معضلات الدستور العراقي الدائم الحلقة : ٣

بقلم : د. نوري لطيف *

ثانياً – إشكالية ديباجة الدستور:

تكون الديباجة عادة مقتضبة ومركزة، فعلى سبيل المثال ميثاق الأمم المتحدة، حدد في ديباجته غايات المنظمة بأربع غايات هي:

1) التخلص من ويلات الحروب.

2) الايمان بحقوق الإنسان.

3) تحقيق العدالة.

4) رفع مستوى الحياة للإنسان … الخ.

أما وسائل تحقيق تلك الغايات فهي:

1) العيش بسلام.

2) رفض استخدام القوة في غير المصلحة المشتركة.

3) ترقية الشؤون الاقتصادية والاجتماعية.

ولنا قصة في ديباجة دستورنا الدائم وفيها شهود عيان، فاعتباري ممثلاً لرئاسة الجمهورية في حينه في اللجنة الفرعية «لجنة خبراء الدستور»، بادرت إلى إعداد ديباجة وسلمتها إلى رئاسة الجمهورية وبدورها سلمتها إلى د. محمود عثمان أحد الأعضاء الكورد في اللجنة النيابية لكتابة الدستور، وجاءتنا ديباجة جديدة يمكن وصفها بـ«البكائية».

وفي لقاء بلندن عقدت ندوة حول الدستور وحضرها جمهور واسع وكنتُ أحد المدعوين، وبالصدفة جلس إلى جانبي د. محمود عثمان، وفي حينه طلبت الكلمة وأشرت مباشرة إلى د. محمود متهماً إياه بعدم إيصال الديباجة التي كتبتها. ومباشرة تناول د. محمود الكلام بعدي واعترف أمام الملأ إن ما قدمته كان الأفضل والأحسن وأنه سلمها إلى اللجنة ولكن لا يعلم هل سرقت أو فقدوها أو أعدمت.

وبقي الأمر في ذاكرتي ولدى زيارتي في حينه إلى بغداد توجهتُ إلى مكتب شيخ همام حمودي وطلبتُ منه أضابير الدستور من الأرشيف، واستجاب الرجل فوراً وجلست ساعات طويلة في مكتبه أتصفحها ورقة ورقة ولم أعثر عليها.

إنّ الديباجة الحالية في الدستور الدائم والدستور بأكمله تجاهلا مصطلح «مواطن عراقي» أو «مواطنة عراقية».

وقد وردت في الديباجة كلمة «مواطنينا» وليس مواطنين عراقيين، وهذا يعني أن كل كتلة ساهمت في كتابة الدستور تدعي مواطنيها، فقد جاء النص في الديباجة «تلبية لنداء وطننا ومواطنينا واستجابة لدعوة قياداتنا الدينية وقوانا الوطنية وإصرار مراجعنا العظام وسياسينا … الخ».

وفي الدستور تضمن فقط كلمتين الأولى هي «للمواطنين» دون أن يرد فيها بالعراقيين في المادة (20) من الدستور، كما وردت كلمة «عل كل مواطن حماية الأموال العامة» في المادة (27).

والتساؤل المطروح ممن يحميها المواطن العادي، وهو أساساً غير محمي ومشروع للاغتيال والخطف بالتفجيرات الداعشية الاجرامية. أما الأموال العامة فأصبحت معرضة للنهب والسلب والجميع يعترف بالفساد المالي المستشري.

واستبدل الدستور والديباجة «المواطن العراقي» بـ«المكونات» من الديباجة وحتى نهاية الدستور. وهذا يعني أن الدستور أسس وأقر المحاصصة وألغى المواطن والمواطنة، والمحاصصة قادت إلى الفساد المالي والإداري. وهذا ما سنتعرض له في المعضلة السياسية.

وهنا لابد من الإشارة إلى تثبيت مكونات الشعب العراقي والاعتراف بها في الدستور هو فضيلة وإيجابي وإقرار بالواقع العراقي. ولكن المعضلة وكل الخطورة عندما يعتمد المكون كشرط أساسي لتولي الوظائف والمهام العامة، وهذا يعني تجاوز مبدأ المساواة بين المواطنين من جهة وجهة أخرى تجاوز أصحاب الاختصاص والكفاءة والخبرة والتجربة المهنية. ولشديد الأسف أضيفت أمور أخرى في هذا المجال:

1) الانتماء للمكون.

2) الانتماء الحزبي أيضاً.

3) صلة القربى (الأقربون أولى بالمعروف).

أي أن الأمر أصبح ثلاثي الأبعاد: مكون + حزب + من ذوي القربى.

ثالثاً- السلطة التشريعية غير المكتملة

1- نصت المادة (48) من الدستور على ما يلي: «تتكون السلطة التشريعية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد». وأضافت المادة (65): «يتم إنشاء مجلس تشريعي يدعى بـ«مجلس الاتحاد .. الخ»، ولحد الآن ورغم مرور عدة دورات برلمانية لم ير «مجلس الاتحاد» النور. علماً أن المادة (137) ألزمت مجلس النواب أن يصدر قرار بمجلس الاتحاد، قبل انتهاء دورته الانتخابية الأولى.

