﺪ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﺇﺭﻭﺍﺋﻬﺎ ﻓﺈﺫﺍ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻌﺒﺪﻫﻢ ﺃﺣﺪ ﺃﺣﺴﺖ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﺑﺎﻟﻈﻤﺄ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﺳﺘﻌﺒﺎﺩ ﻭﺗﺮﺍﻣﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻋﺘﺎﺏ ﻳﺘﻤﺴﺤﻮﻥ ﺑﻬﺎ ﻭﻻ ﻳﻨﺘﻈﺮﻭﻥ ﺣﺘﻰ ﺍﻻﺷﺎﺭﺓ ﻣﻦ ﺇﺻﺒﻊ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﻟﻴﺨﺮﻭﺍ ﻟﻪ ﺳﺎﺟﺪﻳﻦ.

ﺍﻟﻌﺒﻴﺪ ﻫﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺠﺪﻭﻥ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﺇﻻ ﻓﻲ ﺳﻼﺳﻞ ﺍﻟﺮﻗﻴﻖ ﻭﻓﻲ ﺣﻈﺎﺋﺮ ﺍﻟﻨﺨﺎﺳﻴﻦ ﻓﺈﺫﺍ ﺃﻧﻄﻠﻘﻮﺍ ﺗﺎﻫﻮﺍ ﻓﻲ ﺧﻀﻢ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺿﻠﻮﺍ ﻓﻲ ﺯﺣﻤﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﻓﺰﻋﻮﺍ ﻣﻦ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻭﻋﺎﺩﻭﺍ ﻃﺎﺋﻌﻴﻦ ﻳﺪﻗﻮﻥ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﺤﻈﻴﺮﺓ ﻭﻳﺘﻀﺮﻋﻮﻥ ﻟﻠﺤﺮﺍﺱ ﺃﻥ ﻳﻔﺘﺤﻮﺍ ﻟﻬﻢ ﺍﻷﺑﻮﺍﺏ. ﻫﺬﻩ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻣﻌﺮﻭﻓﺔ ﻭﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻣﻜﺸﻮﻑ ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺏ ﻛﺜﻴرة ﻭﻧﺤﻦ ﻋﻠﻰ ﻳﻘﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﻗﺒﺔ ﻭﺍﻟﻌﺎﻗﺒﺔ”.

وقبل النهاية تبقى كلمة:

إن الخوف من الحرية هو مرض يصيب أي شخص أو حزب غير جدير بالمسؤولية في المستقبل الراهن القريب وخاصة إذا لم تحقق العدالة الاجتماعية، والشجاعة تجاه الحرية هي المطلب الأهم والسمة الخلقية الأولى التي يجب أن تتحلى بها كل القوى الثورية في المرحلة القادمة، تلك الشجاعة التي لن تردعهم عن قول كلمة حق عند أي سلطان جائر والتي ستحملهم على تقديم المسيئين والمجرمين بحق الشعب للمحاكمة أمام دولة الحرية والقانون، فإن كنت ممن تعيش بلاده عصر الثورة أو ستعيش عصر ربيع قادم فحاذر أن تنخرط في صف الخائفين من الحرية في الحاضر أو المستقبل.

وفى النهاية يقول الفلاسفة وأهل الفكر:
•لو أمطرت السماء حرية .. لرأيت بعض العبيد يحملون المظلات. – افلاطون
•من رضع من ثدى الذل دهرا رأى فى الحريه خراباً و شراً. – محمود درويش
•الإنسان في ظل الاستبداد لا يحب قومه لأنهم عون الاستبداد عليه، ولا يحب وطنه لأنه يشقى فيه. – عبد الرحمن الكواكبي
•هناك من يناضلون من أجل التحرر من العبودية، وهناك من يطالبون بتحسين شروط العبودية. – مصطفى محمود
•إنهضوا أيها العبيد، فإنكم لا ترونهم كبارا إلا لأنكم ساجدون. – أبراهام لنكولن (الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية)
التقرير

كيف يمكن لـ «ناسا» حل أزمة المياه بالشرق الأوسط؟

هل يؤدي فوز حزب «ماكرون» بالانتخابات التشريعية إلى سياسة الصوت الواحد؟

ليلى موران.. أول نائبة من أصل فلسطيني تدخل مجلس العموم البريطاني

تحليل: صعود حفتر والدافع الحقيقي لمصر في ليبيا

النقاش — تعليق واحد

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here