وتنص المادة (137): «يؤجل العمل بأحكام المواد الخاصة بمجلس الاتحاد أينما وردت في هذا الدستور، إلى حين صدور قرار من مجلس النواب بأغلبية الثلثين بعد دورته الانتخابية الأولى التي يعقدها بعد نفاذ هذا الدستور».

علماً أن الدستور دخل حيز التنفيذ منذ عام 2005م، والدستور يلزم مجلس النواب باتخاذ قراره منذ الدورة الأولى. والتساؤل المطروح كم دورة برلمانية مضت والدورة الجديدة على الأبواب عام 2018، إلا يعني أنّ هذا خرقاً دستورياً فاضحاً. وأن مجلس النواب يستحوذ على حل وتسوية بعض الأزمات خاصة مع إقليم كوردستان والمحافظات.

2- إشكالية عدد أعضاء مجلس النواب

كل نائب يمثل 100 ألف نسمة من السكان بموجب نص المادة (49)، علماً أن نفوس العراق تزداد بنسبة 3٪ سنوياً ولذلك فإنّ عدد المقاعد يزداد في كل دورة حتى وصل حالياً إلى 328 نائباً، رغم أن الغيابات تفوق المائة عضو في كل جلسة، والراتب والمخصصات التي تكلف ميزانية الدولة مبلغاً باهضاً، وحسب دراسة عن الدورة النيابية السابقة فإن مجموع ساعات عمل المجلس لأربع سنوات كان 37 أو 39 ساعة عمل أي بمعدل سبع ساعات.

ولذلك نقترح إما اتباع قاعدة المقاعد النيابية الثابتة بغض النظر عن عدد النفوس كما هو الأمر في بريطانيا (650) مقعداً رغم أن عدد نفوس بريطانيا جاوز الـ(70) مليون نسمة، وكذلك في الولايات المتحدة الأمريكية (435) مقعداً، ويبلغ عدد الناخبين أي عدد المواطنين الذين يملكون حق التصويت في الولايات المتحدة يبلغ (243) مليون نسمة.

ومؤخراً اقترح الرئيس الفرنسي الجديد لدى افتتاحية البرلمان الجديد الذي فاز حزبه بأغلبية المقاعد، اقترح تقليص عدد المقاعد بـ1/3.

أو على الأقل في العراق اعتماد قاعدة النائب يمثل (250) ربع مليون نسمة أي في المليون أربعة نواب بدل عشرة.

معضلة تشريع القوانين

الإشكالية الأولى هنا أكثر من (60) مادة دستور تنص «ينظم بقانون»، (20) مادة منها تخص الحقوق والحريات العامة لم ينجز المجلس أغلبها، بينما بالمقابل بادر المجلس إلى تشريع ما ورد في المادة (63) التي تخص حقوق وامتيازات رئيس مجلس النواب ونائبيه وأعضاء مجلس البرلمان.

والمجلس أدخل قاعدة التوافق في تشريع القوانين، ومؤخراً أحال (30) مشروعاً من القوانين إلى صالة الإنعاش للتوافق عليها بين رؤساء الكتل.

هناك أيضاً إشكالية المادة (130) من الدستور التي نصت على أن «تبقى التشريعات المعمول بها ما لم تلغى وتعدل بقانون».

إنّ هذا النص أباح استمرار نفاذ النظام القانوني وقرارات مجلس قيادة الثورة في جميع الميادين والمجالات، رغم أن دستور صدام المؤقت التي تستمد تلك القوانين وجودها منه قد سقط كلياً، وهذا يعني انتفاء أساس وجودها، فكل قانون صدر في حينه تبقى استناداً إلى المادة كذا من الدستور صدر القانون التالي .. الخ، ولذلك يعاني مجلس النواب حالياً من هذا الأمر عندما تثار قضايا في مختلف الميادين يبادر إلى إلغاء القانون أو القرار النافذ منذ عهد نظام صدام.

وفي حينه بادرنا بتقديم طلب إلى رئيس الجمهورية لمعالجة هذا الأمر سيما وأن السلطتين التشريعية والتنفيذية كانت موحدة، واقترحنا بتشكيل فريق قانوني مختص من ثلاثة أشخاص، وتقديم مشاريع قوانين تشمل الأهم فالمهم للقضاء على ظاهرة نفاذ التشريعات الصدامية المعمول بها، وبالفعل وافق السيد رئيس الجمهورية فخامة مام جلال، ولشديد الأسف لم ينفذ الأمر بعدم تهيئة الظروف ومستلزمات العمل.

————————-

* ١- أستاذ القانون الدستوري والقانون العام دراسات أولية وعليا سابقا في جامعات ( المستنصرية ، بغداد،الجزائر) UCK لندن والجامعة العالمية للعلوم الاسلامية لندن .

٢- رئيس قسم الدراسات العليا في معهد الحقوق والعلوم الإدارية جامعة الجزائر المركزية .

٣- عميد كلية القانون والفقه المقارن – الجامعة العالمية للعلوم الاسلامية .

٤- حاليا عضو الهيئة الاستشارية العلمية في كل من جامعتي UCK

والجامعة العالمية للعلوم الاسلامية لندن .

٥- المستشار القانوني للرئيس العراقي السابق .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here